أطلقت "مبادرة بيروت للتراث" مشروعاً انسانياً وفريداً من نوعه من أجل ترميم التراث العمراني والثقافي للمناطق المتضرّرة جرّاء الانفجار الذي حلّ منذ فترة قصيرة في بيروت وقضى على جميع المعالم الفريدة من نوعها بهدف إنقاذها وترميمها بدل تهجير أهلها.
أما رولا نحاس (صاحبة شركة Chocolate &Sunshine لتصنيع الشوكولا) فكانت مهتمة جدأ للمشاركة في هذا المشروع من خلال مجالها وهو صناعة الشوكولا لأنها وجدت من خلاله باباً تطرقه للوقوف الى جانب وطنها وشعبها،خاصة وأن إيرادات المبيع تعود لـ "مبادرة بيروت للتراث" لإنجاز مشروعها الوطني.
النجاح والازدهار
حول هذا المشروع تقول رولا نحاس أن " ترجمة حبّي وتعلّقي ببلدي بدأت عندما افتتحت شركتي حتى أثبت للعالم كله بأن بلادنا أجمل وأرقى بلاد وبإمكاننا إيصال رسالتنا بأحلى صورة.
نحن شعب نملك كل مقوّمات النجاح والازدهار، اخترت قطعة الشوكولا لأنها أحلى وألذّ وسيلة للتعبير عن مشاعري وأحاسيسي تجاه لبنان وكانت حاضرة دائماً في جميع المناسبات الاجتماعية والنشاطات، وقد تعاونت ولا زلت مع عدد من الرسامين اللبنانيين لترجمة فكرة معينة والتعبير عنها من خلال رسوماتهم، ولا أخفي سراً أن تعريف المناطق السياحية مثل الأرز وبعلبك احتلت حيّزاَ مهماً في عملنا، مع تفسير للصورة على غلاف كل قطعة من الشوكولا".
وتضيف قائلة: "بعد هول الفاجعة التي حلّت بلبنان وبعد حالة الاحباط التي أصابت شعباً بأكمله قررت أن أتخطى كل المشاكل والهموم وأن أقف الى جانب هذا الوطن للنهوض من جديد، وكنت اتابع أعمال بعد المؤسسات عن كثب الى أن قررت التعاون والتنسيق مع "مبادرة بيروت للتراث" لإطلاق حملة أنسانية إذا صحّ القول أو عملاً انسانياً للوقوف وبثّ الروح الإيجابية ،الأمل والتفاؤل رغم صعوبة الوضع والمرحلة التي نعيشها اليوم. كلنا يعلم أن الشوكولا ضرورية ورئيسية في حياتنا مهما كانت ظروفنا النفسية. وقد أصريت أن تكون الرسالة راقية شكلاً ومضموناً فاتصلت بعدد من الرسّامين اللبنانيين المقيمين داخله وخارجه والذين ابدوا كامل تجاوبهم وتعاونهم مع هذا العمل الراقي الى أقصى الحدود لأنني قرّرت أن أكون إيجابية لمواجهة ما حصل وزرع الابتسامة من خلال قطع الشوكولا، وأصريت على أن تكون الصورة حلوة وتحمل المزيد من التفاؤل والأمل حتى نترك في ذهن الناس وعيونهم هذه الصورة الحلوة الى حين عودة جميع الامور الى ما كانت عليه خلال فترة ما قبل الانفجار، فبرزت قطع الشوكولا بنكهتها اللذيذة وغلافها الجميل الذي تنوّع ليعبّر عن البيوت الأثرية بقرميدها الأثري وقناطرها الحمراء وهي كنز لا يقدّر بثمن".
تخطي الصعوبات
حول التجاوب مع هذه المبادرة، تقول رولا نحاس: "المبادرة كانت رائعة جداً وإيجابية الى حدّ كبير ولا أخفي سراً إذا قلت بأن الطلبات تزيد يوماً بعد يوم بسبب تكاتف الشعب مع بعضه وتضامنه، وقد تمكنت من تخطي الصعوبات التي عشتها جرّاء الانفجار بسبب محبتي وتعلقي بوطني، هناك تعاون وتنسيق مع عدد كبير من الاشخاص، وهذا العمل هو أقلّ ما يمكن أن أقدّمه لبلدي خلال محنته بهدف إعادة بناء وإعمار كل ما هو أثري من قصر بسترس أو متحف سرسق، فالأرباح المادية من بيع قطع الشوكولا الموجودة في أماكن منوّعة تعود لترميم هذه الأمكنة الأثرية وأنا فخورة جداً من وقوف الشعب الى جانب بعضه لان محبتي للبنان لا تقدّر".
الرسّام تياري شهاب
تياري شهاب المعروف بإسم Atary 81، فنان من لبنان يعمل في مجال الإعلان وأستاذ جامعي، وقبل كل شيء هو Urban Sketcher أي تخصّص فني يتكوّن من الرسم الحيّ في الموقع، يقول حول تعاونه في هذا العمل: " كان صباح يوم الأحد كنت أرسم مباشرةً من الموقع سلسلة من المنازل المدمّرة في منطقة مارمخايل. كان المشهد حزيناً جداً للمشاهدة في مدينة الأشباح التي أصبحت عليها بيروت. كنت على وشك الانتهاء من الرسم عندما تلقيت مكالمة من رولا نحاس، كانت تبحث عن فنان يصمّم لها التشكيلة الجديدة من الشوكولاتة التي سيعود ريعها للمساعدة في ترميم الأسطح القرميدية للمنازل التقليدية التي تضررت خلال الانفجار المروع في بيروت قبل موسم الشتاء. جاءت المصادفة بتوقيت جيد، قلت نعم على الفور، لقد تمكنت بالفعل من تصوّر التصميم في ذهني، ثم بدأت عملية التفكير".
ويضيف تياري قائلاً: "بعد أسبوع قضيت يوماً كاملاً في العمل في المشروع ، حتى بدأت يدي تؤلمني، لقد تحمست وأردت الانتهاء من ذلك في أقرب وقت ممكن، نفذت 3 تصاميم متميّزة ذات موضوع مشترك هي: الأسطح الحمراء الشهيرة للمنازل اللبنانية التقليدية، لكن ما يمّيز البيوت هو ألوانها وأماكنها. في الواقع اخترت 3 من أكثر مناطق بيروت دماراً هي: مارمخايل ، الجميزة والأشرفية ، كما اخترت عرض مباني عادية وليست مشهورة، فالبيت الأحمر في مارمخايل، المنزل الذي انهار بالكامل وحبس أنفاس الكثير من اللبنانيين الذين كانوا يأملون في العثور على ناجٍ تحت الأنقاض، بينما البيت الأزرق في الجميزة كان مطعماً وقد تلاشت كل ضحكاته وذكرياته الطيبة بواجهته المنهارة، وأخيراً البيت الأصفر في الأشرفية ببيروت يجري ترميمه بعد أن تضرّر بدوره. أنا فخورجداً بالحفاظ على تراثنا المعماري سليماً بطريقة ما من خلال رسوماتي المائية، ثم يتم تغليف قطع الشوكولا بها والتي ستضيف بالتأكيد بعض الحلاوة إلى هذه اللحظات المريرة التي نمرّ بها".