هل ترى عيناك ما تراه عيناي؟ عندما يسأل المرء صاحبه، الذي ينظر وإيّاه إلى مشهد محدّد عما رآه فيه، ستأتي إجاباتهما مختلفة عن بعضهما البعض، بالطبع، لأن العين ليست جهاز نسخ بل هي مرآة الروح والتجارب والثقافة... وحسب رؤية كلّ من الصديقين للمشهد، ستختلف الحكاية.
Powered by Subtle Now
إلى "القاهرة القديمة" أو "صندوق الحكايات"، حيث خليط بشري يتفاعل في محيط غني بأبنيته التاريخيّة والتراثيّة التي تعدّ مئات السنين، يأتي كل سبت مصوّرون مصريون وأجانب، محترفون وهواة، حتّى يعاينوا المكان وناسه، ويلتقطوا شيئاً من حقائقه.
يقف خلف هذه المشاوير الجماعيّة الدوريّة، المهندس المعماري والمصوّر المصري كريم الحيوان، الذي دأب بعد أن فرغ من تلقّي دورة تدريبيّة إعداديّة في التصوير على جعل زيارة "البلد" طقساً أسبوعيّاً. أفرز "الطقس" صوراً فوتوغرافيّةً عدة، سرعان ما استرعت اهتمام أصدقائه، وحمّستهم إلى مشاركته في مشاويره الأسبوعيّة إلى "القاهرة القديمة". وشيئاً فشيئاً، جذبت رحلة التصوير كلّ سبت اهتمام ناس كثيرين، من المحليين والسائحين الأجانب، الذي انضمّوا إليها، فأمسى للصور الناتجة من هذه الرحلات وسم cairosaturdaywalks# على وسائل التواصل، وصفحة على "إنستغرام". وتطوّرت الفكرة عن طريق عرض صور مشاوير السبت في معارض محليّة للبيع، وذهبت العائدات إلى سكان الحارات حيث التقطت، وإلى إنشاء مشاريع صغيرة فيها، كمكتبة صغيرة في حارة، أو ملعب للأطفال.
حنين...
سؤال "سيدتي" المصوّر كريم عن دور التوثيق البصري للقديم والمهمل في نفض الغبار عن أماكن منسيّة غنيّة بالقصص قد نمر بمحاذاتها، ولكننا نجهل حقيقتها، يجيب عنه قائلاً إن "الاهتمام في "القاهرة القديمة" واجب، لأن الزحف العمراني إليها مهول ومقلق. والحارات فيها ليست عبارة عن أماكن تحضن مزارات سياحيّة ذات رمزيّة فحسب، بل أيضاً عن ناس وحياة وتفاعلات جديرة بالتعرّف إليها عن كثب، من دون الإغفال عن الحنين إلى الأماكن الأثرية والتراثية".
لكن، كيف يمكن للمصوّر المحلّي أن يعاين "القاهرة القديمة" من دون "رُتوش"، وبعين مغايرة عن عين المستشرق أو عين السائح؟ تسأل "سيدتي" كريم، الذي يجيب، مسترجعاً سنوات الدراسة الجامعيّة، حين كان يتخصّص في هندسة العمارة، ويطرق "المدينة التاريخيّة" للتعرّف إلى مبانيها ذات الهندسة الإسلاميّة أو إلى التخطيط العمراني فيها، في إطار أكاديمي. وبالتالي هو "تشبّع" منها، قبل أن يصوّرها في إطار جولات السبت، ويحفر فيها.
لا يكتفي الفنّان بالنظر إلى سطح المكان، بل إلى طبقاته العديدة غير المرئيّة، الأمر الذي يحقّق له الإشباع، ويشفي فضوله في التعرّف إلى التفاصيل العمرانية وقصص الناس. ومعلوم أن باطن المكان لا يراه مستشرق أو سائح، في زيارة وحيدة منظّمة يشارك فيها.
تابعوا المزيد: "التيهاء" عمل جديد للكاتب المغربي عبد القادر الشاوي
سجاجيد "الغوري"
معاينة ناس "القاهرة الساحرة" حسب وصف كريم، وأشيائهم والمباني، دفعت به إلى أن يلاحظ أن السجاجيد في مسجد الغوري مختلفة الأشكال والألوان. وبعد السؤال، عرف أن السجاجيد متبرّع بها من ناس يسكنون في المنطقة أو في جوارها، وأن هبات السجاجيد متكرّرة الحدوث في مساجد عدة في "القاهرة القديمة". وسواء تعلّق الأمر في حاجة مسنّة رغبت في وضع سجادتها العتيقة داخل مسجد يقرب من مسكنها أو بمدرّس قدم سجادته هديّة لحارس المسجد الذي تقبّلها وفردها في المكان... نتج عن هذه الهبات المكدّسة في الأرضيّة "كولاج" عملاق عكس صدق الناس واهتمامهم بالمسجد، سواء من الناحية العقائدية أو التراثيّة.
صوّر كريم السجاجيد، وعرضها أخيراً في معرض صور مفاهيمي فردي بعنوان "من هنا وهناك"، في "سوما آرت جاليري" بالقاهرة. وعن المعرض، يقول المصوّر لـ"سيدتي" إن "مشروع سجاجيد المساجد فتح عينيّ على مفاهيم كثيرة؛ السجاجيد قبل أن تصل المساجد عرفت "حياةً" في المنازل التي كانت "تسكنها"، "شهدت" وطئ الأقدام وحبو الأطفال وسعادتهم وبقايا الطعام... وعندما جاءت المسجد الغوري (وغيره من المساجد في القاهرة القديمة) لتفترش أرضياته دخلت في لعبة من التفاعل متعدّدة الأطراف، سواء بين بعضها البعض، أو بين المتبرّعين، أصحابها القدماء، وحارس المسجد، وبين كل هذه العناصر وعدسة آلة التصوير". وبذا، رأى المصوّر المفاهيمي في مشهد الجماد حواراً وطاقة ناس مدفوعين بنيّة طبيّة.
بعد زيارة المعرض ومشاهدة صور السجاجيد، تتعدّد تأويلات الزائرين، الذين يروون عما شاهدته عيونهم الحكايات الجديدة والمغايرة عن بعضها البعض...
في سطور...
كريم الحيوان، مهندس معماري ومصوّر من القاهرة، وشريك مؤسس لاستوديو "ديزاين بوينت" للتصميمات المعماريّة والداخليّة الذي أُسّس في سنة 2002. بدأ التصوير الفوتوغرافي تحت رعاية ودعم علاء عبد النبي من "رويترز"، فأصبحت القاهرة، بمقوّماتها وتشابكاتها وتنوّعها، مصدر إلهام له. يتمحور مشروع المصوّر حول استخدم الفوتوغرافيا أداة للتعبير عن العوامل المشتركة في المناحي الحياتية المتنوعة.
تابعوا المزيد: "التيهاء" عمل جديد للكاتب المغربي عبد القادر الشاوي