في معظم العصور الإسلامية أبدع المسلمون في تصميم المساجد، وأولوها اهتمامًا خاصًا، حتى باتت تحفة فنية، وأثرًا قيمًا، وعلمًا مهمًا استطاع جذب الأنظار وإثارة الإعجاب.ولم ينتهِ الإبداع في تصميم المساجد في العصر الحديث، حيث نجد أنّ العديد منها تم إنشاؤها بأسلوب معماري متقن، وتصميم ساحر، ويعد جامع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مدينة أبوظبي إحداها، والذي استطاع بتصميمه البديع أن يحظى بشهرة عربية وعالمية.
أكبر مسجد:
يعد مسجد الشيخ زايد سادس أكبر مسجد في العالم من حيث المساحة الكلية بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي، والمسجد الأعظم بالجزائر، والجامع الأموي في دمشق، ومسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء بمساحة تبلغ 412,22 مترًا مربعًا بدون البحيرات العاكسة حوله، وأحد أكبر عشرة مساجد في العالم من حيث حجم المسجد.
تاريخ إنشاء المسجد:
وجه حاكم الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أمره ببناء هذا المسجد في العام 1986 من خلال دائرة الأشغال العامة في أبوظبي، وقد سعى لأن يكون هذا المسجد صرحًا إسلاميًّا يرسخ ويعمق الثقافة الإسلامية ومفاهيمها وقيمها الدينية السمحة، ومركزًا لعلوم الدين الإسلامي. وقد تم الإعلان عن البدء بتصميم المسجد على شكل مسابقة دولية، وقد فاز في الجائزة الأولى مكتب كونسير الاستشاري في أبوظبي، ثم أعيدت المسابقة في عام 1987, وفازت بها شركة المكتب العربي البلجيكي، وذلك على 35 دولة مشتركة بالمسابقة.بدأت أعمال البناء في 1998 تحت إشراف دائرة الشؤون البلدية، وتم تنفيذ المشروع على مرحلتين، تضمنت الأولى بناء الأساسات والهيكل الخرساني، وبلغت تكلفتها 750 مليون درهم. أمّا المرحلة الثانية فتضمنت أعمال التشطيب والزخرفة الداخلية والخارجية، وكلفت مليار و 267 درهم. وصرف أيضًا مبلغ 150 مليون درهم على الأعمال الخارجية.وقد تم بناء المسجد على ارتفاع 9 أمتار عن مستوى الشارع بناءً على أوامر الشيخ الشيخ زايد شخصيًّا، بحيث يمكن رؤية المسجد من زوايا مختلفة ومن مسافة بعيدة.
أول صلاة أُقيمت في المسجد:
أول صلاة قامت في مسجد الشيخ زايد كانت صلاة عيد الأضحى في العام 1428 هجريًّا (19 ديسمبر 2007) رغم أنّ أعمال البناء لم تنتهِ في المسجد بشكل كامل . وقد تم الانتهاء الكامل في مارس 2008. وبلغ إجمالي تكلفة المشروع مليارين و 167 مليون درهم إماراتي.
رخام الجامع وقبابه:
إنّ أبرز عنصر معماري في مسجد الشيخ زايد هي مجموعة القباب التي يصل عددها إلى 82 قبة. ويقع أكبرها في منتصف قاعة الصلاة الرئيسية، فيما يغطي الرخام الأبيض الناصع شديد النقاء جميع القباب من الخارج، ويأخذ "تاج القبة" شكل القلة المقلوبة، ويتخذ الجزء العلوي منها شكل الهلال المطلي بالذهب والمزخرف بفسيفساء الزجاج.ويلاحظ فيه استخدام الرخام الطبيعي متعدد الألوان بشكل فني مبتكر، مثل استخدام الأعمدة المزينة بالتيجان التي تظهر في الجزء السفلي من الأعمدة بدلاً من الجزء العلوي، ويعد ذلك أسلوبًا استثنائيًّا ومبتكرًا في العمارة الإسلامية.والزائر للمسجد سيلاحظ تناسق ألوان الجدران والأعمدة والسجادة بطريقة تجعل منه تحفة فنية.كما ستبهره الأعمال الفنية الزجاجية، حيث تعكس فسيفساء الزجاج، والزجاج المنحوت، والزجاج المصقول التصاميم الإسلامية التقليدية المتشابهة والمتكررة.
