أصبح الجمع بين خضرة الطبيعة، من دون منغّصاتها من آفات وحشرات، وضرورة العناية المتواصلة بالنباتات، وهواء التكييف، متاحاً راهناً... فقد امتدّت قدرة الإنسان على المحاكاة إلى ابتكار «تركيبات» للجدران لا تميّز العين المجرّدة أنّها مصطنعة؛ «التركيبات الخضر» التي تضيف إلى لوحة الديكور القيمة الجماليّة.
تمثّل «الجنائن العمودية المصطنعة» الحلّ لسكّان البلدان الحارّة، البلدان التي لا يسمح القيظ فيها بالجلوس في المساحة الخارجيّة، وأيضاً للمنشغلين في يوميّاتهم والراغبين في الاسترخاء لوقت قصير في الأركان المنزليّة المسقوفة.
«الجدران الخضر العمودية» مناسبة للشقق، مهما صغرت أو فسحت، الشقق التي لا تحتوي على ملحقات مثل «الباتيو» أو الحديقة الخارجيّة.. أو حتى لا تسمح الرطوبة المرتفعة لسكّانها بالجلوس في الخارج، مع أفضليّة لنواحي عدم احتياج «الجنائن» للسقي والصيانة، وتقديم خيارات كثيرة من النباتات والأزهار حتى تحلّ فيها، بالانسجام مع ديكور الغرفة. إلى ذلك، معلوم دور رؤية اللون الأخضر، بصورة مستمرّة، في إراحة العينين، ورفع المزاج تالياً، بالاتساق مع رغبة الإنسان في جعل الطبيعة بعناصرها الجذّابة جزءاً من منزله.
«جنائن مصطنعة»
مُتأثّراً بوالدته التي كانت تصنع الورود من القماش لفساتين الفنّانات، ومن بينهن صباح وسلوى القطريب، ولأزيائهن في المسرحيّات الاستعراضيّة، وبامتلاكه «عيناً» تحسن تنسيق الألوان، رغب المصمّم اللبناني شربل كرم، بعد سنوات الجامعة، في تطوير فكرة «الجنائن المعلّقة» التي كانت منتشرة في الولايات المتحدة وأوروبا، وبنسبة أقلّ في الدول العربيّة، لناحية تضمين «الجنائن» ألواناً كثيرة، بالإضافة إلى تدرّجات الأخضر وظلاله، وشتولاً متعدّدة وحتّى وروداً وإكسسوارات.
تابعوا المزيد: بسمة كعكي: البحث والتوثيق والحوار النقدي تعادل التصميم قيمةً
في لقاء مع «سيدتي»، يشرح المصمّم أنّه «ينسّق «التراكيب الخضر» يدويّاً، بالانسجام مع الديكور الداخلي المنزلي (أو الحديقة الخارجيّة)، وعلى أسطح مختلفة، ومنها الخرسانة على الجدران أو الخشب أو البلاط، مع اتباع طريقة عمل خاصّة بكل سطح، وتحقيق إضافات إلى «التراكيب» من إضاءة وإكسسوارات». يقول المصمّم: «صحيح أنها «جنائن مصطنعة»، لكن العين المجرّدة لا تعرف ذلك، ولا يتبيّن الأمر سوى عندما «فضولي» يلمس النباتات، وذلك لأنّ المواد المستخدمة في المحاكاة ذات جودة عالية، ومضادة للشمس وعوامل الطبيعة المختلفة، وتعمّر طويلاً». تشتمل المواد على الجلد والمطّاط، بعيداً من البلاستيك الرخيص.
لا حدود للخيال في إعداد «الجنائن المعلّقة» المصطنعة التي قد تتخذ الشكل الدائري أو المربّع أو المستطيل... أو تغلّف كامل الجدران، أو حتى تؤطّر بالخشب أو العقيق... وهي تمتدّ على مساحة تتراوح من متر مربّع واحد حتّى عشرات الأمتار المربّعة، وقد يتخلّلها الخشب والبلاط وعناصر أخرى.
يشبّه المصمّم أعماله بـ«اللوحات التشكيليّة كثيرة التفاصيل»، إذ كلّما اقترب المرء منها رأى المزيد، مع رفع قيمتها من خلال تسليط الإضاءة عليها أو دمج الأخيرة بـ«التراكيب الخضر» حتّى تجذب الظلال النظر إليها، وتأطيرها بمواد نبيلة.
بخلاف النباتات كثيرة التطلّب لناحية الصيانة والسقاية، لا عناية خاصّة بـ«الجنائن» الداخليّة المصطنعة متهاودة التكلفة، مقارنة بـ«الجدران الخضر» الطبيعيّة.
جلسة غنّاء
في غرفة نظيرة الجلسة في الحديقة الخارجيّة، مسقوفة ومكيّفة، ومزدانة جدرانها بـ«التراكيب الخضر»، لا مناصّ من حضور الأثاث المريح والمصنوع من مواد مستدامة (الخشب المستصلح أو المطابق لشروط سلامة البيئة والخيزران والروطان أو من مواد معادة التدوير...) فلا ينتهي سريعاً في مكبّ النفايات بل على العكس من ذلك هو متين و«طويل العمر». وظائف الجلسة الغنّاء عديدة، ومنها التقاء العائلة للسمر أو ممارسة اليوغا أو حتى الاختلاء بالنفس...
لناحية أساليب الديكور، المجال مفتوح لذوق شاغل المنزل، ورؤية المصمّم، لكن لحسن التنسيق مع الخضرة الطاغية على الجدران، يبدو لون الخشب الطبيعي مناسباً، وكذا الأمر في شأن لون الآجر، بالإضافة إلى درجات أخرى من الأخضر أو الأزرق أو الأصفر المشرق. ولتزيين الجلسة، تحلّ الوسائد وعناصر الإضاءة والطاولات جذّابة الشكل... وتلافياً للوقوع في فخّ المغالاة في توظيف الألوان، تساعد القاعدة الآتية المتّبعة من مصمّمي الديكور عموماً. تتألّف القاعدة من ثلاثة أرقام: 10 و30 و60؛ كلّ رقم فيها يشير إلى نسبة حضور اللون في لوحة الديكور، وفق الآتي: يشغل اللون المسيطر 60 % من نسبة اللوحة، واللون الثانوي 30 % منها، واللون المميّز 10 % منها.
إمتاع العينين
في بحث سريع، يتبيّن أن أصل «الجدران الخضر» أو «الجدران الحيّة» حديثة الطابع يرجع إلى نموذج زراعي مائي أعدّه عالم النبات الفرنسي باتريك بلان لـ«مدينة العلوم والصناعة» في باريس سنة 1988، ولو أنّ الشواهد التاريخيّة كثيرة على رغبة الإنسان في الزرع الأخضر لإمتاع العينين، سواء في الهلال الخصيب أو في أرجاء البحر المتوسّط القديم.
تابعوا المزيد: ديكورات منزلية ترضي العروسين