كان طلبنا أن نعيش مع وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في الحكومة الإماراتية يوم عمل كاملاً من الصباح وحتى الليل، ننقل من خلاله صورة صادقة عن الأعباء التي يقوم بها، ونتناقش معه في مختلف المسائل العامة والخاصة، بعيداً عن الأسئلة المعلبة الجاهزة،
عند وصولنا أبوظبي، في تمام الساعة التاسعة صباحاً، توجهنا مباشرة لحضور مؤتمر اتحاد مصنعي الكابلات العرب، حيث كان الشيخ على معرفة بموعد قدومنا، وما هي إلا لحظات حتى صعد المنبر، وألقى كلمة الافتتاح، وبعد الانتهاء رحّب بنا، ودعانا إلى الركوب بصحبته في سيارته؛ لنرافقه إلى مؤتمر آخر يُعقد تحت رعايته.
بعد أن ركبنا السيارة لم يكن محرجاً أن نسأله عن يومنا معه، وإن كانت اجتماعاته ونشاطاته ستستمر طوال النهار، فقال بلهجة لا تخلو من المرح والنشاط غير المحدود: «نعم هي كذلك».
هذا الانشغال الذي يوحي بأنه لا شيء سواه، يساير خطاً نشيطاً آخر في مجال الأعمال والمصارف وتمويل المشروعات وإدارة الاستثمارات، فالشيخ نهيان من رجال الأعمال الناجحين، ليس على الساحة الإماراتية فقط، بل الدولية، فهو يرأس بنوكاً وشركات تعمل في مجالات التشييد والبناء والبتروكيماويات والفنادق والعقارات.
قاد سيارته بنفسه، بدا قليل الكلام، ولنعرف ماذا يفعل وبماذا يفكر، لا بد من الدخول إلى أعماق يومه، فسألناه: واضح أن اليوم مشحون، كيف تبدأ يومك؟
فأجاب: كل يوم مشحون، أستيقظ في السادسة والربع، وأبدأ بالرياضة، وعادة أمارس رياضة الجري، وأحياناً على بعض الآلات الرياضية، ثم أبدأ في متابعة مواعيدي المنسقة مسبقاً، بعدها وصلنا إلى قاعة المؤتمرات في أحد فنادق أبوظبي، حيث افتتح مؤتمراً متخصصاً في الحلول العقارية، فألقى كلمة مرتجلة بلغة إنجليزية متمكنة، فالشيخ درس في مدرسة ميلفيلد البريطانية حتى المرحلة الثانوية، والتحق بعد ذلك بكلية ماجدالين Magdalen College في جامعة أكسفورد. وبعد انتهاء الكلمة خرجنا بصحبته، من دون أن نعرف إلى أين ستكون وجهتنا التالية.
ذكرياتي معه
لم يمنعنا هدير السيارة من أن تلامسنا نبرة الشيخ الموغلة في الحنان والذكريات الجميلة، عندما سألناه عن علاقته بالمرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث يقال إنه كان يكنّ له حباً خاصاً؟
أجاب: «كان أكثر ما يهمه هو دفعي للتعليم. أذكر مرة أنه اشترط عليَّ أن أختم القرآن، وبالمقابل سيصطحبني معه في رحلة، وبعدما ختمته ووقفت أمامه بكل ثقة، قال لي: سترافقني بعد أن تكتب لي رسالة.
كان يتعامل مع الكل هكذا، لم يكن يفرّق بين أحد وآخر، هو رجل النظرة والحس المرهف الذي يحب الخير لجميع الإنسانية، لدرجة أنه كان يتأثر بالكوارث أينما حدثت».
* هو في بالك مع قدوم عيد الاتحاد؟
ذكراه لا تقتصر على العيد الوطني، فنحن نراه عندما نمشي في الشوارع، عندما نرى علم دولتنا، كل ما حولنا فيه روح زايد، حتى من لم يقابله يشعر بحبه في نفحات هواء ديسمبر، مواقفه مشرفة دولياً وعربياً وعالمياً، كل الأجانب هنا سعداء بإقامتهم، ويقومون بواجبهم؛ بسبب الاحترام الذي جعله زايد من ركائز هذه الدولة.
ويتذكر قائلاً: «مرة دخل مصنع تمور، وأعطى صاحبه ثمناً فوق ما يستحقه، وكان يردد «زيدوهم»، ولم يسأل عن ربحية المجتمع، فمحور ما يقوم به هو تنمية الإنسان واحترام عمله».
