سجلت الساحة الفنية السعودية غياباً ملحوظاً لرواد الفن السعوديين حتى بات هذا الأمر ظاهرةً ملحوظة، تُقلق جمهور الأعمال الدرامية والسينمائية المحلية.
وساد تساؤل في الأوساط الفنية وبين الجمهور حول الأسباب الكامنة والسر وراء هذا الغياب، خاصةً مع ازدياد اللجوء إلى فنانين بأعمارٍ صغيرة لتجسيد أدوارٍ لكبار السن على الرغم من وجود فنانين كبارٍ في الساحة، وقدرتهم على تقديم هذه الأدوار بإتقان أكثر، إذ مهما حاول صغار السن تقليد الكبار، فلن يستطيعوا إقناع المشاهد بهذه الأدوار.
«سيدتي» ناقشت هذا الموضوع مع عدد من رواد الفن السعوديين، وسألتهم كذلك عن أسباب اقتصار مشاركة بعضهم على الأدوار الثانوية، وما دور الإنتاج فيما يحدث على الساحة الفنية السعودية.
المنتجون السبب
بدايةً، أبدى الفنان محمد الكنهل حزنه الشديد على الحال التي وصل إليها رواد الفن في السعودية، مؤكداً أنهم يعانون من الإجحاف والنكران من قِبل بعض المنتجين الذين كانوا يوماً ما زملاء لهم، وحينما برزوا في الإنتاج، تناسوا الروابط التي كانت تجمعهم بهؤلاء الرواد بدليل غيابهم عن الأعمال التي ينتجونها، وقال: «أغلب الفنانين الكبار لا تسمح لهم ظروفهم بإنتاج أعمال خاصة بهم نظراً لتقدمهم في العمر، عكس الحال حينما كانوا في مرحلة الشباب إذ كانوا ينتجون بأنفسهم أعمالهم، ويجسدون فيها دور البطولة».
وأثنى الكنهل على وعي الجمهور السعودي، قائلاً: «جمهورنا اليوم أكثر وعياً وتذوُّقاً للفن الجميل، لذا لم يعد يقبل أغلب ما يُعرض حالياً، خاصةً أن معظم الأعمال المحلية ليست سوى تهريج، وهدفها الأول الضحك لا أكثر بدل مناقشة القضايا الاجتماعية الحسَّاسة، وتقديم رسائل هادفة، عكس الحال في الماضي حينما كان رواد الفن يقدمون أعمالاً تمس ما نعيشه على أرض الواقع، لذا لا تزال خالدةً في الأذهان، ويتابعها عشاق الدراما باستمرار، وإن عُرضت أكثر من مرة، لأنها ذات قيمة فنية عالية».
وعمَّا يُقدَّم حالياً من دراما، رأى الكنهل، أن أغلب ما يُقدَّم لا يمت للواقع بصلة، لكن هناك أعمالٌ قليلة جداً تستحق المشاهدة والثناء، وقال: «معظم الأعمال المحلية السعودية حالياً أعمالٌ وقتية، تُنسى بعد عرضها مباشرةً، لأنها لا تستهدف قضية حقيقية، تحتاج إلى عرضها ووضع حلولٍ لها».
وحول استمرار الفنانين في الساحة الفنية، أكد الكنهل، أن أي فنان «كسول» يترك الفن لمدة سنة، أو سنتين، ينساه الجمهور والمنتجون، خاصةً إن كانت مشاركاته السابقة «مشاركات ثانوية»، ولم يقدم أي عمل كبير، يشفع له البقاء في ذاكرة الجمهور.
وتحدث بأسفٍ شديد عن حال بعض الرواد بعد نسيانهم، قائلاً: «حينما نلتقي بعض الرواد الغائبين عن الساحة الفنية، يشتكون لنا من نسيانهم، مثل الفنان عبدالعزيز الهزاع، الذي دائماً ما يعتب على زملائه الفنانين لعدم اتصالهم به، والاطمئنان على أحواله، وحجز مكانٍ له في أعمالهم، هذا على الرغم من أنه من الفنانين الذين اجتهدوا، وحفروا في الصخر حتى يثبتوا موهبتهم الكبيرة، كذلك الحال مع الفنان القدير سعد خضر، الذي يشتكي من تجاهل المنتجين له في أعمالهم، إذ لم يقدم في الفترة الأخيرة سوى مسلسل واحد فقط بعد دعوته من الزميل عبدالله العامر، ليعود مجدداً إلى عالم النسيان الفني، وهذا ينطبق أيضاً على مطرب فواز، وأحمد الهذيل، ولو أتيحت لهؤلاء الفنانين الفرصة لرجعوا إلى الدراما والسينما، وحققوا نجاحات كبيرة للفن السعودي».
