تطوير الذّات واحترام الرّأي الآخر

الدكتورة مايا الهواري
مايا الهواري  
مايا الهواري  

خلق الله تعالى الإنسان وجمّله بالعقل، وسخّر له كلّ ما في الوجود لخدمته، استخلفه في الأرض ليطوّرها وفق ما تقتضيه المصلحة، ممّا يدفعه لتطويرِ ذاته وقدراته وتوسيع معارفه؛ للارتقاء والوصول نحو الهدف المنشود، فالإنسان بلا تطوير يدور في حلقةٍ مفرغة من دون جدوى، أمّا تحسين الذات وتطويرها فهو طريق خلاصَ الفرد من الرّوتين والثّبات في المكان، متّخذاً من القراءة والمطالعة غذاءً للرّوحِ والعقلِ، داعماً ذلك بالثّقة بالنّفس وقدراتها واحترامها لذاتها، ما يضمن الحصول على شخصيّةٍ قويّةٍ متوازنة، فعّالة، ناجحة في ميادين الحياة كافّة، وبالتّالي ينعكس إيجاباً على القدرات العقليّة والإبداعيّة للفرد والمجتمع.

تطوير الذّات يتطلّب إرادةٌ قويّةٌ وعزمٌ ثابتٌ، لا يلين أمامَ الصّعوبات التي تعترض طريقه، متقبّلاً ما تحتويه هذه النّفس من إيجابيّات وترسيخها وتطويرها، والعمل على تطوير نقاط التّحسين بما يسهم في مساعدة نفسه وغيره، لأنّ الثّقة بالنّفس تجعل الفرد متوازناً داخليّا وخارجيّاً، راضياً، قانعاً متقبّلاً للرأي الآخر المناقض لرأيه، فحريّة الرّأي الشّخصيّ تقف عند حريّات الآخرين، ولا تتعارض معهم، ذلك أنّ احترام الآراء علامة من علامات النّضوج العقلي، ما يؤدي لارتقاء الأمم بعيداً عن التّعصّب والهيمنة، فاحترام الرأي الآخر هو نتاج التّربية السّليمة للنّفس وتطويرها وتحلّيها بالصّمتِ، واستخدام الصّبر مفتاحاً للأبواب المغلقة والمواقف الصّعبة، كما يجب العمل على إيجاد الحلول المناسبة لاختلاف الأفكار بأسلوبٍ لبقٍ، راقٍ، جاذبٍ للعقول، حتى يشكل جسراً واصلاً بين القلوب.

جميعُ الأديان السّماويّة تحثّ على ضبط سلوكِ الإنسان وأنّ الاختلاف بين الأمم وسيلةٌ لرقيّها وتعارفها، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا)، فالاختلاف ليس سبباً للحروبِ والصّراعات إنّما وسيلةٌ للتّعارفِ والتعايش مع بعضها على اختلاف مجالاتها السّياسيّة والاقتصاديّة والتّجاريّة والاجتماعيّة وغيرها بما يعودُ بالفائدة على الجميع، كما أنّ هذا الاختلاف لا يُفسدُ القضيّة، بل يجعل من الحوارِ حواراً بنّاءً محترماً ومهمّاً، بعيداً عن التّعصّبِ والسّخرية.

نستنتج من ذلك أنّه لا بدّ من تدريبِ أنفسنا وأهلنا وأطفالنا على تقبّلِ الرّأي الآخر، فهو ليس عيباً، بل نوعٌ من أنواعِ الرّقيّ الفكريّ، وامتزاج هذه الآراء يشكّلُ صرحاً فنّيّاً رائعاً يسرّ النّاظرين ويقودُ الأممَ نحو التّطوّر والازدهار.