المرأة جناح
المرأة في حياة الشيخ الوزير هي الأخت والابنة والوالدة، لكنه استدرك: «شرط أن يكون ذلك بعملها وإخلاصها وما تقدمه للمجتمع».
حققت المرأة العالمية المركز الأول في التحصيل العلمي، حسب تقرير المنتدى الاقتصادي للعام 2013، وهو أمر كان يتوقعه الشيخ، وأرجع فضله إلى الشيخ زايد، رحمه الله، يتابع: «أيضاً يعود الفضل في هذا للشيخة الوالدة فاطمة بنت مبارك، فكل ما كان يهمها معه تذليل العقبات، وفتح كل المجالات والطرق لتعليم الفتيات، والآن هنّ يمثلن ثلثي عدد طلاب الجامعات، فعندنا أعلى نسبة في العالم تؤكد أن المرأة في التعليم العالي بعد الثانوية تجاوزت الـ90 %، في الدول المتقدمة 30 %
صمت الوزير للحظات، وتركزت النظرات على أشجار النخيل في جانبي أحد طرقات أبوظبي، ثم استدرك: «لا يوجد مجال مقتصر على الرجل، كان الشيخ زايد يقول إن المجتمع طائر، ولا يمكن أن يطير بجناح واحد، والجناحان هما الرجل والمرأة».
* هل تعتقد أن بنت الإمارات استفادت من المسيرة التعليمية بشكل كاف؟
أجل، فإنشاء مؤسسات التعليم العالي حمّلها مسؤولية هذه الأمانة، وأصبحت مطالبة بالأخذ بما هو جديد في مختلف الميادين، حتى إنها أصبحت يداً مشاركة في تطوير المؤسسات في كل من القطاعين العام والخاص.
جلسة مجلس الوزراء
ها نحن نعبر بوابة قصر الرئاسة، عندها اكتشفنا أن هذا الوقت هو لجلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، حيث أكملنا الدردشة، في إحدى صالات الاستراحات في القصر، قبل أن يعتذر؛ لحضور الجلسة، بينما ننتظر نحن في الصالة لفترة محدودة.
وجوه الدولة
بعد استراحة قصيرة، من الساعة الواحدة والنصف حتى الرابعة، توجهنا إلى المجلس، حيث كان الشيخ يقوم بواجباته الاجتماعية. التصميم الدائري الكبير مكننا من رؤية الوجوه كلها، من وزراء وأعيان ورجال أعمال، ومسؤولين في مجالات مختلفة، ومن جميع الجنسيات، كانوا يتوافدون تباعاً ويسلمون على الشيخ بالطريقة الإماراتية، ثم يجلس الواحد منهم عشر دقائق لا أكثر، بينما يدور صباب القهوة الخليجية على الجميع، ممتعاً إياهم بنكهة وتراث المكان.
بعض التفاصيل التي تبدأ بطقوس فنجان القهوة، وليس انتهاء بالوقوف المستمر؛ احتراماً للجميع في تحيتهم، لها صلة بالأصالة التي تربى عليها الوزير الشيخ، وبالتمسك بالعادات والتقاليد التي تحافظ على الروابط بين الجميع.
وبعد وقت، لا يقل عن 3 ساعات، انتهت واجبات المجلس، ثم خرجنا مع الوزير، ولم ينتهِ يوم عمله الشاق، وهو يتنقل بكل حيوية، فسألناه: كم ساعة ترتاح ومتى تنام؟
سؤال أضحكه، وترك لنا أن نحسب ساعات يوم عمله؛ وهي بين الالتزامات الاجتماعية والعمل الحكومي تتجاوز الـ14 ساعة!
أطول إجازة له كانت هذا العام، بعد أن استمر في العمل لـ4 سنوات سبقتها لم يأخذ فيها إجازة، ورغم ذلك فقد كانت مقسمة على فترات أسبوعية.
في الطريق كنا متوجهين لاجتماع يخص وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وهذا ما دعانا لسؤاله عن وجود تعاون بين شرطة الإمارات والوزارة؛ للحدّ من المخاطر التي تنتشر حالياً بين الجيل الجديد، فاستدرك قائلاً: «حتى إننا نشرك الداخلية والصحة فيها، وهي إستراتيجية لبناء دولة الشباب. شبابنا مستقيم، وما نراه مجرد حالات شاذة، لا أدّعي أن شبابنا ليست لديه مشاكل، ولكنها لا تزيد على مشاكل الآخرين، فالتنوع الثقافي بقدر ما له إيجابياته له سلبياته».