ننتظر الفرص
من جهته، أكد الفنان مطرب فواز أن الرواد لم يبتعدوا عن الساحة الفنية، ولم يعلن أي منهم اعتزاله الفن، مستنكراً الحال التي وصلت إليها الساحة الفنية السعودية التي تعاني من شد وجذب، ونهوض وانحدار، وعدم ثبات على مستوى معين، مشدداً على أن كل ما قدمه الفنانون القدامى، جاء بمجهود شخصي، واجتهادات فردية، لاقت القبول من التلفزيون السعودي، المنتج الوحيد وقتها، وقال: «على الرغم من كل الصعوبات التي واجهت الجيل القديم من الفنانين، إلا أنهم تمكَّنوا من إثبات أنفسهم، وقدموا أعمالاً خالدة لا تُنسى، ووجدوا تقديراً كبيراً من عشاق الفن في السعودية والعالم العربي، ومع الأسف، بعد أن تقدم بهم العمر، وسلَّموا الراية إلى الجيل الجديد من الفنانين لم يجدوا من أغلبهم سوى الجحود والنكران، إذ تناسى هؤلاء مَن مهَّد لهم الطريق للدخول إلى عالم الفن».
وتحدث فواز عن الأدوار التي تناسب كل مرحلة عمرية، قائلاً: «لكل مرحلة عمرية ما يناسبها من أدوارٍ بسبب تغيُّر القدرات الجسدية، ما يعني أن الممثل لا يمكنه أن يستمر في التوهج نفسه، وهناك مَن يكتب نصاً لشخص بعينه، وهذه الحالة قليلة جداً».
وفيما يخص بقاء الممثل في ذاكرة الجمهور، أكد أن أي ممثل قدَّم أعمالاً راقية، وذات صلة بالمجتمع وثقافته وموروثه، والتزم بالآداب المجتمعية، سيبقى في ذاكرة الجمهور دائماً، ولا يمكن لأي أحد إلغاء أي ممثل والحلول مكانه، أما إذا لم يُقدم الممثل ما تقدَّم، فسيُنسى بمجرد تركه الفن، أو تقدمه في العمر.
قلة النصوص الجيدة
بينما كشف الفنان مرزوق الغامدي، أن من أهم أسباب غياب الرواد عن الساحة الفنية عدم وجود نص جيد، أو فكرة تلامس هموم المجتمع وقضاياه، إذ إن أغلب الرواد لن يقبلوا بالوجود لمجرد الظهور أمام الجمهور، خاصةً بعد مسيرتهم الزاخرة بالعطاء، ولن يرضى أحدٌ منهم المغامرة باسمه لأي سبب كان، كما أن هناك آخرين لم تُوجه إليهم الدعوة للمشاركة في الأعمال الدرامية، لا سيما مع قلة الأعمال المحلية السعودية.
أدوار مختلفة
في حين، بيَّن الفنان علي إبراهيم، أن عدم منح الرواد أدواراً تناسبهم أحد أسباب غيابهم عن الساحة الفنية السعودية، وقال: «يجب التعامل مع الممثل المخضرم كما يحدث في باقي الدول العربية، إذ يُمنح دوراً مناسباً لسنه، كما أن الدراما لدينا أبعد ما تكون عن أسس بناء العمل الدرامي الصحيح، بأن تكون له بداية ونهاية، ويتميز بالتسلسل المناسب لشخصياته، مثلما يحدث في الدراما السورية والمصرية والكويتية والإماراتية، مثلاً لديهم يجسِّد الفنان الكبير دور الجد، أو العم، أو الخال، أما في الدراما السعودية فغالباً ما تقتصر الأدوار على الكوميديا، خاصةً في رمضان، دون وجود أي تسلسل درامي منطقي، إذ إن هذه الأعمال تُكتب لشخص، أو شخصين فقط، في حين لا يظهر بقية الممثلين إلا من خلال أدوار متباعدة، ولا ترتبط ببعضها».
وخاطب إبراهيم وزارة الثقافة، وهيئة الإذاعة والتلفزيون بضرورة تجديد الدماء الفنية، وإكسابها الخبرة اللازمة لتقديم أعمال قوية، خاصةً أن السعودية تزخر بالمواهب التمثيلية.
وشدَّد على أن إعجاب الجمهور بالفنان لا يرتبط بكونه شاباً، أو متقدماً في العمر، بل بما يقدمه من دورٍ متقن، وتجسيدٍ رائع للشخصية، وقال: «الجمهور السعودي يتقبَّلنا ويتقبَّل أعمالنا على الرغم من قلتها، والسبب وراء قلة الأعمال المحلية عدم إعطائنا الفرصة لتجسيد أدوار تناسب أعمارنا».
وعن مواصفات البطل المثالي، قال إبراهيم: «نطالب بعدم جعل بطل المسلسل ذاك البطل المغوار، صاحب الشعر الجميل، والبشرة الناعمة والرائعة، فهناك دور يناسب علي إبراهيم، وآخر يناسب سعد خضر، وثالث لمحمد المنصور، وعبدالرحمن الخطيب، ومطرب فواز، ومحمد بخش، وسمير الناصر، وإبراهيم جبر، ومحمد حمزة. الأدوار كثيرة بشرط ألَّا تُكتب حصرياً لفلان، أو فلان، وساحتنا الفنية تزخر بالمخضرمين والمواهب الفنية، إضافة إلى الكتَّاب، أما المنتجون فأغلبهم من الممثلين، لذا يحتكرون دور البطولة لأنفسهم».
