قصّة جميلة حصلت أيام النّبي محمد، عليه أفضل الصّلاة والسّلام، والصّحابة رضي الله عنهم في غزوة الخندق، تحمل هذه القِصَّة بين طيّاتها الكثير من العِبَر.
كان النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، وجيش المسلمين يقومون بحفرِ الخندق استعداداً للغزوة، فاعترَضَتهم صخرة كبيرة، وطلبوا من النّبيّ المساعدة، فضرب الصّخرة فعادت كثيباً مهيلا، هنا لاحظ الصّحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّ النبيّ عاصباً بطنه بحجر من شدّة الجوع، وكانت قد مرت ثلاثة أيّام لم يتذوّقوا طعم الزّاد، فذهب لزوجته سُهيمة بنت مسعود الأنصاريّة، وسألها ما عندها من طعامٍ فقالت: شعير وعنزٌ صغيرة، فذبحت العنز، وطحنت الشّعير، وجعلت اللّحم في البرمةِ، وعاد جابرٌ إلى النّبيّ، صلى الله عليه وسلّم، والعجين قد اختمر، والبرمة كادت أن تنضج على النار، فقال له: يا رسول الله ذبحنا بهيمةً لنا، وطحنّا صاعاً من شعير، فتفضّل أنت ورجلٌ أو رجلان؛ وذلك لقلّة الطّعام، فقال له النّبيّ: طعامك كثيرٌ طيّب.
وطلب النّبيّ الكريم من جابرٍ أن يخبر امرأته ألّا تنزع البرمةَ ولا الخبز من التّنور حتى يأتي، ونادى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: يا أهل الخندق إنّ جابراً صنع طعاماً فهيّا أسرعوا، ولما دخل جابرّ على امرأته قال: ويحكِ جاء النّبيّ بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، وكانوا ما يقارب عشرة آلاف جندي، فقالت: هل كان سألك كم طعامُك؟ فقال: نعم، فقالت: الله ورسوله أعلم، وقد كان لديها يقينٌ مطلق بالله تعالى.
ولمّا جاء النّبيّ عليه أفضل الصّلاة والسّلام أخرجت له عجيناً فقال: إنّ هذا لرزقنا ما له من نفاد، ونفث فيه، وكذلك فتح القدرَ وقال: إنّ هذا لرزقنا ما له من نفاد، ونفثَ فيه كذلك، أي- دعا بالبركة - ثمّ قال لجابر: ادعُ خابزةَ فلتخبز مع زوجتك، وقال لها اغرفي من برمتكم ولا تنزلوها، وتقول سهيمة إنّ أفواجاّ من البشر تدخل البيت يغرفون من العجين ويخبزون، وكذلك يغرفون من اللّحم، وامتلأت الصّحون، وأكل الجميع وشبعوا وانصرفوا، وكأنّ الطّعام كما هو.
إنّ هذا الدّعاء (إنّ هذا لرزقنا ما له من نفاد) يدلّ على أنَّ الأشياء ليست في الكمّ، بل في البركة، فالدّعاء بالبركة له مفعولٌ سحريّ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّنا عند الدّعاء يجب أن نكون موقنين بالإجابة، فدعاءٌ من دون يقين وحسنُ ظنٍّ بالله لن يحقق الإجابة والله أعلم.
يقول النّبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عزّ وجلّ (أنا عند ظنّ عبدي بي، إن ظنّ خيراً فله، وإن ظنّ شرّاً فله)، وهذا ما نسمّيه بالعلمِ الحديث طاقة الجذب، كما أنَّ الدّعاء له طاقة عجيبة، لذا وجب علينا الدّعاء دائماً، مع اليقين بالإجابة إن شاء الله تعالى.