تظل قصص الحب عند العرب وقصائدهم الغزلية، مضرباً للمثل بالحب الصادق منذ قديم الأزل وحتى يومنا هذا، حيث إن الحب لا يعرف زماناً ولا مكاناً. فعلى الرغم من عادات العرب قديماً وحرصهم وفرضهم القيود على النساء، إلا أن قصص حب العرب التي روتها كتب التاريخ تظل من أروع القصص، حيث إن أغلب أبطالها شعراء، ولعل أشهرهم جميل بن معمر المعروف بجميل بثينة، والذي بقي على حبه لها حتى وفاته في مصر ، وقصة جميل هي القصة ذاتها عن الانفصال بالقوة وعن الإخلاص الدائم. فقد كان جميل رجلاً معروفاً في الحجاز، فما من شك أن قصته كانت صحيحة. وقد قال أجمل شعر الغزل وأرقه..وهل ننسى قصة حب عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة؟ وقيس ليلى..تلك القصة التي ظلت عالقة بالأذهان طوال عقود من الزمان رمزا للحب وتخليدا له..نتابع في السطور التالية حكاياتهم.
• عنترة وعبلة
قصة شهيرة بطلاها عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة من قبيلة بني عبس. عُرف عن عنترة أنه فارس مقدام دحر الأعداء في حرب داحس والغبراء، وأمه كانت جارية، وبعد أن أثبت قدراته في الحروب، ألحق نسبه ببني عبس وأصبح من الأحرار بحسب تقاليد ذلك الزمان.
لكن ذلك الفارس ابن الجارية أحب ابنة عمه عبلة بنت مالك، ولكن نسب والدته ولونه حازا بين نيل المنال والذي لم يكن سهلاً، إذ طلب عمه والد عبلة طلباً تعجيزياً ألا وهو جلب نوق العصافير من الملك النعمان، ليكلل الهيام بالمراد، لأن عمه يعلم مدى قوة وبطش الملك النعمان ولا أحد يستطيع دخول أراضيه ويعود سالماً، فقد وقع عنترة بأسر الملك النعمان لكنه فاز بما جاء من أجله، لكن عمه لم يزوج له عبلة، لعيش عنترة على ذكريات حبه وينسج أبيات الشعر ومعلقته الشهيرة:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
• جميل بثينة
هو جميل بن عبدالله بن مَعْمَر العُذْري القُضاعي، ويُكنّى أبا عمرو، وهو من عشاق العرب المشهورين، أحب بثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية، من فتيات قومه وهو غلام صغير، فلما كبر خطبها من أبيها فرده وزوجها من رجل آخر. فازداد هياماً بها، وكأن يأتيها سرّاً فتناقل الناس أخبارهما.
قصد جميل مصر وافداً على عبدالعزيز بن مروان، بالفسطاط، فأكرمه عبدالعزيز وأمر له بمنزل، فأقام قليلاً ومات ودُفن في مصر، ولما بلغ بثينة خبر موته حزنت عليه حزناً شديداً.
هكذا مات جميل ومات معه حبه، ولكن يظل شعره ينبض بالحياة ويروي لنا قصة عاشق:
أبلغ بثينـة أني لست ناسيهـا ما عشت حتى تجيب النّفس داعيها
• قيس بن الملوح
تُعد من القصص الشهيرة والتي تحولت إلى مضرب للأمثال في العصر الأموي، فقد عشق قيس بن الملوح أحد أهم شعراء ذلك العصر، والتي لاقت أبيات شعره رواجاً بين العشاق، ليلى بنت مهدي بن ربيعة بن عامر «ليلى العامرية»، حيث كانا يعيشان في البادية بنجد في العصر الأموي، ولأنها ابنة عمه كانت لهما طفولة مشتركة وقد أحبها في الصغر.
ورفض عمه طلب زواجه منها لتتزوج ليلى برجل آخر أخذها بعيداً عن الديار إلى الطائف. فبدأت هنا القصة الملهمة التي سُجلت بكتب التاريخ، «قصة مجنون ليلى» إذ كان الحب متنفساً لقيس حتى ذهب عقله من كثرة لوعة الحب، فالرجل فعل فيه الهيام الأفاعيل، حيث عاش طريداً شريداً ينشد أبيات الشعر في حب ليلي وفراقها، حتى وجِد وقد قتله العشق بين الأحجار، ليُسدَل الستار على إحدى أشهر قصص الحب العذري.
مَضى لي زَمانٌ لَو أُخَيَّرُ بَينَهُ وَبَينَ حَياتي خالِداً أَبَدَ الدَهرِ
لَقُلتُ ذَروني ساعَةً وَكَلامَها عَلى غَفلَةِ الواشينَ ثُمَّ اِقطَعوا عُمري.