في أول تقرير بحثي يرصد حالة اللغة العربية في عدة محاور، وبناء على توجيهات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أطلقت وزارة الثقافة والشباب تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها، ضمن فعاليات اليوم العالمي للغة العربية.
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة في المملكة العربيّة السعوديّة
وفي مقدمة التقرير أكد وزير الثقافة في المملكة العربيّة السعوديّة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان أن اللغة العربيّة حظيت باهتمام كبير من خادم الحرمين الشريفين في جميع خطبه وخطاباته وتوجيهاته، حيث يؤكّد أنَّ خدمة اللغة تشريف وتكليف لإنسان هذا المكان، ويوجِّه دائمًا بالاهتمام بها، في تجسيد كريم لاهتمام المملكة العربيّة السعوديّة وصلتها العميقة باللغة العربيّة، حيث أنزلتها منزلة كبرى في جميع أنظمتها ولوائحها، بدءًا من النظام الأساسيّ للحكم، مرورًا بأنظمة القضاء والثقافة والتعليم والإعلام وغيرها، إلى أن تجلَّت في رؤية 2030 التي أطلقها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان.
ولفت في كلمته أيضاً إلى أن مكانة اللغة العربية في وجدان العرب والمسلمين، وذلك بالنظر إلى العامل التاريخيّ والثقافيّ والجغرافيّ، حيث يجد العرب فيها تاريخهم الثقافيّ العميق، ويشتركون مع إخوتهم المسلمين في استشعار قداسة النصّ القرآنيّ الذي شرّف لغتهم وخلّدها في قلوب المسلمين في جميع العصور والأماكن.
وزيرة الثقافة والشباب نورة بنت محمد الكعبي في دولة الإمارات العربية المتحدة
وفي هذا السياق أوضحت وزيرة الثقافة والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة نورة بنت محمد الكعبي أن التقرير يشكل قاعدة أساس ونقطة مرجعية لمساعدة صناع القرار في الحكومات والمؤسسات الخاصة على مستوى المنطقة والعالم، في كل ما يخص اللغة العربية. وهذا التقرير سيكون اللبنة الأولى في إطار مشروع دائم لدراسة حالة اللغة العربية والعمل على تعزيز حضورها .
ولفتت الكعبي إلى أن المحاور العشرة للتقرير ركزت على أهم القضايا الأساسية التي تهم صناع القرار العاملين في قطاع اللغة العربية، على أن يتضمن التقرير إضافة إلى العمل البحثي، مقالات رأي من مختلف الفاعلين في القطاع من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى دراسات حالة مختارة ضمن مختلف المحاور.
وأشارت الى أن التقرير رصد إيماناً راسخاً لدى شرائح واسعة من الشباب الجامعيين في العالم العربي بأن العربية هي أساس هويتهم الوطنية والعربيّة والدينية، وبأنّها ضروريّة في حياتهم.
أودري أزولاي المديرة العامّة لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"
أما أودري أزولاي المديرة العامّة لليونسكو فقالت في التقرير أن اللغة العربيّة واحدة من أكثر لغات العالم انتشارًا، حيث يتواصل بها 422 مليون نسمة، كما أنّها لغة دين الإسلام الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار إنسان.
والعربيّة ركيزة من ركائز الحضارة الإنسانيّة. وهي لغة الابتكار والاستكشاف في مجالات العلوم والطبّ والفلك والرياضيّات والفلسفة والتأريخ، على مرّ العصور. وكانت وما تزال جسرًا للمعرفة.
كما أشارات إلى أهمية اللغة العربية في عالمنا الرقميّ الراهن، حيث يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعيّ والتكنولوجيا الإسهام بدورها مع لغات العالم في نشر المعرفة ونقلها وإتاحتها.
وتوجهت أزولاي ضمن حديثها بالشكر إلى دولة الإمارات العربيّة المتّحدة على نشر هذا التقرير، الذي يجسّد تعاونها الكبير مع منظّمة اليونسكو في هذا المجال، معتبرة أن اللغة العربيّة بمثابة بوّابة عبور إلى تراث ثقافيّ غاية في الثراء والتنوّع، وهي تجد فيها مقدَّرات هائلة نحو توطيد أواصر التعاون بين الشعوب وتحقيق السلم فيما بينها. لذلك ارتأت منظّمة الأمم المتّحدة، في العام 1973، أن تكون اللغة العربيّة واحدة من لغاتها الرسميّة المعتمدة.
وأكدت أن اليونسكو ستواصل جهودها في حسن استغلال إمكانات هذه اللغة لتكون حلقة وصل وجسرًا نحو تحقيق مبادئ الكرامة والنزاهة والتحرُّر والمساواة بين المرأة والرجل، وهذا التقرير يشكل بنة قويّة متينة في بناء تلك المساعي المحمودة.
الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار
اعتبرت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار أن اللغة أيضًا، أمٌّ. غير أنّها أمّ للكامن فينا من تشكّل هذا العالم والوعي به، لسيرة الأشياء التي تصعد بداخلنا سيرة حياة نسمّيها (نحن). واللغة هويّة، هويّة الوطن الذي إليه ننتمي، الثقافات التي نصنع، والمعنى الذي هو مقصد تشكّل اللغة لصناعة الطريق إليه. لذا، فاللغة حافظة الهويّة، وحضنها الأوّل.
وأشارت إلى أن في عالم فرضت فيه حركة العولمة والتطوّرات التكنولوجيّة والمعرفيّة استخدام عددٍ محدودٍ من اللغات، لا بُدّ لنا من الاستناد إلى جذر اللغة التي إليها ننتمي؛ اللغة الأمّ: اللغة العربيّة.
وأوضحت أن جهود الدول العربيّة تمكنت من نيل الاعتراف العالميّ بمكانة هذه اللغة فأصبحت لغة رسميّة لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومن بعدها أقرّت المنظّمة عام 2012 اليوم العالميّ للّغة العربيّة.
اللغة العربية لغة قوية
انطلاقًا من المعطيات التي تحصّلت نتيجة الأبحاث المتضمّنة في هذا التقرير، يمكن القول إنّ اللغة العربيّة اليوم لغة قويّة حيّة ونابضة تمثّل الأداة الحاضنة للتواصل والتعبير والإبداع لدى أعداد كبيرة من الناس تشمل الناطقين بها وبغيرها من اللغات. وهي تقف على أرض صلبة وتمتلك الكثير من مقوّمات الاستمرار والنموّ والتطوّر والقدرة على مواجهة التحدّيات التي تواجهها وتواجه غيرها من لغات العالم في خضمّ عالم دائم التغيّر والتحوّل. ونستدلّ على حركيّة النموّ والتطوّر التي تشهدها اللغة العربيّة اليوم بالعديد من المؤشّرات والملامح التي تبدّت لنا من خلال المحاور التي قمنا بدراستها.
يشار إلى أن التقرير أظهر نمو منصات النشر الرقمية باللغة العربية حيث وصلت عدد الروايات المنشورة في إحدى المنصات إلى 2600 رواية، فيما وصل عدد المشاهدات لبعض الروايات إلى 10 ملايين مشاهدة. وتعد اللغة العربية من بين اللغات الأكثر استخداماً على شبكة الانترنت حيث وصل العدد التقريبي لمستخدمي العربية على الانترنت إلى 237 مليون مستخدم، و17 مليون تغريدة باللغة العربية يومياً، و72% من التغريدات في الوطن العربي باللغة العربية.
كما أشار التقرير إلى إقبال كبير من المتعلمين غير الناطقين بالعربية على تعلم اللغة العربية في العوالم الجديدة.
توصيات التقرير
أشار التقرير إلى ضرورة، رفع مستوى جودة المنتج العلمي العربي، وإنشاء مرصد للكتاب هدفة متابعة حركة النشر العربي، وإنشاء مركز أبحاث لتعليم اللغة العربية وتعلمها، وزيادة مستوى الاستثمار في المشاريع الخاصة باللغة العربية والتكنولوجيا، وإقرار ميثاق إعلامي عربي مشترك يعنى باللغة العربية في الإعلام، وإيجاد مؤسسة عربية علمية موحدة مرجعية توحد جهود الترجمة وتنسقها وتضبط المصطلحات المعرفية، وإقامة مرجعية دولية للغة العربية تعزز حضور اللغة والثقافة العربية في العوالم الجديدة، وتغير المقاربات المتبعة في تدريس اللغة العربية في المدارس.
يشار إلى أن وزارة الثقافة والشباب كانت قد تبنت مشروع تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها وشكّلت فريقاً بحثياً يضم باحثين وخبراء من جامعات عربية مختلفة بدؤوا عمليات البحث والاستقصاء وجمع البيانات ضمن المحاور العشرة التي تضمنها التقرير، وذلك بعد توجيه من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في 18 ديسمبر 2018.
وشارك في التقرير أكثر من 75 شخصية تضمنت الفريق البحثي بقيادة الدكتور محمود البطل، أستاذ اللغة العربية في الجامعة الأميركية في بيروت، إضافة إلى باحثين وأساتذة جامعات من أنحاء العالم، وقادة مؤسسات إعلامية وتقنية محلية وعالمية.