ستيفاني سيّار وشربل غريبه، زوجان لبنانيّان من مواليد سنة 1987، يتشاركان الشغف في التصميم؛ كانا تجاورا على مقاعد كلّية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانيّة، ثمّ أكملا الدراسات العليا في الهندسة الداخليّة معاً، فدروب الحياة. «الديزاين» في تعريف الزوجين هو أسلوب حياة يعيشانه بكلّ جوارحهما في بيتهما ومحترفهما، حيث تتعالى الضحكات على الدوام، ويمثّل اللعب جزءاً من المنظور الفنّي، ولا يغيب الحبّ الذي يجعل «أحدهما ضائعاً دون الآخر» حسب تعبيريهما. أعمالهما الملوّنة تخطف بصر الناظر إليها، بأشكالها غير المألوفة، مع ملاحظة أن الجانب المزّاح في شخصيتيهما ينعكس في تصاميمهما الفنّية من مفروشات وإكسسوارات تثير الأحاديث حولها أينما تحلّ.
حوار «سيدتي» الشائق مع الزوجين سيّار وغريبه، في الحوار الآتي نصّه.
متى بدأت شراكتكما العمليّة؟
شربل: جاءت الشراكة نتيجة طبيعيّة لسنوات الجامعة؛ جلست قرب ستيفاني على مقاعد الدراسة، من دون معرفة مسبقة بها، ومذّاك لاحظت أنّ اهتمامات كثيرة تجمعنا، فأصبحنا نعدّ المشاريع الجامعيّة سويّاً. بعد التخرّج، لاحظ كلّ منّا الهوّة التي تفصل الحياة الدراسيّة عن تلك العمليّة الصارمة والمحدّدة بالدوامات، ولأنّنا نهوى الفنّ شعرنا بضرورة إعداد مساحة لنرسم فيها، وننفّذ مشاريع فنّية نحبها ومنحوتات، ونستقبل الأصدقاء، بعيداً عن العمل ذي المردود المادي. وتحقّق الأمر، ولو أن كلّاً منّا كان يعمل بمفرده في ذلك الحين، لكن بدعم من الآخر، وسرعان ما شعرنا أن وظيفة المساحة تتحوّل من تغذية الهوى الفنّي إلى محترف. في أحد الأيّام في سنة 2014 عرفنا عن طريق الصدفة أن منصّة «فانتورا لامبراتي» ضمن «أسبوع ميلان للتصميم»، تستقبل مشاريع المصمّمين الشباب، فشاركنا سويّاً.
تابعوا المزيد: تصاميم الصوفا لغرفة المعيشة المعاصرة
الاعتراف الأوّل بتصاميمكما جاء من ميلان قبل بيروت؟
ستيفاني: كانت أعمالنا في ذلك الحين لمّا تزل على الورق أي إسكتشات، فنفّذناها قبل السفر مباشرة، لتختر ضمن المشاركات الأفضل من لجنة الحكم، في «أسبوع ميلان للتصميم». وبعد ذلك، تتالت المشاركات في معارض «الديزاين» ذات الحضور العالمي، مثل: Maison & Objet في باريس، ومجدّداً في «أسبوع ميلان للتصميم»... ثمّ تعرّفنا إلى House of Today، المجموعة اللبنانيّة التي ترأس إدارتها شيرين مغربي، وتهدف إلى دعم المصمّمين الشباب. أمست مشاركتنا في أي معرض تنال التقدير، لتكبر مساحة محترفنا تالياً في ظلّ الشراكة العمليّة والحياتيّة.
كثير من الهزل...
يمتاز الأثاث الفنّي الذي تصمّمانه بأشكاله الجذّابة وبألوانه، وهو يبدو محمّلاً بالمرح، ووظيفيّاً... هل الشكل هو نواة العمل؟
شربل: كان عالما الفنون و«الديزاين» شبه منفصلين عن بعضهما البعض، مع بعض الاختراقات، لكن ما لبثا أن اندمجا، وهذا ما نحاول تبيانه في أعمالنا، أي أن نخرج الفكرة من «الاسكتش» إلى التنفيذ، مع القيام بالأخير بأيدينا، بخاصّة عند استخدام مواد كالصلصال والسيراميك، مسيّرين بالمرح دوماً. في هذا الإطار، أذكر أنّه خلال سنوات الجامعة، كانت الاسكتشات الأوّلية محدّدة بالأشكال الهندسيّة المعروفة، لكن شيئاً فشيئاً تعلّمنا تخطّي هذه الأساسيّات، وجعل الأشكال حرّة أكثر، ومفتوحة على كلّ الاحتمالات لناحية التشكيل.