تعليم راق للجميع
نقطة البداية، كما يراها الشيخ، هي أن يكتسب الدارسون المهارات اللغوية، ومهارات الرياضيات، والإلمام بالطرائق العلمية، والوعي التاريخي، وتذوق الثقافات الأخرى. وعند سؤاله عن التعليم في الإمارات، قال: «لا يحضرني سوى قول للشيخ زايد، أرغب في أن يعرفه كل الطلاب؛ وهو أن التعليم مثل الفانوس الذي ينير طريقنا في الأزقة المظلمة، وعدد كبير من سكان العالم يفتقرون إلى هذا الفانوس، من هنا علينا إعداد البرامج التي ستُحدث نقلة في البيئات المحرومة من التعليم».
يؤمن الشيخ نهيان بنتائج الدراسات التي أظهرت أن العالم سيواجه نقصاً حاداً في القوى البشرية؛ لمواكبة التوسع في كل القطاعات، يتابع: «هي مشكلة عالمية تواجهها حتى الهند، لذلك يجب أن نركز في الإمارات على النوعية في التعليم قبل الكيفية والكمية، بشكل يتوافق مع المستويات العالمية».
* ألهذا تؤيد سياسة الابتعاث الخارجي التي تنتهجها الإمارات؟ هل لأن بعض التخصصات غير موجودة؟
بل نرسل أبناءنا إلى الدول الأخرى؛ للاختلاط مع مجتمعاتهم، وليعتمدوا على أنفسهم، ويعودوا بنظرة جديدة لوطنهم، مستفيدين من تجارب الآخرين.. المهم أن يأتوا بتجارب ثرية وغنية.
ولم يغفل الوزير أن سياسة القبول في المؤسسات التعليمية الحكومية في الإمارات تعتمد على دراسة احتياجات المجتمع المحلي، والتي تختلف بين عام وآخر، ورغم ذلك يعلّق: «نحترم ميول كل طالب، فالقدرات متفاوتة بلا شك».
يعود الوزير ليؤكد: «لسنا في منافسة مع الآخرين، فنحن نسعى وراء العلم، ونطلب ممن سبقنا أن يفيدنا من تجاربه»، قول ردده بكل تواضع.
وزارة الهوية
حدد الشيخ نهيان أهدافاً تركز الوزارة على تنفيذها، وهي: تعزيز الهوية الوطنية، والاهتمام بالثقافة والآداب العربية، ثم تنشيط المناخ الفني، في ظل ثورة المعلومات والاتصالات. يتابع الشيخ: «العالم كله يموج بأحداث وتحركات، لا بد أن نتواصل معها من خلال أهل الفكر والفن، سواء من خلال الاستثمارات، أو الصناعات الإبداعية والسياحية».
في هدفه الرابع يسعى الشيخ لفكرة «المسرح والفن للجميع»، كما وضع نصب عينيه توظيف الثقافة والآداب والفنون؛ لتنقية سلوك الإنسان، يتابع الشيخ لـ«سيدتي»: «يهمنا أن نعدّ إنساناً لحياة نافعة، إنساناً يهتم بتعدد اللغات والثقافات، إنساناً موهوباً يحب القراءة».
المصالح تتشارك
يحرص الوزير على المتابعة المستمرة؛ لتحقيق ما يتم تحديده من أهداف، فما يهمه العمل كفريق واحد؛ لإيجاد حلول متكاملة.. ربما لهذا نالت وزارة الثقافة جائزة أفضل برنامج مسؤولية اجتماعية عن مبادرة القوافل الثقافية، لكنه عند تذكيره بهذه الجائزة، قال بحزم: «نحن لا نسعى للجوائز، وإنما لخدمة الثقافة بنظرة إستراتيجية متكاملة، تعرّف الناس بثقافة الآخرين، وترسخ ثقافة التسامح وحب الوطن، ونحاول أن نشارك الجميع في قوافلنا وبرامجنا؛ حتى نبتكر ثقافة تواكب التطورات العالمية، فالمصالح تتشارك».
سؤاله عنهم
استمر حوارنا معه في سيارته الخاصة، ونحن نتوجه إلى قصره، وما هي إلا دقائق حتى اجتمع حول الطاولة في القاعة الكبيرة أعضاء اللجنة العليا لبطولة كأس العالم للناشئين؛ لعقد اجتماعهم التاسع، تحت رئاسته. حضرنا حديثاً في غاية الدفء بين رؤساء لجان عرضوا أمامه تقارير المجموعات الست المكلفة بتنظيم مباريات البطولة، التي تجري في ملاعب أبوظبي والعين ودبي والشارقة والفجيرة ورأس الخيمة.
