إذا كنت تبحث عن أكثر المواقع الأثرية إثارة في المملكة العربية السعودية، فإن قرية الفاو في محافظة وادي الدواسر، هي الوجهة المناسبة، لما لهذه القرية من قيمة تاريخية يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، كأول عاصمة لمملكة كندة العربية، والتي امتدت حتى القرن الرابع للميلاد. وتقع قرية الفاو على الحافة الشمالية الغربية للربع الخالي، تبعد عن العاصمة الرياض بما يقارب مسافة 700 كيلومتر، وجنوب محافظة وادي الدواسر بـ 100 كيلومتر. وتعتبر القرية أحد أهم المواقع الأثرية في شبه الجزيرة العربية، وكون المدينة العتيقة قد دفنت تحت رمال الصحراء فقد حافظت عليها تلك الرمال وجعلت من الموقع متحفاً حياً يجسد المدن العربية ما قبل الإسلام٠ وتعود أهمية القرية إلى موقعها، فهي تسيطر على طريق القوافل الذي يربط بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها وشمالها الشرقي، إذ كانت تتجه القوافل من الجنوب من ممالك سبأ ومعين وقتبان، وحضرموت وحمير إلى نجران ومنها إلى قرية، ثم إلى الأفلاج فاليمامة، ثم تتجه شرقاً إلى الخليج وشمالاً إلى وادي الرافدين وبلاد الشام.
الطراز المعماري العربي
يدل الطراز المعماري العام في قرية الفاو دلالة واضحة على أنه يمثل طرازاً عربياً فريداً، راعى الظروف البيئية واحتياجات السكان المختلفة، ومع ذلك فإن هذا الطراز لم يخل من تأثيرات معاصرة للطرز المعمارية في القرون الأولى للميلاد كما في اليمن والحضر. واكتُشفت فيها كتابات كثيرة تعود إلى الفترة الواقعة بين القرن الأول والقرن الخامس الميلاديين ومكتوبة بالخط الجنوبي "القلم المسند". ووجدت في القصر الرسوم الفنية التي تمثل قمة التطور الفني من حيث دقتها وتناسقها. وهناك التماثيل الحجرية والمعدنية التي تمثل مزيجاً حضارياً بين الشمال والجنوب امتد من القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الخامس الميلادي. إضافة إلى المسكوكات التي وجدت، وأغلبها ضُرب في القرية نفسها، ومعظمها كان من الفضة، كما عثر في «قرية» على قطع فخارية وأوانٍ خزفية، ويعتقد أن أكثرها من صنع محلي.
مركز التجارة الجزيرة العربية
وكانت القرية مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً لسكان وسط الجزيرة العربية الذين تاجروا بالحبوب والأحجار الكريمة والمعادن كالذهب والفضة والنحاس والحديد، واهتم سكان القرية بالزراعة، فحفروا الآبار الواسعة وشقوا القنوات السطحية، وزرعوا النخيل والكروم وبعض أنواع اللبان. وقد أسفرت التنقيبات التي جرت في قرية الفاو عن الكشف عن المعالم الأثرية المهمة، وخاصة السوق والقصر والمعبد والمقابر والمنطقة السكنية.