هناك علاقة بين ثقافة المجتمع وشخصية المواطن الذي يعيش في إطاره. فالثقافة هي الإطار الأساس والوسط الذي تنمو فيه الشخصية، وهي التي تؤثر في أفكاره واتجاهاته وقيمه ومعلوماته ومهاراته وخبراته ودوافعه وطرق تعبيره عن انفعالاته ورغباته. وبحسب الدكتورة ابتهاج طلبة الخبيرة التربوية والنفسية بجامعة حلوان تنمو شخصيّة الفرد وتتطوّر من كلّ جوانبها ضمنَ الإطار الثقافيّ للمجتمع الذي تعيش فيه، وذلك من أجل اكتساب مفاهيمَ وأنماطٍ فكريّةٍ وسلوكيّةٍ تساعد على تكيّف الشخص مع مجتمعه وتكوين علاقاتٍ مع الأفراد المحيطين فيه، وممّا لا شك فيه أنّ الثقافة بشكلٍ عامّ تساهم في بناء الجزء الأكبر من شخصيّة الفرد، من خلال بعض الأهداف والاهتمامات، فالثقافة تؤثّر في تكوين شخصيّة الفرد بشكلٍ أوليٍّ، ثمّ في تكوين المجتمع ككل، وذلك كاالتالي:
*مؤثرات الثقافة
- تكوين صور السلوك والتفكير والعواطف المفروض تواجدها في الفرد، خاصّةً في مراحل عمره الأولى، وذلك من أجل تنشئته على القيم والعادات المؤثّرة في حياته، والتي تتناسب مع المجتمع والبيئة التي يعيش فيها.
-تقديم تفسيراتٍ وتوضيحاتٍ عن الكون والطبيعة التي يعيش فيها الفرد، وعن أصل الإنسان وماهيّة دورة حياته. توفير المعايير والمبادئ التي تمكّن الفرد من التمييز بين الأفعال الصحيحة والخاطئة.
-تنمية ضمير الفرد، وذلك حتّى يصبح كالرقيب الداخليّ على تصرّفات الأفراد وسلوكيّاتهم. تقوية الروابط بين الفرد ومجتمعه، وذلك من خلال العيش ضمن جماعةٍ واحدةٍ، تسعى لتحقيق هدفٍ واحدٍ، ضمن معايير محدّدةٍ.
-إرشاد الفرد إلى الاتجاهات الصحيحة التي تحسّن من سلوكه بشكلٍ عامّ، بحيث ينسجم مع السلوكيّات المتعارف عليها من قبل المجموعة بأكملها في المجتمع الذي يعيشون فيه.
*بناء الشخصية والثقافة
وتدل البحوث التربوية الانثروبولوجية على أن طابع الشخصية ذو علاقة وثيقة بنمط الثقافة التي تخضع له (الشخصية) أي إن الشخصية مرآة تعكس صورة الثقافة،وفي هذه الحدود يمكننا أن نبرز أهمية الثقافة في بناء الشخصية :
- الثقافة و الناحية الجسمية: إن الثقافة السائدة في مجتمع ما كثيراً ما تلزم الفرد على أعمال أو ممارسات قد تفيد أو تضر بالناحية الجسمية فمثلاً كانت العادة في الصين في بعض الطبقات أن تثني أصابع الطفلة الأنثى وتطوى تحت القدم، وتلبس حذاء يساعد على إيقاف نمو قدميها وتجعلها تمشي مشية خاصة، وكانت هذه المشية الخاصة من علامات الجمال، ومعنى ذلك أن الجماعة التي يعيش فيها الفرد والثقافة التي يترعرع فيها هما اللتان تحددان معايير الجمال.
-الثقافة والناحية العقلية: لا جدال في أن الثقافة تؤثر في الناحية العقلية للشخصية، فالمواطن الذي يعيش في جماعة تسود في ثقافتها العقائد الدينية تنشأ عقليته وأفكاره متأثرة بذلك كما أن المواطن الذي يعيش في جماعة تسود في ثقافتها الخرافات الثقافية تنشأ عقليته وأفكاره متأثرة بذلك فمثلاً يعتقد أهل قبيلة (نافاهو) من قبائل الأريزونا الأمريكية أن العالم مشبع بقوى خفية يمكن للإنسان أن يعدل فيها بعض الشيء ولكنه على العموم خاضع له، كما ينظر الواحد منهم إلى القرابة على أنها قوة تؤدي إلى تثبيت نظام الكون، وهكذا تتدخل ثقافة الجماعة في مضمون أفكار الأفراد ومعتقداتهم وآمالهم ومخاوفهم وقيمهم.
- الثقافة والناحية المزاجية: التكوين المزاجي ،يتضمن الاستعدادات الثابتة نسبياً والمبينة على ما لدى المواطن من طاقات انفعالية ودوافع غريزية يزود بها مع بداية طفولته والثقافة لها دور كبير في التأثير على الجانب المزاجي فتجعله يتشكل ويتنوع تبعاً لها ،كما أن الثقافة تؤدي دوراً مؤثراً في تنمية الانفعالات، فسكان جزر اندامان في نيوزلاندا الجديدة يذرفون الدمع مدراراً عندما يتقابل الأصدقاء بعد غياب ويرد الياباني على تعنيف رئيسه له بابتسامة.
- الثقافة والناحية الخلقية: كل ثقافة تحتوي على تيار أخلاقي بها، ينساق فيه المواطن متأثراً بالمعايير الأخلاقية السائدة من ناحية الخير والشر والحق والباطل والصواب والخطأ، وهذه المعايير نسبية تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، فالسرقة تعتبر من الجرائم في المجتمعات المتحضرة، ولكنها كانت مباحة في كثير من المجتمعات البدائية والقديمة حيث كانت تعتبر نوعاً من أنواع البطولة، فثقافة الاسبطريين كانت تنظر إلى السرقة كنوع من أنواع البطولة كذلك أكل اللحوم البشرية فإننا ننظر إليه على أنه سلوك حيواني بشع، ولكنه أمر مقبول وعادي عند بعض القبائل المتخلفة فمثلاً قبائل الشميس في الصين يأكلون أكباد الأعداء بعد قتلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الكبد مركز الشجاعة كذلك عند الغالة وهم سكان فرنسا الأصليين كان القتل مباحاً في بعض الأحوال فالمريض مثلاً كان يقتل وكذلك الفقير، كما أن ثقافة الإسكيمو تتيح لهم قتل المسنين من ناحية، ووأد البنات من ناحية أخرى.