الفيلم القوي هو الذي يفهم اللغة التي يستخدمها، ويعرف إن كانت وسيلته ترفيهية أو تجريبية أو كلاهما، وفي هذه الحالة لن يكون الفيلم متسلقاً على القضية السياسية التي يقدمها، هذا بالضبط ما فعلة المخرج هاني أبو أسعد في فيلمه الفلسطيني "عمر" الذي افتتح بالأمس الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي، إذ لم يكن ناقلاً فقط للقضية الفلسطينية وحياة الفلسطينيين على الحاجز الإسرائيلي بل رافعاً لها.
وبعد ثماني سنوات على فيلم "الجنة الآن" الذي عرض في افتتاح الدورة الثانية لمهرجان دبي السينمائي ولاقى نجاحاً كبيراً، ويروي قصة فلسطينيين اثنين يحضران لارتكاب هجوم انتحاري في إسرائيل، يعود "أبو أسعد" هذا العام مع افتتاح الدورة العاشرة وفي جعبته "عمر"، وهو فيلم إثارة سياسي على خلفية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يسرد قصة ثلاثة أصدقاء طفولة تفرق بينهم في نهاية الأمر القضية الفلسطينية، ويعرض سلسلة العنف في نزاع يبدو من دون مخرج، ويؤدي دور البطولة فيه الممثل آدم بكري، يعمل عمر في أحد المخابز ويحب نادية شقيقة صديقه طارق، وهو من المناضلين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وبعد أن اعتقلته الشرطة العسكرية الإسرائيلية وأذلته انضم عمر إلى صديقه طارق وزميلهما أمجد في مهمة لقتل جندي إسرائيلي تنتهي بسجنه وتعذيبه وخيانة صديقيه بعد تعرضه لضغوط، وبعد أن صدم بالخيانة بدأ يشك في إخلاص حبيبته نادية خاصة وأن أمجد كان يحبها أيضاً وتنهار حياته تماماً وهو مطارد في الأراضي الفلسطينية، وتتضافر في الفيلم الجديد لأبو أسعد السياسة مع الحب والخيانة بعد أن فرقت الشرطة السرية الإسرائيلية بين حبيبين، والواقع الفلسطيني رغم بعض لمسات من الأمل التي زرعت هنا وهناك.
أنتج فيلم "عمر" بأموال 95 بالمئة منها فلسطينية ويندرج ضمن ديناميكية السينما الصاعدة التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، وصرح أبو أسعد خلال المؤتمر الصحفي الذي أقامه "دبي السينمائي" بالأمس لطاقم الفيلم، أن "عمر" تكلف 1.5 مليون دولار احتاج عاماً لجمعها، وأنه صوره في الضفة الغربية وبلدة الناصرة التي يعيش فيها عرب إسرائيل.
وأكد هاني أبو أسعد أنه "مخرج متعدد الثقافات" حيث قال: "أنا فلسطيني لكن ثقافتي السينمائية كانت في بداياتها مصرية ثم اتسعت لتصير أيضاً أميركية وهندية وأوروبية مع سينمائيين على غرار تروفو وغودار وفاسبيندر، وتعززت بعد ذلك بالسينما الكورية واليابانية والإيرانية، وكل هذه الثقافات السينمائية تلهمني لكنني لا أشعر بأن صلة ما تربطني بالسينما الإسرائيلية، وكأن حاجزاً يفصل بيني وبين فن المحتل، ربما لأنني لم أتجاوز وقع الصدمة".
