الناس تتحسس من الموت، ولا ترغب في سيرته، وأنا لديَّ فِكرة مقال عن حالنا مع المبدع في حياته، وبعد مماته، لذلك لن أضرب مثلاً بأديبٍ؛ أتكهَّن بدنوِّ أجله، لأنه سيغضب.. من هذا الباب، سأضرب المثال بنفسي، فأنا أتحمّلها، وهي تتحمّلني..!
حاولوا معي أن تُفعِّلوا خاصية الخيال لديكم، وتتخيَّلوا أن خبراً ستقرؤونه غداً في الصحف والمجلات يقول: (وفاة عامل المعرفة أحمد العرفج)، ماذا سيحصل؟.. سيحصل التالي:
أولاً: ستقوم الصفحة الثقافية بجريدة «المدينة» السعودية؛ بعمل ملف عن «المرحوم»، وسيتم استكتاب أصحابه فيه من أمثال: «علي العلياني، عبده خال، حمود أبوطالب، طلال القشقري، إبراهيم نسيب، خالد العقيلي ومفرح الشقيقي... وغيرهم»، وكلهم سيكتبون عن ذكرياتهم مع الأديب الراحل..!
ثانياً: سيقوم الأستاذ الصديق «أبوفهد محمد الحارثي» -رئيس تحرير مجلة «سيدتي»، بصفة أن «المرحوم» كان مِن كُتَّابها- باستكتاب بعض السيدات والسادة، للحديث عن مناقب المذكور، وصفاته الكِتابية والقِرائية..!
ثالثاً: ستُخصِّص «روتانا» حلقة عن الراحل، وبالذات برنامج «يا هلا بالعرفج»، يتناولون فيها كيف كان «المرحوم»؛ متابعاً جيِّداً لمجريات الأحداث، وكيف كان ملتزماً بالحضور إلى الاستديو، ولم يتخلَّف في يومٍ من الأيام، وكان –يرحمه الله- مثالاً للمذيع المهتم بتطوير نفسه، وتقديم مادته بشكلٍ أخَّاذ..!
رابعاً: سيقترح أحدهم على أمانة المدينة المنيرة، أو أمانة جـدة، إطلاق اسم الفقيد الأديب الراحل؛ على زقاق من الأزقة المهجورة..!
خامساً: سيقوم النادي الأدبي -في إحدى المدن- بعمل فعالية، يفتح فيها ملفاً لتكريم الأديب الراحل، يشارك فيه نخبة من كُتَّاب النقد والفِكر..!
سادساً: ستمتلئ أعمدة الصحف بمقالاتٍ عن الفقيد الراحل، حتى أولئك الذين لا يعرفونه، سيكتبون أنهم قابلوه، وأنه أشاد بهم، وأثنى على كِتاباتهم..!
سابعاً: سيشمت مجموعة من الناس في شبكات التواصل الاجتماعي، قائلين: (الحمد لله الذي أخذه أخذ عزيزٌ مقتدر، وكفَّ عن الناس شرّه)..!
في النهاية أقول: هذه قصة خيالية، ولكن الواقع يمشي معها، ويُطبِّقها بحذافيرها، لأننا لا نُكرِّم الإنسان إلا بعد وفاته، ولقد صدق الشاعر القروي حين قال:
(يَا أيُّهَا الأُدَبَا مُوتُوا لِنُكْرِمَكُمْ
إِنْ يَخْبُث العَيْشُ فقَدْ تَحْلُو المَنِيَّاتُ)!