اهتزّتْ فرنسا كلّها لوفاة المُمثّل النّجم Jean Paul Belmando "جان بول بلموندو"، وحالما تسرّب الخبر قطعتْ الإذاعات والقنواتُ التلفزيونيّة كلّها برامجها العاديّة، وخصّصتْ كامل الوقْت للحديث عن مسيرة الرّاحل الحافلة وحياته الثريّة بالأحداث والمُغامرات والإبداع.
أسطُورة
و"جان بول بلموندو" الذي تُوفي أمس عن سنّ تناهزُ الـ88 عاما مثّل في قرابة 80 فيلماً وعدد كبير من المسرحيّات، وهو عند الفرنسيّين " أسطورة" ملأ الدنيا وشغل النّاس طيلة أكثر من نصف قرن.
هو المُمثّل الذّي طبع جيلاً بأكمله وأحبّه الفرنسيّون حبّاً كبيراً. وكان عندهم الممثل الشعبي القريب منهم الذي كسر صورة "الفتى الأول الوسيم" بالمقاييس الكلاسيكيّة، وكانت أفلامه تشهد إقبالاً مُنقطع النّظير، وهو عند الفرنسييّن كفريد شوقي عند المصريين والعرب في تجسيد أدوار القوّة والحركة ، بل هو أصبح اليوم"أسطورة" كاللاعب البرازيلي "بيلي" في كرة القدم أو محمد علي كلاي في الملاكمة، وكثيرون يتحدّثون عنه كـ"معْلم" من معالم فرنسا الخالدة، وقد لخّص رفيقُ دربه المُخرج الشّهير"كلود للّوش" الأمر في كلمات بقوله: "فكما أنّ السّينما خالدة، فإنّ جان بول بلموندو ينتمي إلى فئة الخالدين"، وهناك من ذهب إلى حد القول أنه يلخص وحده السينما الفرنسية بأكملها.
نجاح مُتجدّد
وقد شرعتْ كلّ القنوات الفرنسيّة منذ البارحة في إعادة بثّ أفلامه ما يُؤكد نجاح تمثيله وحسن تقمّصه لأدواره مع ممثلين فرنسيين عمالقة كـ"جون غابان "أو "بورفيل" أو" آلان دولون"،علماً وأنّ النجم قد أصيب بجلطة دماغيّة منذ بضعة سنوات لكنّه تجاوز الخطربفضل عزيمته وإصراره على العلاج فتحسنت أحواله الصحيّة واستعاد شيئاً من قوّته، وبعد أنْ لازم بيته طيلة خمسة أعوام أصبح يظهر من حين لآخرفي بعض المُناسبات والمحافل ويمشي وهو متكىء على عكاز ولكنه حافظ دائماً على ابتسامته ومرحه.
استثناء
وقد خصّصت قناة "تي اف 1" نشرة الأخبار الرئيسيّة أمس كلّها لـ"جان بول بلموندو" ، وتواصلتْ النّشرة بصفة استثنائية 45 دقيقة. وكانت كلّها من أولها إلى آخرها للحديث عن النّجم الرّاحل، وتمّ فيها استضافة كبار المخرجين والممثلين الذين عمل معهم واستعراض الذكريات التي جمعتهم به في الحياة أو اثناء التصوير، وتخلل كلّ ذلك عرض لقطات من مختلف أفلامه الشّهيرة.
وأن تخصّص نشرة أخبار رئيسيّة كلّها له ولا يذكر فيها أيّ خبر آخر من أخبار العالم الكثيرة، فهذا استثناء وأمر نادر وهو ما يؤكد قيمة "جان بول بلموندو" ومكانته.
ونسجت على منوال القناة الشهيرة تي ف1 قنوات أخرى كثيرة وإذاعات، وتصدر اليوم خبر وفاته الصفحات الأولى من كبريات الجرائد والمجلات الفرنسية ووصفه الرئيس الفرنسي ايمانوال ماكرون في نعيه له بأنه "كنز وطني"، وسيقع بعد غد الخميس تنظيم وداع وطني للرّاحل في "الانفليد"بباريس ليتمكن الفرنسيون من إلقاء تحية الوداع الأخيرةعليه.
