أفلام مهرجان دبي السينمائي العاشر "القاع".. هواجس الهجرة المؤرقة

يعود المخرج العراقي الإيطالي حيدر رشيد، الذي شارك من قبل في أربع دورات من "مهرجان دبي السينمائي الدولي" بأفلام روائية وتسجيلية، ليشارك في الدورة العاشرة هذا العام بفيلمه الروائي القصير "القاع"، وليتنافس مع أربعة عشر فيلماً آخر على جائزة المهر العربي القصير، من بينها ثلاثة أفلام تحمل توقيع مخرجين من العراق وبتمويل مشترك وهي: "الصوت المفقود" للمخرجة بافي ياسين إنتاج عراقي بلجيكي مشترك، "أطفال الله" للمخرج أحمد ياسين، "أطفال الحرب" للمخرج ميدو علي، والفيلمين الأخيرين إنتاج عراقي بريطاني مجري مشترك.

يعود مجدداً حيدر رشيد إلى تيمته المفضلة عن مأزق الهجرة والهوية، والتي يعشق أن يتناولها من زوايا مغايرة لها خصوصية. يحكي "القاع" – The Deep – ومدته 14 دقيقة عن شاب عراقي يكاد يتورط في عمل إجرامي سعياً وراء تحقيق حلمه بأن يصبح لاعب كرة قدم، لكن ضميره يستيقظ ويضطر إلى الهجرة غير الشرعية هرباً من بلاده، فهل ينجح؟ وهل حقاً تنجح لعبة الكرة القدم في تحقق حلمه الآخر في توحيد شعبه.
يكاد يخلو الفيلم من أي حوار. فقط كلمة أو اثنتين، إلى جانب جمل قصيرة جداً لمعلق رياضي أثناء إذاعة بطولة كأس الأمم الآسيوية الرابعة عشر في التلفاز. يستند السيناريو، الذي كتبه حيدر بنفسه، على المزج بين اللحظة الحاضرة وبين لقطات سريعة فلاش باك لوجه الرجل الذي منحه ميدالية كأس العالم لكرة القدم كأنها الحلم المعلق، أو للأم والحبيبة الملتاعة والتي تحمل بعد رمزيا للوطن، كما يستند على الفلاش فوروورد للمستقبل عندما يتخيل نفسه في الملعب، وفي الحالتين تم توظيف تلك التقنية جيداً تعبيراً عن تشبث البطل بالحلم الذي راوده، وعن مقاومة الألم والخوف المرعب الذي يعتريه.

تلعب الموسيقى في "القاع" دوراً موازياً للصورة السينمائية إذ تجسد الصراع الداخلي الذي يعانيه البطل، وعندما تنهك قواه وينتقل إلى وجود آخر تتلاشي الموسيقى ولا يبقى سوى هدير الشاحنة التي ظل البطل يتدلى أسفلها لساعات طوال حتى نزفت يداه. يختتم المخرج شريطه بلقطة موجعة ليست سوى كادر لموقعه أسفل الشاحنة وقد اختفى تماماً من الصورة ولم يبق سوى تلك الميدالية الحلم معلقة في بطن الشاحنة وهي تتردد للأمام وللخلف كالبندول.

نجح حيدر رشيد في "القاع" كما في أعماله السابقة منذ أولى تجاربه الروائية الطويلة "المحنة" في أن يقدم نفسه كمخرج شاب مفعم بالجرأة، اذ يعتمد في أعماله على الزمن النفسي للشخصيات أكثر مما يعتمد على وجود أحداث وهي مغامرة كبرى إن لم يكن السيناريو متقناً، خصوصاً عندما تكون معظم مشاهد العمل مصورة في لقطات مقربة طويلة زمنياً، أو متوسطة الحجم، وهي أمور كفيلة بإفشال الفيلم لو لم يكن الممثل تلقائياً متدفق الأداء ومقنعاً، في ظل وجود مخرج موهوب قادر على ضبط انفعالات الممثلين.