القلوب الرّحيمة

الدكتورة مايا الهواري
مايا الهواري  
مايا الهواري  

خلق الله تعالى الإنسان وجعل في جوفه قلباً رحيماً صالحاً يتمتّع بالفطرة السليمة، يُغذّيه بالقرآن الكريم تلاوةً وسماعاً، فيلينُ قلبه وخاصّة بحضور مجالس الذّكر والعلم، إذ تلعب تلك المجالس دوراً فعّالاً، حيث تجلو عن القلوب والنّفوس صدأها وكدرها وكلّ ما يعكّر صفوها، فنراها تدفع الإنسان ليشارك الآخرين أفراحهم وأحزانهم ويغمرهم بلطفه، والنّبي الكريم عليه الصلاة والسلام كان يتّصف بلين القلب، وسعة الصّدر، وطيب الكلام، ورحمته الواسعة شملت الإنسان والحيوان والنّبات والجماد وكلّ شيء، لم يكن فظّاً غليظ القلب، لأنّ الغلظة والفظاظة تجعل الآخرين يضيقون ذرعاً وينفرون من صاحبها، بل كان عليه السلام بشوش الوجه، حلو اللّسان قاضياً لحوائج النّاس، سَمحاً في الكلام والمعاملة، ومن كانت صفاته كصفات خير البريّة كان ثوابه جنّة عرضها السموات والأرض، قال رسول الله في الحديث (ألا أخبركم بمن يحرم على النّار؟ وبمن تحرّم النّار عليه؟ على كلّ ليّن هيّنٍ قريبٍ سهل).
فالشخص الذي يملك صفة الرّأفة والرّحمة يكون رحيماً على غيره لطيفاً به، لأنّه تربّى على ذلك وبدأ يقدّمها لغيره، ولكنّ ذلك ليس شرطاً، فالبعض قد لا يكون تربّى على الرّأفة وحُرم من الرحمة في صغره، ولكنه عندما كبر بدأ يقدّمها لغيره من أولاده والنّاس جميعاً، لأنّه ذاق مرارة فقدها، ما ينفي مقولة فاقد الشّيء لا يعطيه، فالشّخص الذي اضطرّ لمغادرة المدرسة رغم ذكائه واجتهاده بحثاً عن العمل لتوفير المال، فإنه سيغدق مستقبلاً على أولاده كلّ ما يحتاجونه لمتابعة دراستهم وتحقيق أحلامهم التي فيها حلمه القديم، وأيضاً من توفّي والده صغيراً وفقد العطف والحنان الأبويّ، فهو بدوره سيكون أباً عطوفاً حنوناً على أبنائه؛ لأنّه تجرّع مرارة الفقد، فعبارة فاقد الشّيء لا يعطيه هي عبارة غير صحيحة؛ لأنّه من حُرِم شيئاً  أعطاه بسخاء، إذ يجب التفرقة بين الفاقد والمحروم، فالأول (الفاقد) هو الذي انتُزعت الرحمة من قلبه، أمّا الثّاني (المحروم) فالرّحمة أصلاً متربّعة في قلبه، ولكنّه فقدها من قِبَل الآخرين بوقتٍ من الأوقات، فالفاقد تنطبق عليه القاعدة، أمّا المحروم فهو بريء منها؛ لأنّه أفضل من يقدّم كلّ ما لديه لغيره، نراه كالزّهرة لا تشمّ عطرها لكنّها تمنحه للغير ينعمون بشذاها، لذا عزيزي القارئ كن ذا قلبٍ رحيمٍ يُعطي بسخاء وعطاء.