في اليوم الذي تزوجت فيه، تزوجت جارتي أيضا وهي في نفس عمري لتحتل الشقة الصغيرة الملاصقة لشقتي بحيث تطل صالة شقتها على مطبخي الصغير مباشرة، ولذلك كنت دائما أتحرج أن افتح شباك المطبخ حتى لا أصطدم بها في وضع لا يليق، ولكي لا يحدث معي المثل، ومرت السنوات ولم تزدعلاقتي بها على التحية العابرة فقد كانت من النوع المتحفظ خاصة أن الأيام قد مرت وأنجبت أنا أولادي تباعا ولم يكتب لها الله أن تنجب ، وكنت أسألها في كل مرة نلتقي بها السؤال المعتاد عن حمل قادم ولكنها ترفع رأسها للأعلى بأسى أن لا شيء في الطريق.
وحدثت أزمة الكهرباء في غزة حيث أصبحت الكهرباء نادرا ما تصل للبيوت، واصبح مطبخي معتما ليل نهار بسبب صغر حجم نافذته وملاصقته للجيران، وبت أفتح النافذة في الأوقات التي أعرف ان جارتي وزوجها غير متواجدين في البيت، وبدأت حين افتح النافذة أسمع كلمات عابرة تحمل في مضمونها توتر العلاقة بين الزوجين بسبب تأخر الحمل الذي طال انتظاره في حين أن أولادي اصبحوا في سن الشباب، وكنت أشعر بالحزن لذلك الهدوء المنبيء بانفجار قريب والمخيم على البيت المجاور لبيتي حتى واتتني فكرة شرعت في تنفيذها......
كانت البداية حين تأكدت من وجود الزوجين في صالة شقتهما يتحدثان ، ساعتها فتحت نافذتي وتظاهرت أني أتحدث مع أولادي وأتذمر منهم وأطلقت عبارت على غرار: الله يقطعها اللي بتتجوز، شو كان رح يصير يعني لو ضليت في بيت أبي ، والله لولاكو يا هالأولاد كنت حوشت شوية مصاري وسافرت على مصر أشم هوا ,وأغير جو.......
بعد اسبوع من أطلاقي هذا السيل من التذمر كانت جارتي وزوجها يحزمان حقائبهما ويسافران في رحلة طويلة إلى مصر وذلك قبل احكام الحصار على غزة، وهكذا نجحت خطتي وتأكدت من نجاحها حين عادا بنفسية طيبة وبدأت جارت تنظر لي بعين الشفقة وتحدثني عن رحلتها الرائعة ، وسعدت جدا بأنها قد بدأت تجتاز حاجز اليأس الذي وصلت له، وقررت أن أستمر بالخطة.........
ووقفت مرة اخرى في مطبخي وفتحت النافذة وبدأت في اطلاق عبارات التذمر بعد أن تأكدت من وصولها لأذني جارتي العاقر وكانت العبارات هذه المرة مختلفة حيث قلت:
جننتوني ، رح أموت، كل يوم نفس الروتين، والله لولاكو يا هالولاد كنت اشتريت سيارة وكل يوم رحت على البحر لنص الليل أشم هوا نضيف .........
بعد ايام كان جاري قد اشترى سيارة واصبح يصطحب زوجته حتى منتصف الليل إلى شاطيء البحر حيث يقضيان سويا أمتع الأمسيات الصيفية، وسعدت أيما سعادة بأنهما يعيشان بهذا الجو وبأنهما قد توقفا عن التفكير بالأولاد واللهاث خلف الأطباء والوصفات الشعبية حسبما أخبرتني جارتي بعد أن أصبحت تتودد لي أكثر من ذي قبل.....
وان كان أولادي بدأوا يستغربون أن عبارات التذمر لا تصدرمني إلا في المطبخ واكررها دونما سبب بمجرد دخوله لدرجة أن يسرعون لي ويسألوني في لهفة: احنا شو عملنا يا ماما ...........
هم يستغربون وأنا لا أرد وحين أخرج من مطبخي أعود لشخصيتي الهادئة الهانئة بأمومتها الراضية بنصيبها، ولكني سعيدة بجارتي التي غيرت أنا حياتها وأصبحت تأخذ خططها من أحلامي التي تعتقد أني لم أحققها، فاهتمت بقوامها، وغيرت من تسريحة شعرها ، واشترت ملابس جديدة، وأصبح لها حسابا على الفيس بوك وهي تفعل كل ذلك معتقدة أنني قد حرمت من كل هذا بسبب أمومتي وانشغالي بأولادي.......
هنئت بخروج جارتي من حالة اليأس التي كانت تهدد حياتها الزوجية، وأصبحت تلاقيني دوما بوجه بشوش يشع أملا وبنفسية تمتليء أفكارا جديدة ولا تنسى حين تصافحني ان تشد على يدي وكأنها تواسيني لأنها تعتقد أني تعسة بأمومتي حسبما تسمع من نافذتي المطلة على شقتها.........