الدّعاء في الإسلام عبادةٌ في حدّ ذاتها، وهي سؤال العبد ربَّه والطلب منه، وتُعدّ من أفضل العبادات التي يحبّها الله خالصةً لوجهه الكريم، فلا يجوز أن يتوجّه العبد بالدّعاء لغير الله، يدعوه من خيرِ أمور الدّنيا والآخرة لقوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أُجيبُ دعوةَ الدَاعِ إذا دعان) سورة البقرة.
ولقبولِ الدّعاء لا بدّ أن يكونَ بأدبٍ وتضرّع، وأن يلحّ الإنسان فيه خاضعاً قلبه، خافضاً صوته، أيّام الشّدة والرّخاء، مع الثّقة المطلقة بالله تعالى، ذلك أنّ العبادة والدّعاء مفاتيحُ الخير في الدّنيا والآخرة.
إنّ المؤمن يدعو ربّه بما يشاء وما يحلو له، كأن يرزقه المالَ الحلالَ الوفيرَ، الزّوجة الصّالحة، الذّرية البارّة، النّجاح في العمل، وكل أمرٍ يشغلُ تفكيره.
وأبلغُ الأسبابِ لدفعِ المكروه هو الدّعاء، فالله تعالى قدّر للإنسانِ نوعانِ من القدر، محقّقاً ومعلّقاً، والحديث (لا يردّ القدر إلا الدّعاء) ليس المراد به القدر المحتوم المحقّق وهو القدر الذي لا يغيّره دعاء ولا غيره، إنما القدر الذي سبق علمُ الله أن يكون، فلا شيء يردّه ولا بدّ أن يكون، أما النّوع الثّاني وهو القدر المعلّق المرتّب الذي جعل الله لردّه أسباباً كالدّعاء، هذا القدر يتغيّر بالدّعاء المقبول المتّصف بشروطٍ معيّنة، فالشخص يجب يكون ماله حلالاً، خالياً من الغشّ والرّشوة، ومطعمه حلالٌ لا حُرمة فيه كالميتة ولحم الخنزير، والأمثلة على ذلك كثيرة، أن يكتب الله عزّ وجلّ على إنسانٍ أن يصاب بمرضٍ معيّن ثمّ يرفع عنه هذا المرض بسبب الدعاء، الدّعاء بالزواج الصّالح، والنّجاح في الامتحان وغيرها، قال رسول الله :( الدّعاء ينفع مما نزل و ممّا لم ينزل، وإنّ البلاء لينزل فيتلقّاه الدّعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) أي يتدافعان، أيهما غلَب يقع.
إنّ العبد لم يطلّع على غيب السماوات، ولا يعلم ما كتبه الله عليه، ولكنه يعلم يقيناً أنّ نتيجة الدّعاء وثوابه والامتثال لأوامره عزّ وجل هي بأمره تعالى، ولعلّ قصة سيدنا موسى - كليمُ الله - مع المرأة العقيم أكبر مثالٍ على فضل الدّعاء وقوّته في ردّ القدر المعلّق، حيث جاءت امرأة إلى سيدنا موسى عليه السلام وقالت له: يا نبيّ الله ادعو لي ربك أن يرزقني بولدٍ صالح يفرح قلبي، فدعا سيدنا موسى عليه السلام ربه أن يرزق تلك المرأة طفلاً، فأجابه الله عز وجل: إنّي كتبتها عقيماً.
فقال سيدنا موسى عليه السلام: يقول الله عزّ وجل: إنّي كتبتها عقيماً. فذهبت المرأة وعادت بعد سنة فقالت: يا نبيّ الله ادعو ربك أن يرزقني بطفل صالح.
مرة أخرى دعا سيدنا موسى عليه السلام ربه أن يرزقها بولد، فقال له عز وجل: إنّي كتبتها عقيماً. فقال لها نبيّ الله موسى عليه السلام: يقول الله عز وجل إنّي كتبتها عقيماً.
وبعد سنة رأى سيدنا موسى عليه السلام تلك المرأة وهي تحمل طفلاً بين ذراعيها. فقال لها: من هذا الطفل. قالت: هو ابني. فكلّم سيدنا موسى عليه السلام ربّه وقال له كيف يكون لهذه المرأة طفلٌ وأنت كتبتها عقيماً، فقال له تعالى: كلّما قلت عقيم، هي تقول رحيم، فطغت رحمتي على قدرتي.
نستخلص من هذه القصة أنّنا نصل بالدّعاء إلى ما نريد في وقتٍ تعجزُ كل الوسائل الأخرى على تحقيقه، كما علينا أن نكون متفائلين، ولا نقنط من رحمة الله أبداً، الدّعاء ثمّ الدّعاء، قال تعالى (ولا تيأسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون)، وأن نحسن الظنّ بالله وفقاً للحديث: (أنا عند ظنّ عبدي بي فإن ظنّ بي خيراً فله، وإن ظنّ بي شرّاً فله).
فلندعو الله ونحن موقنون بالإجابة، فالظنّ كطاقة الجذبِ تماماً ما تفكّر به تجذبه، والدّعاء هو العبادة.