ستيفاني: حين أشرع في الرسم، الخطّ هو أول ما يبدو على الورق، وبالتالي الشكل هو أساس العمل، قبل اللون والخامة ووظيفة التصميم. إلى ذلك، أعمالنا الفنّية هي انعكاسات لشخصيتينا الهزليتين، ومراحل العمل لا تخلو من ضحك ولعب، مع قليل من الجدّ. وبالتالي، أعمالنا تستحضر ابتسامات من ينظر إليها، وتحثّه على لمسها، وهذا يجذبنا.
يبدو لي كأنّكما تتمسّكان بالجانب الطفولي في شخصيتيكما؟
شربل: أتمسّك بالإيجابيّة التي كانت تلازمني خلال حياة الطفولة والصبا، وأخاف أن أخسر هذا الجانب الحلو من حياتي.
ستيفاني: مع الوقت، وحينما أصبحت أعمالنا تعرض في الخارج، بخاصّة في الولايات المتحدة، كنّا نسمع تعليقات متفاجئة من الطاقة التي تحملها تصاميمنا، في تناقض مع أخبار لبنان المتوترة على الدوام. كنت أرغب في عكس ذلك، وتبيان عبر الأعمال طبيعة اللبنانيين المحبين للضحك وأيضاً فنون الطعام، فنحن (شربل وأنا) متأثران بأعمال الطهاة الذين يبتكرون الأطباق أو يدمجون مذاقات المطابخ ببعضها البعض، ويثيرون العين بألوان أطباقهم وباختباراتهم.
اختبار الزمن
أسلوبكما انتقائي، وعلى طلاق مع قواعد المدارس الفنيّة المحدّدة. هل سماته تستهدف الأعمار الشابة تحديداً؟
شربل: الأسلوب الانتقائي هو نتيجة كسر القواعد، لكنّي أرى أن هناك تغيّراً في العقليات، وبالتالي كبار السنّ أمسوا يستلطفون الأعمال الملوّنة وغير مستقيمة الأشكال، نتيجة ملاحظة اهتمامات أبنائهم بها، علماً أنّ الأثاث الفنّي، سرعان ما يثير الأحاديث وحتّى النكات عند توظيف قطعة منه في المنزل. إلى ذلك، نأمل أن تنجح أعمالنا، في اختبار الزمن.
ستيفاني: خارج لبنان، لا فصل في اهتمامات الأجيال بهذا الوضوح، وكبار السنّ منفتحون أكثر على الأثاث الفنّي الملوّن، وبالتالي يقدّرونه، وذلك لأنّ مصمّمي الأثاث العالميين، بخاصّة الإيطاليين منهم، ركبوا هذه الموجة منذ القرن الماضي. عموماً، كل الناس في حاجة إلى تلوين حياتهم، وربما قد يؤدّي الأثاث جزءاً من هذا الدور.
«ديزني لاند الديزاين»
شاركتما في إقامة فنّية أخيراً في أسبن بكولورادو، ضمن «مركز أندرسون رانش الفنّي»؛ حدّثانا عن التفاصيل.
ستيفاني: المركز متعدّد الأقسام؛ ينظّم ورش العمل الخاصّة بأعمال السيراميك، والخشب والمعادن... بعد أن تعاونّا مع غاليري في نيويورك عن طريق House of Today، شارك الغاليري في نيويورك مع غاليري آخر في أسبن في عرض أعمالنا. كان المعرض لما يزل منعقداً في أسبن، عندما دوى انفجار مرفأ بيروت (أغسطس 2020) الذي حطّم محترفنا الكائن في الجميزة، وعرّضنا للجروح الجسديّة والنفسيّة، وأدخلنا في حالة من الاكتئاب، فاقتُرحت علينا المشاركة في الإقامة الفنّية للإنعاش.
شربل: ذهبنا لتعلّم المزيد عن خامة السيراميك، وتقنيّاتها، حتّى نسهّل تالياً مرحلة تنفيذ تصاميمنا مع المحترفين، وقد نتج عن ذلك 6 قطع من طاولات ووحدات إضاءة ومنحوتات، من دون أن يكون مطلوباً منّا ذلك، ما أعجب القيّمين على المكان. والأخير هو «ديزني لاند الديزاين»، وكلّ الأسماء المعروفة في المضمار في الولايات المتحدة مرّت به.
ما هي مشاريعكما الراهنة؟
شربل: نعمل على مجموعة لغاليري في نيويورك، قوامها الصخر اللبناني والقشّ والطين، بالإضافة إلى شقّة سكنيّة في بيروت نشرف عليها من الألف إلى الياء، أي لناحيتَي التصميم الداخلي والديكور. ربما هي ستكون أبرز مثال عن عملنا وتطلّعاتنا، ولو أننا لاحظنا أثناء التنفيذ أنّ العمل يستغرق الكثير من الوقت، فالورشة مفتوحة منذ أكثر من عام، ولا يزال هناك الكثير لإتمامه.
تابعوا المزيد: النحاس في إكسسوارات المنزل المعاصر الفخم