ويعرض اليوم في مهرجان دبي السينمائي على هامش فعاليات الأطفال فيلم "مجمد"، أو "ملكة الثلج"، أخرجته جينيفر لي وكريس باك، والذي تعود به استوديوهات والت ديزني بعد "تانغلد" 2010، و"خربها يا رالف" 2012، والذي اعتمد على تقنية الأبعاد الثلاثية الآخاذة والتي تجعل المشاهد متورطاً في قلب الأحداث ومع الشخصيات، لكن إلى جانب ذلك أسهم في تميزه الفني بشكل رئيس وجوهري أهمية مضمونه والبناء المحكم للسيناريو الذي كتبته جينيفر لي، التي شاركت من قبل في كتابة فيلم المغامرات الكوميدي "خربها يا رالف"، وقدمت معالجة لرواية جون شتاينبك" "أفعال الملك آرثر والفرسان النبلاء"، وتعمل على عدة سيناريوات من بينها "طريق أبين" مع ليوناردو دي كابريو.
وتكمن قوة سيناريو "مجمد" في رسم أجواء المغامرات وملامح الشخصيات المتنوعة بجوانبها المعقدة التي تجمع بين الخير والشر، في التطور المتسارع للأحداث، وفي الخيال الممتد باتساع الأفق. كل ذلك تم نسجه بمهارة ودقة في قالب موسيقي غنائي متقن الصنع بمؤثراته السمع بصرية بأسلوب مبهر لا يخلو من لمسات كوميدية خفيفة الظل، منضبط في إيقاعه وزمنه النفسي. أما الاشتغال البصري بما يتضمنه من تحريك وتصميم مناظر بخلفياتها وتعقيداتها، بما يتضمنه من أزياء واكسسوار، ومن تنفيذ الخدع السينمائية فجاء لافتا ومدهشا وبراقا بدرجة عالية. كما أنه متقن الأداء الصوتي، خصوصاً الصوت العذب لكريستيان بل في دور آنا بكافة أطوارها سواء الرومانسية أو الساخرة أو الشريرة منذ البداية وطوال رحلتها الملحمية برفقة رجل الجبال الصلب كريستوف، الذي قام بأدائه الصوتي جوناثان جروف بصحبة آيله الظريف شديد الذكاء والحساسية.
هو فيلم للعائلة تدور أحداثه حول شقيقتين اسمهما إلسا وآنا. إنهما أميرتين كانت أرواحهما توأم لا ينفصل في الطفولة. كانت إلسا الكبرى تتمتع بقوى خارقة، وبقدرات سحرية على تحويل الأشياء إلى جليد، وعلى صناعة رجل الثلج "أولاف" الذي تلهو معه وبه شقيقتها الأصغر آنا، وفي ليلة من ذات الليالي تتطور قدرات إلسا السحرية وتفقد السيطرة عليها فتُصاب الصغرى بخطر الموت. هنا تقرر الأميرة الساحرة أن تنسحب مستسلمة لمخاوفها التي أصبحت كالوحش يُحكم استحواذه عليها يوماً بعد يوم خصوصاً بعد أن قررت أن تعزل نفسها بين جدران القصر، وأن تغلق النوافذ والأبواب حتى لا تُصيب أي إنسان بشرورها، ثم تقصي بعيداً عنها أختها المتفائلة المفعمة بالحيوية والسعادة والجرأة وخفة الظل. هذه الأخت، التي لا تيأس ولا تستسلم لإقصاء لم تفهم له سبباً، تظل تحاول تذويب الحواجز الثلجية التي انتصبت بينهما، لكن الأحداث تتطور سريعاً في ليلة تتويج إلسا ملكة "لمملكة أرنديل" إذ تصيب مملكتها بالتجمد ويغمرها الصقيع في شتاء يبدو وكأنه أبدي، وهنا تفر الملكة هاربة تلاحقها مخاوفها وأختها التي تُصر على إنقاذها، وأثناء ذلك يتم الكشف عن أشياء أخرى مبهرة.
"مجمد" فيلم عن التضحية والوفاء والنقاء، هو أيضاً عن الخيانة والغدر والانتقام، عن المشاعر الإنسانية وشعلة الحب القادرة على اكتشاف مواهب وملكات الإنسان، وعلى إعادة الحياة إلى قلوب ونفوس وأرواح البشر عندما تصهر القلوب وتذيب ثلوجها الأبدية.