أظهرت قرون من السجلات الأحفورية لأعماق المحيطات، أن التغيرات التي طرأت على دورة المحيطات «تيارات المياه العميقة والسطحية»، قد تسببت في تغيرات واضحة في النظم البيئية للمحيط الأطلسي، بشكل لم تشهده منذ عشرة آلاف عام.
وجاءت هذه النتائج في دراسة بحثية جديدة قام بها علماء من كلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة، ووفقاً لهذه الدراسة التي نشرت في 17 نيسان الماضي في دورية «جيوفيزيكال ريسيرش ليترز»؛ فقد أحدث هذا التحول بعض التوترات السياسية بين الدول إثر هجرة الأسماك إلى المياه الباردة.
تغير ملحوظ في مناخ المحيط
كانت الأرض قد شهدت مناخاً مستقراً نسبياً على مدى 12 ألف سنة، وذلك بعد انقضاء العصر الجليدي الأخير الذي يعرف باسم «الهولوسين».
وكان ذلك هو الحال أيضاً بالنسبة للمحيطات التي استقرت تياراتها الرئيسة بشكل نسبي خلال ذلك العصر؛ إذ أن لهذه التيارات دورات طبيعية تؤثر على مكان وجود الكائنات البحرية، بما في ذلك العوالق والأسماك والطيور البحرية والحيتان.
وأدى التغير الملحوظ مؤخراً في مناخ المحيط، إلى ابيضاض الشعاب المرجانية الاستوائية، وتزايد حامضية المحيطات، وكذلك هجرة بعض الأنواع البحرية مثل الرنجة والماكريل إلى الأقطاب.
لكن الباحثين يرون أن معظم التغيرات الكبيرة ستكون في المستقبل، دون أن يسجلوا شيئاً ملموساً عنها في الحاضر.
النظر إلى الماضي
ولتحدي وجهة النظر السائدة تلك، قام العلماء «بتقصي أماكن عدة لأحافير قاع المحيط شريطة أن تحمل في طياتها تفاصيل ما أحدثه عصر الصناعة وكذلك أيضاً سجلات آلاف السنين الماضية» كما يقول بيتر سبونر قائد الدراسة، فيما نقله موقع «ذا كونفرزيشن».
ووقع اختيارهم في النهاية لقاع البحر الموجود في جنوب أيسلندا، والذي تتسبب تياراته العميقة في تراكم الرواسب بكميات كبيرة.
وتعتبر هذه الرواسب بمثابة سجلات البحر، ذلك لأن الرواسب العميقة تحتوي على أقدم الحفريات، بينما تحتوي السطحية منها على الحفريات المترسبة خلال السنوات القليلة الماضية.
وبذلك يتمكن العلماء من معرفة كيف كان المحيط في الماضي، عن طريق حساب أنواع العوالق الأحفورية المختلفة التي يمكن العثور عليها في مثل هذه الرواسب؛ إذ تفضل الأنواع المختلفة العيش في ظروف مختلفة.
تغير سجلات البحر الأحفورية
وتتبع العلماء أحد هذه الأنواع المسمى «الفورامينيفيرا» (المنخريات)، والذي يملك أصدافاً من كربونات الكالسيوم، ووجد الفريق أن دوران التيارات السطحية لشمال المحيط الأطلسي، يعتبر فريداً من نوعه، وأن ذلك لم يلاحظ في الـ10 آلاف سنة الماضية.
وجاء ذلك نتاجاً لما عثر عليه العلماء من دوران غير اعتيادي لتيارات المحيط جنوب أيسلندا مباشرة؛ مما أدى إلى انخفاض أنواع عوالق المياه الباردة وزيادة أعداد أنواع عوالق المياه الدافئة؛ مما يعني أن المياه الدافئة قد حلت محل المياه الباردة الغنية بالمغذيات.
كما يعتقد العلماء أن هذه التغيرات قد أدت إلى هجرة بعض الأسماك الرئيسة شمالاً، مثل الماكريل الذي خلف صدعاً سياسياً بين الدول التي تتنافس على حقوق الصيد في هذه المنطقة.
كما أظهرت أدلة أحفورية أخرى أن مزيداً من المياه الدافئة قد وصلت إلى القطب الشمالي قادمة من المحيط الأطلسي؛ مما قد يساهم في ذوبان الجليد هناك.
وإلى الغرب من ذلك، لوحظ تباطؤ دورة المحيط، وهو ما يعني أن درجة حرارة المياه لم ترتفع بالقدر الذي توقعه العلماء من قبل، ذلك في الوقت الذي تنزاح فيه تيارات الخليج الدافئة -بالقرب من الولايات المتحدة وكندا- إلى الشمال، وهو ما قد يحمل تبعات بالغة الأثر على مصائد الأسماك.
ومازال العلماء لا يعرفون السبب وراء تلك التغيرات في دورة المحيطات، إلا أنهم يعتقدون أن إحدى الطرق التي يمكن أن تتأثر بها دورات المحيطات هذه، هي عندما يصبح شمال الأطلسي أقل ملوحة، والذي قد يكون نتاجاً لتغير المناخ الذي يتسبب في زيادة هطول الأمطار وزيادة ذوبان الجليد.
«ولربما أدى ذوبان الجليد الذي حدث في منتصف القرن الـ18 إلى زيادة نسبة المياه العذبة؛ مسبباً ظهور أقدم التغيرات التي لاحظناها، هذا إضافة إلى تغير المناخ الذي دفع هذه التغيرات لأن تبدو أبعد من كونها تغيرات طبيعية منذ عصر الهولوسين»، كما يقول سبونر.