ظل حلوانى بودرو Baudrot""، ملتقى اميرات الاسرة العلوية وكبارالادباء والفنانين من كل انحاء العالم، يكافح صامدا بصبر للبقاء، إلا انه أعلن استسلامه مؤخرا مغلقا أحد أهم صفحات كتاب تاريخ مدينة الإسكندرية الكوزموبوليتانية التعددية الملونة..
سنوات قليلة مرت عندما كنت تسير فى شارع سعد زغلول، أحد أشهر شوارع الإسكندرية الرئيسية، تستوقفك رائحة الفطائر والكرواسون الساخن بشرائح الجبن اليونانى الشهير( الريكوتا والمزيثرا والمانورى) المصنوعة من لبن الماعز مع شرائح الطماطم بزيت الزيتون، فتستقبلك لوكيا ديمترى بابتسامة رقيقة بملامحها اليونانية الممزوجة بصبغة زعفران شاطئ الاسكندرية، وتحتار مخيلتك فى اختيار المكان الذى تجلس فيه فيشدك الانبهارلتفحص المكان وديكوراته الداخلية والتى تعكس صورة لنوستالجيا لإسكندرية القديمة حيث الرقي والفخامة.
يتكون محل بدرو بديكوراته العتيقة من جزئين صالات للجلوس تحتوى بار للمشروبات والشيكولاتة وصالات مقسمة تستخدم كمقهى ومطعم وجزء خلفي هو حديقة تقام بها الحفلات الراقصة مع الموسيقى اليونانية الشهيرة.
-
بين الجاليات الاجنبية بالإسكندرية
يقول الخبير الأثري والباحث فى التاريخ اليونانى هانى رياض لسيدتى " ظل لحلواني بودرو نكهته الخاصة بين الجاليات الاجنبية، فجدران المكان تحكي ذكريات الزمن الجميل حيث تلاقت العادات والتقاليد لليونانيين والسكندريين الذين يحملون نفس الطبائع والعادات تقريبا."
وعن تأثير اليونانين بالإسكندرية يؤكد أنه مازالت العديد من الأحياء تحمل اسماء يونانيين مثل منطقة جليم نسبة لبانى الحي وهو جليمونو بوليس ، وزيزينا نسبة للكونت زيزينياس تاجر القطن. وأنطونيادس البارون اليوناني ، صاحب الحدائق الشهيرة التي تحتوي مجموعة نادرة من التماثيل الرخامية لآلهة الأساطير اليونانية.
-
الكريم شانتيه في الشرق الاوسط
وعن محل بودرو يقول اشترى الشيف اليونانى جورج ديميتري المحل من سيدة إيطالية في فبراير من العام 1909وكان اسم المحل "بوتيت تريانون". وكان ديميترى من أمهر شيفات الحلويات على مستوى العالم، فهو الذي أدخل الكريم شانتيه إلى مصر والشرق الاوسط بعد سفره لباريس وعودته، وكان ذلك يمثل قفزة في تكنولوجيا الحلويات، وتغير اسم المحل إلى بودرو، ثم اشترى محل آخر مشاركة مع عائلة يونانية هي قسطنطينيدس وبيريكوس يقع تحت فندق متروبول وأصبح لديه سلسلة من المحلات...
يقول هانى رياض.. "ظلت رائحة الزمن عالقة بجدران المبنى العتيق وعندما تم تجديده بالعام 2008 حاولت لوكيا بيرليس حفيدة جورج ديمتري الحفاظ على الشكل التراثي للمكان فظلت تحتفظ باللوحات الفنية الأثرية والممهورة بتوقيع فنانيها الأصليين "
-
صفوة رجال الفن والسياسة والأدب
فيلون زفيرو- 73 عام مهندس يونانى مقيم بالإسكندرية، وابن أحد شيفات حلوانى بودرو يقول "شهدت جدران بودرو العديد من السجالات والنقاشات حيث كان يرتاد المكان صفوة رجال المجتمع في السياسة والاقتصاد والأدب والفن منهم نجيب الريحاني وبديع خيري ، ويوسف بك وهبي، وسليمان بك نجيب، وفؤاد باشا سراج الدين، وفي مجال الصحافة والأدب جراسيموس بند أكس، وستراثيس تسيركاس، فورستر، وداريل صاحب الرباعيات الشهيرة والشاعر اليوناني كفافيس، وغيرهم ...
-
أميرات الأسرة العلوية من اهم رواد بودرو
كذلك كان يجتمع في الصيف أميرات الأسرة الحاكمة كالأميرات فريال وفوزية وفريدة بنات الملك فاروق مع باقي أميرات الأسرة العلوية في فترة بعد الظهر يستمتعون بالقهوة اليونانية مع اللبن المثلج و فطيرة الشيكولاتة بالكراميل يتسامرون مع اصدقاءهم.
-
كرمة عنب عتيقة عمرها نحو مائة عام
وعن ذكرياته مع والده، يقول " كانوا يعهدون إليه وزملائه بتنظيم الحفلات الملكية فكان الشيفات يمدون حفلاتهم بالحلويات اليونانية مثل فينيكيا والفيلوجريس، جيليكو كيراسي والحلويات التركية الفخمة التي اشتهر بها بودرو.
يقول : " حديقة بودرو من أفضل الأماكن التي يمكن الاحتفال فيها بليلة رأس السنة، فهى تتميز بحديقة غناء تظللها كرمة عنب عتيقة عمرها نحو مائة عام، وقد شهدت العديد من الحفلات خاصة احتفالات الكريسماس والأعياد التي كان يجتمع فيها اليونانيين لتطيير طيارة ورق في أول يوم صيام مرتدين الأزياء التراثية التقليدية، حيث كانوا يدعون كبار المطربيين العالميين من اليونانيين، كما كانت العديد من الفرق اليونانية تقدم حفلاتها بالمكان وذلك للحفاظ على الطابع اليوناني الأصيل للمكان..."
فى النهاية يقول بحزن.. "ظل حلوانى بودرو الاشهر لعقود طويلة وعندما عادت لوكيا حفيدة ديمترى من اليونان لتجديده لتعود رائحة الزمن الكوزموبوليتاني الذى افتقدناه كثيرا إلا أنها قررت بيع المكان فى 2014 والعودة لليونان فلم يستطع الصمود فى ظل الاحداث التى عصفت بمصر فى تلك المرحلة"