هُنَاك سُؤال إشكَالي يَقول: هَل الإنسَان يُفكِّر ثُمَّ يَتكلَّم؟، أَم أَنَّه يَتكلَّم ثُمَّ يُفكِّر؟، أَو بلُغةِ الرِّيَاضيين: هَل قيمَة الهَدَف تَكون مُثمرَة أَثنَاء المُبَارَاة؟، أَم بَعد انتهَائها..؟!
إنَّه سُؤالٌ بَسيط، ولَكن إجَابته لَا تَمتّ للبَسَاطَة ولَا للسّهولَة بصِلَة، لأنَّ المُلَاحَظ عَلَى أَكثَر أَحَاديث النَّاس؛ أنَّهم يَتكلَّمون مِن غَير تَفكير، وقَد تَبَرْمَجوا عَلَى ذَلك، وإذَا أَردتُم الأَمثِلَة فإليكُم بَعضاً مِنهَا:
المِثَال الأوَّل: تَدخُل مَجلِساً فتَقول: هَل عِندَكم شَخص غَريب؟، فيَردّ عَليك المُجيب قَائِلاً: "مَا غَريب إلَّا الشّيطَان"، وهَذه الإجَابَة تَبَرْمَج النَّاس عَليهَا، ولَم يُفكِّروا لمَرَّة وَاحِدَة؛ هَل الشّيطَان فِعلاً غَريب، وهو الذي يَسكن بَيننَا، ويَجري فِي أَجسَادِنَا مَجرَى الدَّم..؟!
مِثَالٌ آخَر: أَعرف صَديقاً لِي؛ قَد بُرمِجَ عَلَى كَلِمَة "الله يزيدك"، فحِين يَسأَلك عَن أَحوَالِك، أَو عَن أَحوَال مَن حَولك، يَقول بَعد إجَابتك: "الله يزيدك"، أَو "الله يزيده"، وذَات مَرَّة سَأَلني: كَيف حَال وَالدتك "لولوة العجلان"؟ فقُلتُ لَه: إنَّها مُتعَبة قَليلاً، وبحُكم أَنَّه مُبرمَج، رَدّ بطَريقةٍ آلية قَائِلاً: "الله يزيدهَا"..!
مِثَالٌ ثَالِث: تُقَابل صَديقاً لَك مصادفة، وتَعزمه إَلى بَيتك وتَقول لَه: مَرحباً بِك فِي مَنزلي غَداً؛ لنَتغدَّى سَوياً، ونَظراً لأنَّه مُبَرْمَج عَلَى المَشَاكل والرّدود الآلية، يَقولُ لَك: "خَلَاص تَمّ، مَا عِندَك مُشكِلَة، سَوف أَتغدَى عِندك غَداً"، مَع أَنَّ المَفروض أَنْ يَكون الرَّد العِلمِي هو: شُكراً لَك، وعَلَى بَركة الله نَلتقي غَداً، ولَيس عِبَارَة "مَا عِندَك مُشكِلَة"..!
في النهاية أقول:
أيُّها النَّاس، فَكّروا قَبل أَنْ تَتكلّموا، حَتَّى لَا تَكُونوا لُعبَة فِي يَدِ اللُّغَة، وأَسْرَى فِي يَد البَرْمَجَة..!!