المآذن:
يحتوي المسجد على أربع مآذن يبلغ طول كل مئذنة 106 أمتار تقريبًا، وتتكون من ثلاثة أشكال هندسية مختلفة. يأخذ الجزء الأول من المئذنة شكل المربع، ويمثل قاعدة المئذنة، حيث يعكس أسلوبه المعماري الأسلوب المغربي والأندلسي والمملوكي.أما الجزء الثاني من المئذنة فيأخذ شكل ثماني الأضلاع، ويرجع هذا التصميم إلى العصر المملوكي. بينما يأخذ الجزء الثالث الشكل الأسطواني المعروف خلال العصر العثماني. بينما يعود المصباح الذي يتوّج المئذنة المغطاة بفسيفساء الزجاج المطلي بالذهب إلى العصر الفاطمي.
سجادة الجامع:
تغطّي أرضية المسجد أكبر سجادة إسلامية يدويّة في العالم، وقد صمّمها "الدكتور علي خليقي".وتبلغ مساحتها حوالي 5700 متر مربع، وقد صنع أغلبها من الصوف. وشارك في نسجها ما يقرب من 1200 حِرفي، واستغرق المشروع نحو عامين، منهما ثمانية أشهر للتصميم، واثنا عشر شهرًا لأعمال الغزل.
ثريات الجامع:
تعتبر ثريات الجامع من التحف الساحرة التي لا يمكن للزائر إلا وأن يقع أسير جمالها، وينبهر بروعة تصميمها، فالمسجد يضم سبع ثريّات مصنوعة من الكريستال من تصميم فاوستك الألمانية، ويبلغ قطر أكبر ثريّا 10 أمتار، كما يصل ارتفاعها إلى 15 مترًا، وتزن 12 طنًّا. كما تم وضع اثنتين أصغر حجمًا من التصميم نفسه يزينان أيضًا قاعة الصلاة الرئيسية، حيث تزن كل منهما 8 أطنان.كما توجد أربع ثريات باللون الأزرق متماثلة في التصميم والحجم في المداخل المحيطة بالمسجد، وتزن أكبرها 2 طن وتُزين المدخل الرئيسي للجامع.
صحن الجامع ومحيطه:
روعي في تصميم أرضية الصحن الخارجي للمسجد أن تكون بنظام بلاطات خرسانية ضخمة محمولة على ركائز خرسانية، ومكسوة بأجود أنواع الرخام المزخرف بتصاميم نباتية ملونة وباستعمال الفسيفساء لتغطية مساحة الصحن بالكامل البالغة 17 ألف متر مربع من ضمن أكبر المساحات المكشوفة الموجودة في المساجد بالعالم الإسلامي. أما عدد أعمدة الصحن الخارجي الموجودة بالأروقة المحيطة بالصحن فيبلغ ألفًا و 48 عمودًا مكسيًّا بالرخام المطعم بالأحجار شبه الكريمة، وبرسومات نباتية وأزهار ملونة ولها تيجان معدنية مطلية بالذهب.فيما أحيطت الأروقة الخارجية للمسجد ببحيرات مائية تعكس واجهات المسجد، وجعلت أرضياتها مكسوة بالرخام الأبيض مع استعمال رخام أخضر في الممرات التي تؤدي إلى الصحن، كما روعي بأن تكون أعمدة الأروقة الخارجية من الرخام الأبيض المطعم بالأحجار شبه الكريمة، وقام بتثبيتها عمال مهرة استقدموا خصيصًا من الهند، بالإضافة إلى تاج الأعمدة، والمصمم بشكل رأس نخلة من الألمنيوم المذهب.بالإضافة إلى ذلك فإنه يقع في كل من الزاوية الشرقية الشمالية والشرقية الجنوبية أماكن للوضوء، مكونة من 80 دورة مياه و 100 نقطة وضوء.