اطمأن أن استعدادات الإمارات للبطولة كانت جيدة جداً، بدأ بالسؤال عن اللاعبين بالأسماء، كأنه سؤال عن أفراد العائلة، علّق الشيخ وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع: «بناء الإنسان وفق معايير ترسخ مفهوم الانتماء والولاء للوطن هو هدفنا».
يتابع الشيخ نهيان بنفسه اختيار عدد من الألعاب الأولمبية، ويركز على إعداد مجموعة من اللاعبين من أبناء وبنات الإمارات، ويدفعهم للمشاركة في دورة الألعاب الآسيوية، التي ستقام العام المقبل، ودورة الألعاب الأولمبية التي ستقام في البرازيل 2016. يقول: «الرياضة جزء مهم من عناصر الحياة السليمة، بغض النظر عن الأهداف من وراء ممارستها».
ثم أشاد بالدعم اللامحدود للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وإخوانه الشيوخ أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، حكام الإمارات، والفريق أول محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لمسيرة الشباب والثقافة وتنمية المجتمع في الدولة.
مشاركة الشعوب بأفراحها كانت من ضمن برنامجه اليومي، فقد توجهنا معه إلى فندق «دوست تاني أبوظبي»؛ لحضور حفل الاستقبال، الذي أقامه أحمد أنور بن عدنان، سفير ماليزيا لدى الإمارات؛ بمناسبة اليوم الوطني لبلاده. وفي هذا التوقيت عادة ما يشارك الشيخ بالمناسبات الخاصة للناس.
طيار باحتراف
في المساء فوجئنا بمخطط الشيخ؛ حيث دعانا للذهاب معه إلى دبي، في الطائرة الهيلوكبتر التي سيقودها بنفسه، ووراء مقود الطائرة تجلت شخصية تبدو فيها ملامح الدولة اليافعة التي تنار أضواؤها من نافذة الطائرة.. كل برج يحكي قصة حضارة بتأن من عمق تفكير مسؤوليها، ثم حطت بنا الطائرة في المركز التجاري العالمي بدبي.
زيارة الشيخ نهيان للعديد من المؤتمرات والندوات، التي تتعلق بكافة جوانب الحياة في الإمارات، بدت رسمية، لكن وجوده ليلتها في المعرض العربي الفارسي للفن في مركز دبي التجاري، كشف عن شخصية تنبض بالحياة والمرونة إلى حد لا مثيل له، فقد بدا من أحاديثه معهم أنه صديق للفن والفنانين، كانت أسئلته تغوص في العمق عن هذه الصورة أو تلك.
فماذا يخبئ الشيخ من هوايات بعد، فقد تناهى إلى مسامعنا أنه كان يمارس العزف على البيانو، وعندما سألناه قال: «كنت! لكنني الآن مهتم بالصيد بالصقور، والهدف منها الرفقة والألفة التي تحققها هذه الرياضة، كما أنني أهوى الشعر كثيراً، لكنني لا أكتبه.
سلوك الشيخ هو أجمل قصيدة شعر ممزوجة بمحبة الناس، التي رأيناها بعد مرافقتنا له في يوم كامل، كشف لنا من حوله أن أيامه كلها هكذا مع الناس، فأين مكان العائلة في حياته؟ هنا علّق الشيخ: «عادة أتفرغ لهم ظهراً وليلاً، ولكن لعملي مكانته الخاصة».
وعندما سألنا الشيخ عن أعماله الخيرية، لم يُبدِ رغبة واضحة بالكلام، فهو يغذي بهذا الجانب نفسه، وربما اعتبر من ملامح وجهه أن الإجابة عن هذا السؤال جانب شخصي.
مناصب
- شغل منصب وزير التربية والتعليم خلال الفترة 2004- 2006.
- شغل منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي منذ فبراير 2006، وحتى مارس 2013.
- يشغل حالياً منصب وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.
- الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1982، ورئيس مجمع كليات التقنية العليا منذ عام 1988.
- رئيس مجلس إدارة بنك الاتحاد الوطني ومجموعة أبوظبي والبنك المتحد المحدود.
- يترأس العديد من اللجان الحكومية.