«بئر هداج»، يُقال إنّها البئر الأشهر في شبه الجزيرة العربية، كما أطلق عليها المستشرقون لقب «شيخ الآبار في الجزيرة العربية»، وتغنّى بها العديد من الشعراء والأدباء فأصبحت مضرب المثل في الكرم والعطاء. فكيف حظيت هذه البئر بهذه الأهمية، وكيف أصبحت معلماً أثرياً وحضارياً بارزاً في المملكة العربية السعودية ومزاراً للسُيّاح؟ ، نجيب عن هذا التساؤل عبر السطور التالية:
موقعه
تقع بئر هداج في شمال غرب المملكة العربية السعودية في مدينة تيماء تحديداً، يبلغ قطر محيط فوهة البئر 65 متراً، وعمقها يتراوح بين 11 إلى 12 متراً، بُنيت من الحجارة المصقولة، وتحيط بها أشجار النخيل من الجهات الأربع فأصبحت محاطة بإطار دائري من أشجار النخيل الباسقة.
تُعد هذا البئر من أشهر الآبار الطبيعية في شبة الجزيرة العربية وأكثرها قدماً، حيث تعاقبت عليها الكثير من الأحداث والمراحل التاريخية المختلفة، ولعبت دوراً هاماً في حياة الأقدمين والمحدثين أيضاً، كما كانت مصدراً لسقيا المزارع لدى السُكّان الأولين ومزاراً لكثير من قوافل الجمال والماشية، وكانوا يسقون من خلاله 100 رأس من الإبل وتُنقل المياه من داخله بواسطة 31 قناة حجرية.
سبب التسمية
يرى بعض الخبراء أنّ أصل تسمية بئر هداج يعود إلى وجود صلة بين لفظ «هداج» وبين اسم «هددو» أو «أدد» إله المطر والقمر والحب لدى الساميين الذين استوطنوا تيماء قبل الميلاد، وهو الرأي الأرجح عند غالبية المؤرخين، في حين أنّ آخرين يرون بأنّ «هداج» على وزن «شداد» اشتقاقاً من الهدج، وهو اصطلاح لغوي يشير إلى مقاربة الخطى في السير والإسراع من غير إرادة، وذلك إشارة إلى سرعة ماء هذا البئر.
توقيت بنائه
يرجع العديد من الباحثين تاريخ إنشاء هذه البئر إلى منتصف القرن السادس من الألف الأول قبل الميلاد، وذلك اعتماداً على مقارنة طريقة بنائها مع العديد من المعالم الأثرية المؤرخة كقصر الرضم والسور وقصر الحمراء. واستناداً على الوقائع والروايات القديمة، رأى المؤرخون أنّ وجود هذه البئر ارتبط بعهد حكم الملك البابلي «نبونيد» الذي عاش قبل الميلاد بأكثر من 500 عام، حيث نزح بعد أنّ تنحى عن حكم المملكة البابلية ليستقر في مدينة تيماء ويبني البئر.
محطات تاريخية
- هُددت البئر بالجفاف، حيث شهدت تذبذباً واضحاً في مستوى المياه، وتعرّضت للكثير من الأحداث التي كادت تؤثر على بقائها منها قيام المزارعين المجاورين بحفر آبار ارتوازية ما أثّر على منسوب المياه في البئر وكذلك قيام العديد من المشاريع ذات العناصر البنائية التي أثّرت على البئر سلباً، إلا أنّه تمّ إعادة حفرها قبل 400 عام ليعود للتدفق والعطاء.
- لفت البئر اهتمام الرحالة الغربيين منهم «هوبر وأوتينج» في عام 1884م، حيث أصابهم بالاندهاش وقصدوا زيارته ومن ثمّ قاموا بوصفه وصفاً دقيقاً، وتمّ رصد ذلك في كتاب أوتينج الذي حمِل عنوان «رحلة داخل الجزيرة العربية».
- في عام 1373هـ، وقف الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله- ليرى معاناة الأهالي عند استخراج المياه من البئر، فأمر بتركيب بعض المكائن الحديثة التي ساهمت في تسهيل هذه المهمة، وعلى إثر ذلك توسعت الرقعة الزراعية في المنطقة فيما بعد.
هداج في القصائد
منذ زمنٍ بعيد، تغنّى الكثير من الشعراء ببئر هداج وعذوبة مياهها وغزارته، وجمال البساتين والنخيل المحيطة بها، كما باتت مضرب المثل في الكرم والجود والعطاء لدى العرب قديماً وحديثاً.
نذكر هنا بعضاً من تلك الأبيات، كالتالي:
- ذُكرت البئر على لسان «السموال» حاكم تيماء في القرن الخامس الميلادي الذي قال مفاخراً:
بنـى لـى عاديــا حصنــاً حصيناً
زمــــاء كلما شئـت استقيـت
- وذكرها الشاعر الشهير «بدر بن عبدالمحسن» في رثاء والده قائلاً:
وطيب الذكر يكفيه لا قيل مرحـوم
مرحـوم يا ريـف الأرامل والأيتام
ياللي رفيقك دوم مكـرم ومحشـوم
هداج تيما.. وإن زما الضـد لطام
- كذلك قول الأمير عبدالعزيز بن سعود بن محمد آل سعود:
هــداج ماغضه من الـورد ميــــــــاح
جـم الـورود الضامـية ما تغيضـه
- وقال عنها الشاعر حمد الخليفاوي المعروف بـ«أبو طامي»:
غضى يانار جوفي والسنا بيه
اشتعل من عام الأول والسنا بيه
مثل هداج عيني والسنا بيه
يزود ولا يقل من الشراب
للمشاركة في الحملة:
يمكن لكل من يرغب في المشاركة إرسال ما يريد التعبير عنه في فيديو أو صورة أو تسجيل صوتي أو رسالة مكتوبة إلى البريد الإلكتروني للحملة:
أو:
كما يمكن إضافة الاسم والمدينة ورقم الهاتف لمن يرغب بالتواصل معه مباشرة.
أو عن طريق الرابط التالي:
أو أخذها نسخ ولصق من هذا الرابط في اخر المادة