يَعتقد النَّاس أنَّ الرِّجَال لَا يَمتَازون بالرُّومَانسيّة، وأَنَّ هَذا المَنتوج – أعني اللَّطَافَة والذّوق والرِّقة - مَحصورٌ بالنِّسَاء، ومُخصَّص لَهُنّ، ومَا عَلموا أَنَّ فِي بَعض الرِّجَال رُومَانسيّة؛ تَتفوَّق عَلى كُلِّ الرُّومَانسيّات النِّسَائيّة، وإليكُم هَذا المِثَال والشَّاهِد:
يَقول الكَاتِب المُتألِّق "جلال أحمد أمين"؛ في كِتَابهِ "رحيق العمر"، إنَّ هُنَاك أَشيَاء خَاصَّة جِدًّا ومُحزنة؛ في مُذكّرات وَالده المُفكِّر الكَبير "أحمد أمين"، ومَع هَذا قَرَّر أَنْ يَنشرها على الرَغم من مُعَارضة بَعض أَفرَاد أُسرته، حَيثُ يَقول: (مِن الأشيَاءِ الخَاصَّة جداً تَعبيره عَن أَسفه وحُزنه، لأنَّ زَوجته "لَم تَكُن جَميلة" بالدَّرجَة الكَافية، وكَم كَان يَتمنَّى لَو كَانت "أكثَر جَمَالاً". كَان هَذا الخَاطِر يَلحّ عَلى ذِهنه بشدّة، بدَليل أَنَّه عَبّر عَنه أكثَر مِن مَرَّة، في يَومٍ بَعد آخَر، وإنْ كَان قَد خَشي أَنْ تَقع المُذكّرات في يَد أُمِّي فتَقرَأها، فكَتَب هَذه العِبَارة بالإنجليزيّة "more beautiful"، وَاثِقاً مِن أنَّها لَن تَفهمها إذَا رَأتها، إذْ لَم تَكُن لأُمِّي أي دِرَاية بالإنجليزيّة. إنَّه يَمتدح أُمِّي في عِدَّة نَواحٍ، ولَكن لَيس مِن بَينهَا الجَمَال، وقَد تَعجّبتُ جِدًّا عِندمَا قَرأتُ هَذا، إذْ إنَّ الصّور القَليلَة التي في حَوزتي، وتَظهَر فِيهَا أُمِّي كَمَا كَانت؛ في وَقتٍ مُقَارِب لوَقت كِتَابة المُذكّرات، لَا تَبدو مُؤيِّدة لقَوله)..!
بالله عَليكم، تَأمَّلوا رِقَّة ولَطَافة ورُومَانسيّة مُفكِّرنا الكَبير "أحمد أمين"، حِين تَمنَّى أَنْ تَكون زَوجته more beautiful، حَتَّى لَا تَقع المُذكّرات في يَد زَوجته، فتُصدَم في رَأيهِ بِهَا..!
في النهاية أقول:
أيُّها النَّاس، تَعلَّموا الرُّومَانسيّة لَيس فَقَط مِن النِّسَاء، بَل مِن الرِّجَال والطّيور، والحيوَانَات والزّهور، وكُلّ مَن لَديه الجَميل مِن الحِسِّ والشّعور..!!