إيمانًا منها بأهمية اللغة العربية، ودورها في تعزيز الحضور عربيًّا وعالميًّا أطلق مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة برنامج المنح البحثية في مجال اللغة العربية الذي يعدّ الأول من نوعه، والذي يأتي انطلاقًا من الاستراتيجية الثقافية لإمارة أبوظبي، الداعمة للركائز الأساسية والبنية التحتية للقطاع الثقافي في الإمارة، وتعمل على تعزيز جهود البحث العلمي النوعي في مختلف مجالات الثقافة والفكر، وتشجيع دراسة التراث العربي وتأصيله واستكشاف طاقاته باعتبارها أساسًا قويًّا للانفتاح على ثقافات العالم وحضاراته.
وبحسب المكتب الإعلامي لحكومة أبوظبي فإنّ هذا البرنامج يهدف إلى دعم الباحثين من أجل إنجاز بحوث متميزة ترتقي باللغة العربية، وتعزز حضورها داخل العالم العربي وعلى الساحة الدولية.
يذكر أنه ومن بين مجموعة كبيرة من البحوث التي ترشّحت لنيل منح البرنامج من مختلف الدول العربية اختار مركز أبوظبي للغة العربية هذا العام ستة أبحاث ليقدّم لأصحابها الدعم من أجل إنجازها على أكمل وجه.
يشار إلى أنّ الأبحاث التي وقع عليها الاختيار توزعت على مختلف حقول اللغة العربية. ففي مجال دعم تحقيق المخطوطات والتراث العربي اختار المركز مشروعين بحثيين، أولهما تحقيق كتاب مجمع الأمثال للميداني، الذي سيظهر في أربعة مجلدات وبحلة جديدة تليق به وبمضمونه، ويعتمد على نسخ من المخطوط لم تعد إليها الطبعات السابقة من الكتاب، وهو تحقيق موسّع قراءة وشرحًا وتوثيقًا وضبطًا، فضلاً عن فهارس كثيرة تعين على قراءة الكتاب.
أما ثانيهما فهو واحدٌ من نفائس الكتب الأدبيّة الأندلسية، وهو "عرائس الأدب" لابن سعيد، والذي لم يرد له ذكر في المصادر التي ترجمت لابن سعيد، وله منهج خاصّ، ويتضمن ترجمة ذاتية واسعة لمؤلّفه، ويشتمل على قصائد ومقطّعات شعريّة كثيرة ورد بعضها في مصادر أخرى ويعدّ معزّزًا لها، وبعضها لم يرد في أيّ مصدر آخر. وفيه نقول عن مصادر أدبيّة مهمّة تعدّ في حكم المفقودة، كما أن له قيمة نقدية جليّة لا تظهر في أي من مؤلفات ابن سعيد الأخرى إلا عرضًا، ويشتمل على (139) ترجمة للشعراء الأندلسيين.
فيما اختير في مجال البحوث والدراسات أربعة أبحاث، أولها "العربية وفلسفة الجمال.. قراءة جمالية في لسان العرب، مع معجم للألفاظ الجمالية في اللسان"، وتنبع أهمية هذا البحث من أنّ الثقافة الجمالية التي تزخر بها المعاجم العربية القديمة تتميز بالغنى والتنوّع والاتساع، بسبب الشرح المعجمي المطوّل غالبًا، ما يسمح للباحثين في علم الجمال بالوقوف عندها بالدرس والتصنيف والتحليل، وصولاً إلى تحديد الخصائص الجمالية القارّة في اللغة العربية من جهة، وفي الثقافة العربية من جهة أخرى، إضافة إلى أنّ نسبة كبيرة من الموادّ اللغوية بدلالاتها الجمالية في العربية الفصحى، ذات حضور قويّ ولافت للنظر في العربية المعاصرة، وفي اللهجات العربية العامية على السواء؛ ما يجعل البحث الجمالي في المعجم القديم بحثاً جماليًّا في اللغة العربية المعاصرة أيضًا، وإلى جانب الدراسة والتحليل يتضمن البحث معجمًا خاصًا بألفاظ الجمال في معجم "لسان العرب" لابن منظور، وهو من أهمّ المعاجم العربية القديمة وأوسعها.
أما ثاني المشروعات البحثية فهو بعنوان "استكشاف المبادئ المؤسسة لتحليل الخطاب في المنجز اللغوي العربي"، ويحاول هذا البحث استكشاف أعماق المنجز اللغويّ العربيّ، ولاسيما ما ارتبط منه بالممارسة النصية، ابتغاء توثيق إسهامات لغويي العربية في مجال "تحليل الخطاب"، وتحليل النصوص، والتأصيل-بموضوعية- لما يسمى "لسانيات الخطاب"، وتحاول الدراسة استظهار دور لغويي العرب المتقدمين في تأسيس مبادئ تعد في اللسانيات الحديثة وعلم النص والخطاب أهم الأسس التي بنيت عليها لسانيات الخطاب.
وجاء المشروع البحثي الثالث بعنوان "أثر اللغة العربية في غيرها من اللغات وتأثرها بها"، وهو مشروع يهدف إلى بيان دور اللغة العربية العالمي في تأثيرها في غيرها من اللغات القديمة والحديثة وتأثرها بها، وللكشف عن العوامل الجغرافية والتاريخية والحضارية والاقتصادية والسياسية التي جعلت العربية لغة قوية ذات دور عالمي قوي في تأثيرها في اللغات الأخرى وتأثرها بها.
وكان عنوان المشروع الرابع والأخير في مجال الدراسات "في عولمة النظرية النقدية"، وهو بحث ينقسم إلى جزأين، ينصرف الجزء الأول منهما إلى دراسة أنموذج قديم جداً من العولمة النقدية محوره كتاب "فن الشعر" لأرسطو، في حين يتبع الثاني منهما أنموذجًا حديثًا يدور حول البنيوية وما تلاها من اتجاهات انضوت جميعها تحت لافتة "ما بعد البنيوية".
تجدر الإشارة إلى أنّ مركز أبوظبي للغة العربية سينشر هذه البحوث بعد اعتمادها من اللجان المختصة ضمن سلسلة خاصة من إصداراته، لتكون في متناول القراء جميعًا، وتسهم في رفد المكتبة العربية.