الأدب، هو أداة استخدمها الإنسان منذ قديم الزمان كوسيلة للتعبير عن أحوال الأفراد في الأزمنة والحضارات المختلفة، والكثير من الأدباء سخَّروا أنفسهم وحياتهم؛ جرّاء الأدب ومهمته السامية التي تتمثل في السمو بالنفس ومعالجة أحوال الناس، ونقل التاريخ البشري بكافة تفاصيله من خلال مزيج شائق من الحكايات والأشعار والتراتيل المكتوبة، وبلا شك أنّ للأوبئة مكاناً في وصف الأدباء لأحوال زمانهم، فالكثير منها قد أودى بحياة الآلاف من البشر على مرّ الزمان، ونظر الأدباء لهذا الوباء من زاويته الجمالية والفنية.
روايات سعودية تطرقت للأوبئة
«سيدتي» التقت بعض الكُتّاب والمختصين ليُخبرونا عن بعض الروايات السعودية والعربية وأيضاً العالمية التي تطرقت للأمراض التي عاصرها الأفراد في تلك الأزمنة، لتكون ونيساً مسلياً يستعينون بها في عزلتهم الصحية اليوم لمواجهة جائحة كورونا.
ذكر الناقد والأستاذ الجامعي الدكتور منصور البلوي، أنّ هناك العديد من الروايات السعودية التي تطرقت للأوبئة منها:
- رواية (عين شمس) للروائي السعودي سعود الصاعدي الصادرة عام 2017، والتي أشار فيها إلى فيروس «إنفلونزا الطيور»، وهي إشارة شكلت حافزاً سردياً دفع (ربيع) وهو أحد شخصيات الرواية، لإكمال الطب في كندا، ولقائه بطالبة الطب الدمشقية التي تتعالق مع «شمس» المخطوط اسماً وغياباً، فضلاً عن سفر «مرعي» و«ربيع» للأردن لاستقطاب بعض الأطباء.
- (سفر برلك) للروائي مقبول العلوي، من الروايات السعودية التي وقّعت على ثيمة الأوبئة (الجُدري والتيفوئيد)، وهي رواية تاريخية تتحدث عن أواخر الحكم العثماني، حيث التيه والرِّق والمجاعة التي حلّت بالمدينة المنورة في عهد فخري باشا، وتهجيره القسري لسكانها، ثم عودتهم بعد الثورة العربية.
- تعد رواية (المتحولون) للكاتبة السعودية نورة الشمسان، من أدب الخيال العلمي التي جعلت من (الوباء) ثيمة محورية لها، إذ ظهر وباء في إحدى المدن فقام عالم بيولوجي بتطوير الفيروس وبثه في أجساد المصابين، فأصبحت عدوى التحول إلى كائن متوحش، تنتقل بين الناس بمجرد اللمس والخدش.
- وعلى النطاق العربي، أشار إبراهيم نصرالله في رواية (براري الحمى) لعدد من الأوبئة كالإنفلونزا والسل والحمى والمجاعة القارة في سبت شمران.
الروايات العالمية تطرقت للوباء بشكل أوسع
يرى الكاتب الدكتور فهد إبراهيم البكر، أن الروايات العالمية تطرقت بشكل أوسع للأوبئة وقال: «لا نجد في الرواية العربية تشخيصاً حقيقياً للوباء بالمسمى الحرفي إلا في العنوان في بعض الأحيان، وإنّ كان العنوان أحياناً لا يدل على مضمون، لذا أجد الروايات العالمية تطرقت بشكل أوسع للأوبئة وأشبعتها سرداً وتفصيلاً، خاصةً روائيي العصر الذهبي للرواية في أوروبا، حيث تعاملوا مع الأوبئة بوصفها قصة، أو أداة روائية، وليس مرضاً فحسب، وليس شرطاً أن يُشخَّص الأدب الوباء، ولكن على الأقل يعرض له عرضاً إما على سبيل التصوير أو نقل الواقع، وأحياناً يتطرق الأدب إلى طرق التصرف والتعامل معه، لذا سأشير هنا إلى أبرز الروايات العالمية في هذا السياق:
- رواية «الحب في زمن الكوليرا» للكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، والتي دارت أحداثها في مدينة (كاريبية) على ضفاف نهر (ماغدالينا) في (كولومبيا) إبان اجتياح وباء الكوليرا، في هذه الرواية الكوليرا وجدت طريقها لتقترن بالحب!.
- الروائي الألماني الحائز على نوبل للآداب 1929م، تطرق وأبدع في الفصل الأخير من روايته «الموت في البندقية» إلى تشخيص الوباء، وسرد أحداثه، وكيفية وصوله إلى تلك المنطقة، إذ جعل في روايته هذه من الوباء والموت ثيمة مقابلة للجمال!.
- ولعلّ من أقدم ما كُتب في أدب الأوبئة، قصة الإيطالي جيوفاني بيكاشو «الديكاميرون» التي تحكي أحداث هروب مجموعة من الشبان من الطاعون الأسود الذي اجتاح بلادهم في ذلك الزمن، وصاروا يقضّون أمسيات الانعزال بالحكايات التي تدعو إلى التسلية بعيداً عن الوباء.
أخيراً، هل سنرى بعد مرور الجائحة الحالية، بعضاً من الكُتّاب والأدباء يصفون هذه الفترة بشكل استثنائي وفريد، يُطلق عنان الخيال لدى الأجيال القادمة؟!