أعلم جيداً أن العالم من خلفِ هذا الباب يربض وينتشي، فدورة الحيوات التي نعشها، والتي لم نلحق عليها مذ لحظة الانغلاق تبدأ، أي أنّ تلك اللحظة التي تظفر بها بأناك عن هذا الكل من الصخب الزائف، هي اللحظة الصادقة التي قد تعيشها طيلة العمر.
هل شعرت ولو لمرةٍ واحدة بانحسارِ الضوء؟ بأزيز اللحظات الأخيرة؟ بانقطاعِ الحياة واستمرار الظلام؟ نعم أنا قد شعرتُ بذلك وبأكثرِ من المفترض، إني أتحدث عن الشعور الذي يضفي على فزعك الموت، ذاك الإحساس العاصف بالفوضى وبالاحتراق، كم هو ملهم برغم الاكتواء والكمد الملتصق به.
كل هذه المفردات الجانحة بمزاجيًتها، لا يمكنها أن تثأر لي من الوقت ولا حتى من بقايا الليل.
فهذا الباب الذي يفصلني عن ترف الحياة الزائلة كم - أقدسه – فهو يبقيني على إنسانيتي، يحرص على تهذيب اندفاعي، لم أعد بحاجةٍ لرؤيةِ الوجوه المكررة، الوجوه التي لا تعرف منْ أصحابها، ولا حتى منْ هم أعداؤها.
يا ترى ما سبب بؤس الأبواب المغلقة؟ والأخرى التي تطلّ على اللا شيء؟ يا الله لو أني أعرف أسرارها، وماضيها وحاضرها، آهٍ لو أني أعرف مستقبلها حتى أطمئنها على بقائها وحيادها، قبل أن أطمَئنَّ على روحي المرهقة.
هذه الأبواب المشغولة بنفسها، والمنغلقة على زخم الحكايا واحتضارها، هذه الأبواب المتباينة بالشكل، لكنها متفقة بشكلٍ صريح على لون التراب، اللون الذي سيستحيل في النهاية إلى غبار؛ هي الأبواب التي كنّا نعبر منها إلى الحلمِ مباشرةً، وبتّنا نعبرها نحو الموت.