المسرح والسينما
أما الفنان والمنتج عبدالرحمن الخطيب، فتطرق إلى وجود الفنانين في مواقع بعيدة عن الشاشة الصغيرة، مؤكداً أن رواد الفن لم يغيبوا، لكن ليس أمامهم مجال للظهور سوى في القنوات الفضائية، والتلفزيون السعودي، وقال: «لا نعتب على أي أحدٍ يبحث عن الإعلان. هناك مَن مروا بفترة احتكار الإنتاج، والوساطة، والمحاباة والمجاملة، وكانت العلاقة مع مدير التلفزيون، وقناعته الوسيلة الوحيدة للحصول على دورٍ ما، أما اليوم فقد بدأ عصر التلفزيون الجديد، الذي يبحث عن الأعمال الجيدة، كما أطلت السينما مجدداً في بلادنا، وأصبح المسرح مع هيئة الترفيه يحظى باهتمام كبير، وانتهى زمن الإدارات التي تفضل فلاناً على فلان، وحالياً بصفتي صاحب مؤسسة، استأجر أي مسرح، وأعرض عليه مسرحيتي بعد الرجوع إلى هيئتَي الترفيه والثقافة، وهذا ما سيخلق مع مرور الأيام فناً حقيقياً في بلادنا، وينهي زمن الوساطة».
وتحدث الخطيب عن رأي الجمهور بالفنان، قائلاً: «الجمهور لا يهتم بنجم معين، بل يبدي إعجابه بمَن يقدم أفضل ما عنده، ويتخلى عن أولئك الذين يقدمون مستويات غير جيدة، والجيل الجديد أمامهم مستقبل كبير في الدراما لتمكُّنهم من التقنية الحديثة، وهذا ما أتمناه مستقبلاً».
الفعاليات الفنية
تطرق الفنان محمد المنصور إلى حضور الرواد في المهرجانات، قائلاً: «يفترض على الجهات النافذة في أي مشروع فني دعوة الرواد إلى المهرجانات، حتى وإن كان المهرجان صغيراً، وعدم الاكتفاء بمشاركتهم في الأعمال الفنية، مثل مهرجان الجنادرية، وعكاظ، وهذا أمر مهم حتى يثبتوا وجودهم، ومع الأسف الشديد، نشهد افتتاح عديد من المهرجانات على مستوى الدولة كل عام، لكن جميع الدعوات تُوجَّه إلى الأصدقاء من الفنانين الجدد، أما القدامى، الذين قدموا أعمالاً جميلة مازالت حاضرة في الذاكرة، وعملوا سنوات طويلة في المجال، فلا يتم الاعتناء بهم».
وعن الفرص المقدمة لهم في الأعمال الحالية، أكد المنصور تراجعها بنسبة 50 % عن السابق لأسباب كثيرة أساسها المادة، ومواعيد التصوير، ومكانه، إذ لا يرغب بعضهم الذهاب إلى مدينة أو دولة أخرى، ويمكث فيها أياماً عدة.
مشدداً على أن الجمهور يدعم دائماً كل ما يقدمه الممثل، ويميِّزه عن غيره، وصاحب التاريخ الفني يبقى حاضراً في الأذهان ولا يُنسى، وبالنسبة إلى المنتجين فمن الوارد أن يغضوا الطرف عنه، لكنهم لا يستطيعون نسيانه.
رصد الأسباب
بعد الحديث مع مجموعة من الرواد، رصدت «سيدتي» أبرز أسباب ابتعادهم عن الشاشات حسبما قالوه، وهي:
- قلة الأعمال المحلية، واقتصارها على شهر رمضان.
- الوساطة التي تنتشر بين المنتجين وإدارات القنوات.
- تقديم أدوار غير مناسبة للفنانين المخضرمين.
- اللجوء إلى ممثلين معينين بهدف الإعلان للعمل على الرغم من سوء تمثيلهم.
- اختلاف الجهد بعد التقدم في السن.
- عدم وجود تسلسل درامي، يتمثل في بدايةٍ ونهايةٍ للعمل، وشخصيات عدة، واقتصار البطولة على شخص، أو شخصين فقط.
- اقتصار الأعمال في السابق على الجهود الشخصية، وتقديمها للتلفزيون السعودي، وانتظار قبولها، أو رفضها.
- عدم النظر إلى مسيرة الفنانين المخضرمين، وتقديم أدوار ضعيفة لهم.
- تفضيل إدارات القنوات أشخاصاً بعينهم.
- قلة المردود المادي.
- عدم المغامرة بتاريخهم الفني بالعمل في مسلسلات غير مضمونة النجاح.
- ترك الساحة الفنية لأعوام طويلة لأسباب مختلفة.
- عدم قبول الارتباط بأوقات التصوير خارج المدينة.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي