خلق الله الإنسان على هذه الأرض، وسخّر له كل وسائل الحياة، وأمدّه بالعلم وأمره بالتّعلّم، وخصّه بالعقل عن سائر المخلوقات؛ ليشغله فيما يرضيه، ورفع قدره بين العباد (ولقد كرّمنا بني آدم)، ذلك أنّ للعلماء قدر رفيعٌ عند الله (هل يستوي الّذين يعلمون والذين لا يعلمون)، ودائماً ما يتبادلُ الإنسان خبراته مع الآخرين من بني جنسه ويتعايش معهم حتى تسير حياتهم وتكتمل، وهذا معروفٌ لدى الجميع، ولكن هل سبق وأن سمعتم أن الإنسان يتعلّم من غير جنسه، أي أنّه يكتسب أموراً عدّة من عالم الأسماك الكبير، أو أن يتعلّم منهم طقوساً خاصّة أفرده الله بها عن سائر مخلوقاته، وسأقدّم لكم هذه المعلومات التي تعلّمتها خلال رحلة الغطس التي قمت بها، فكما نعلم أنّ للأسماك أنواعاً متعدّدة، ولكلّ منها وظيفته التي خصّه الله بها، سمكٌ ينظّف فم الأسماك الأخرى، وسمكٌ ينظّف قاع البحر، وآخرٌ يقوم بتنظيف ماء البحر، ونجد نوعاً آخرَ يقوم بتنظيف الشِّعَبِ المرجانيّة، كلٌ يعرف عمله ويقومُ به من دون توجيهٍ من أحد، والشّيء العجيب في ذلك أنّ كلّ ما يقومون بتنظيفه يتناولونه مرّةً أخرى كغذاء لهم، أي أنّ رزقهم الذي رزقهم الله إياه ساقه إليهم من عملهم نفسه من دونَ علمهم، فهم يعملون وفق ما علّمهم الله تعالى ويرزقهم من حيث لا يدرون، فهم لا يعلمون أنّ ما ينظفونه سيكون طعامهم، أي (يعملون ويسترزقون)، فهذا السّمك يعرف سرّ وجوده في هذا الكون وأنّه لم يُخلق عبثاً، وكلّ يومٍ يقوم بمهمّته هذه من دون تقصيرٍ منه، على عكس حال بعض البشر، فلو قمنا بمقارنتهم مع المخلوقات الأخرى لوجدنا أنّ بني الإنسان مقصّرٌ جداً في عمله، ولا يدرك السّبب من خلقه إلا من رحم ربّي، فالكلام ليس موجّها لكلّ البشر إنّما للأشخاص الذين يعيشون في هذه الحياة على غير هدىً، لا يعلمون لماذا خُلقوا، وما هو هدفهم فيها، لا يتفكّرون في خلق الله، يتيهون في الأرض، يأكلون ليملؤوا جوفهم، ويشربون ليرووا ظمأ أجسادهم من دون أن يرووا ظمأ قلوبهم وعقولهم، فحياتهم من دون معنى، ولا يجدون فيها السّعادة، وإن نظرتَ إليهم وجدت الاكتئاب والسّلبيّة تشعّ من عيونهم، والإحباط يحيط بهم، بل ويعكسونه على من حولهم، هؤلاء الأشخاص هم عالةٌ على المجتمع، لا يسهمون في تطويره، في حين نجد أشخاصاً يشبهون الأسماك في حياتهم، فحياتهم منظّمة مرتّبة وفق أهدافٍ محدّدة من لحظة استيقاظهم صباحاً لحين عودتهم مساءً، وكذلك أوقات العطل منظّمة ومبرمجة فيما يعود عليهم بالمنفعة، فتراهم أشخاصاً إيجابيّين راضين بما قسمه الله لهم، لأنّهم يعلمون أنّ عليهم العمل والتّوكّل على الله، والله سبحانه سيرزقهم لأنّه متكفّلٌ برزقهم، لا يخافون الفقر أبداً، كالأسماك التي تعمل لا تدري أنّ عملها هو رزقها، فالله تعالى موكّلٌ بعباده.
لذا أقدّم نصيحتي لكلّ إنسانٍ على هذه الأرض، لقد خلقك الله لهدفٍ محدّد ألا وهو عبادته تعالى وإعمار الأرض بالخيرات، وبالتّالي الرّضى بما قُسِم لك، فلا تخافُ فقراً ولا شيئاً آخر، فكيف تخافُ فقراً والله رازق، رزق السّمك في أعماق البحر، فكن راضياً قانعاً تكن أسعد النّاس وستُدهش بما هو مقسومٌ ومكتوبٌ لك.