مع أجمل الممثلات
وقد بدأ النّجم الشّهير مسيرته منذ1960 ومثّل إلى جانب أشهر المُمثلات وأجملهنّ|ـ الفرنسيّات منهنّ والإيطاليّات ـ ككلوديا كردينال وصوفيا لوران والفرنسية بريجيت باردو وكاترين دوناف علماً وأنه وجد في بداية مسيرته، عند مُحاولاته الأولى تعلّم واحتراف المسرح والانتماء الى "الكونسرفاتوار"، صُعوبات شتّى إذ لم يقع قبوله والإعتراف به، بل كان محل تهكم وسخرية من شكله ولكنّه لم ييأس رغم الإحباط الذي شعر به إلى أن وجد طريقه إلى السينما وتيسرت له السبل نحو الفن السابع. فنجح نجاحاً باهراً وأصبح النّجم الاوّل للشبّاك. وحقّق مجداً وشهرة لم يحقق مثلها إلا الممثل" آلان دولون".
منافسة مع آلان دولون
هما مُمثلان اثنان تنافسا على امتداد اكثر من نصف قرن وتقاربا وتباعدا ولكنهما بقيا الاثنان نجمين كبيرين والأكثر شعبية في فرنسا وهما "آلان دولون " و"جان بوبل بلموندو". هما من جيل واحد ولكنهما شخصيتان مختلفتان وبلموندو هو الممثل الشعبي المتواضع المحبوب من البسطاء ودولون له طابع أرستقراطي متعالي. ويمثل أدوار الفتى الأول الوسيم. ولكنهما يتمتعان الاثنان بمحبة الفرنسيين، وقد انقسم الناس في محبتهما والانحياز إلى هذا أو ذاك منهما، تماماً كما ينحاز الجمهور إلى نوادي كرة القدم المتنافسة بين أهلاوي وزملكاوي.
كوني جميلة واصمتي
جمعهما فيلم معاً فكان النجاح الكبير وهو فيلم "كوني جميلة واصمتي"، وهو من إنتاج آلان دولون. وقد حصلت بينهما بسببه قطيعة دامت سنوات. فقد أقدم آلان دولون وخلافاً لكل بنود العقد وبصفته منتجاً على وضع اسمه في أعلى الافيش الخاصة بالفيلم كالتالي:" آلان دولون يقدم" وتحت ذلك الصورة المتفق عليها والأسماء. وقد غضب بلموندو من إضافة آلان دولون اسمه منفرداً من فوق بصفته المنتج. وقد تصالحا بعد سنوات وعاد الود إلى سالف عهده بينهما.
وعند وفاة بلموندو يوم أمس اتصلت إذاعة" اوروبا 1 ب" دولون "لاخذ تصريح منه فاكتفى بالقول:" اني فقدت صديقاً" ثم أجهش بالبكاء.
سرّ نجاحه
وأما سر كل هذا النجاح هو كما قال المخرج الشهير"كلود للوش" هي قدرة جان بول بلموندو على الإضحاك وإثارة الأحاسيس والعواطف حد البكاء.
ولأن جان بول بلموندو اشتهر بأدوار الحركة فإنه كان الممثل الوحيد في فرنسا الذي يرفض البديل له في لقطات الخطر حتى أنه ظهر بنفسه وهو فوق قطار يطوي الأرض طياً كما يتسلق بنفسه لمستلزمات أدواره الأماكن الشاهقة ويقود السيارة بسرعة جنونية فهو رياضي. وقد مارس الملاكمة مدة طويلة
قال عنه المعلقون إنه خرّيج مدرسة الحياة وما زاد في شعبيته طابع المرح والتفاؤل فهو دائم الابتسامة حتى في أشد الحالات ألماً.