امرأة غريبة الأطوار رغم رقة ملامحها، وبراءة وجهها إلا أنها كانت تحمل قلباً من حديد. فاقت في قوتها وجرأتها الكثير من الرجال. هربت من الزواج من رجل لا تحبه. تركت منزل أسرتها بعد أن استولت على كل شيء، ثم تركت لأسرتها رسالة تفيد بأنها لن تعود مره أخرى، وأخبرتهم أنها ستتزوج بمن يختاره قلبها، وهو ما حدث بالفعل.
«فادية» انتحلت صفة طبيبة؛ للهرب من جرائمها الكثيرة، الصدفة وحدها هي التي قادت «فادية» إلى السجن عندما شرعت في تغيير اسمها الحقيقي، وانتحال اسم وصفة جديدين، ربما ظنت أنها بفعلتها ستفلت من العقاب، ومن ماضيها، ولكنها سقطت في قبضة رجال المباحث، ولكن ما هي تفاصيل قصتها الغريبة؟ وقبل أن نتعرف على تفاصيل جريمة «فادية» علينا العودة للوراء قليلاً؛ لمعرفة القصة من البداية!
اسمها الحقيقي «فادية»، والاسم الذي اختارته لنفسها هو «دعاء»، وبهذا الاسم تمكنت من الإفلات من قبضة رجال المباحث، لكن هذه المرة فشلت عندما حاولت أن تستخرج بطاقة رقم قومي جديدة، ولكن قبل النهاية كيف كانت البداية؟
عريس جاهز
«فادية» فتاة في العقد الثاني من عمرها، كانت تحلم دائماً بأن تخرج من قفص العادات والتقاليد التي كانت تعيش فيه بأمر من والدها. أحبت أحد الأشخاص، وكانت تقابله من وراء والدها عندما كانت تذهب إلى المدرسة. اتفقا على الزواج بمجرد أن تحصل على شهادتها.
«فادية» كانت فتاة مثيرة للانتباه، لاحقتها العيون كثيراً، وبدأت تسمع عبارات الغزل تنهال عليها من كل جانب، ونظرات الشباب ترمقها وتطاردها، لذا تهافت عليها العرسان، وبدأوا يطرقون بابها طالبين يدها للزواج إلا أن الأسرة رفضت الكثير منهم، ووضعت بعضهم تحت البحث والتقصي خاصة الذي تتوافر فيه أسباب الثراء.
أما بالنسبة لـ«فادية» فلم تكن تعير كلام الأسرة أي اهتمام قط، كانت تعد الأيام والليالي؛ حتى يحررها حبيبها من قيود أبيها، وجاء اليوم الذي تنتظره «فادية» بفارغ الصبر عندما انتهت من تعليمها وحصلت على الدبلوم، وفي نفس اليوم أخبرها والدها بأنها تمت خطبتها، فرحت بشدة ظنت أنها ستتزوج بمن أحبت، لكنها صدمت بشدة عندما أخبرها والدها أن العريس هو شخص آخر اختاره لها والدها، وأخبرها والدها أن زفافها سيكون بعد عدة أشهر.
وقعت «فادية» مغشياً عليها من هول الصدمة، حاولت الاتصال بحبيبها لكنها لم تجده بجانبها. فعلت المستحيل حتى توقف تلك الزيجة لكن رغبة أبيها حسمت الأمر، واتفقا على أن تكون هناك فترة خطبة أولاً، ثم يعقبها الزفاف في غضون عدة أشهر. كانت «فادية» في قمة الحزن. الدموع تسكن عينيها. تمنت الموت على أن يتم زفافها إلى هذا الشخص الذي لم تشعر تجاهه بأية مشاعر. كانت تشعر وكأنه نار تشتعل في جسدها. شعرت بأنها ستزف إلى الآخرة. كان الحزن يملأ وجهها، جلست إلى جوار خطيبها، لاحظ الجميع أنها غير سعيدة، كانت تفكر في الزواج وتري فيه قفصاً حديدياً آخر.
وعندما وصلت الحياة بينها وبين خطيبها لطريق مسدود طلبت فسخ الخطبة، ولكنه رفض، وعندما أخبرت والدها برغبتها انتابته ثورة عارمة، وانهال عليها سباً وشتماً، ورفض هذا الأمر خاصة وأن العريس جاهز، ولا تشوبه من وجهة نظره أي شائبة؛ لذا فكرت «فادية» في ترك منزل أسرتها بعد أن استولت على الكثير من الأموال، والمشغولات الذهبية الخاصة بوالدتها، ثم تركت لأسرتها رسالة تفيد بأنها لن تعود مرة أخرى.
اعتبرت «فادية» أن موضوع فسخ الخطبة هذا لن يغير من الأمر شيئاً، فمادامت هي لا تريد الحياة مع هذا الرجل فهذا كفيل بإنهاء العلاقة الشكلية بينهما، وفي لحظة قررت الاتصال بحبيبها حتى ينقذها من هذه الزيجة، وبالفعل قامت بالاتصال، وقصت له مأساتها. حاول تهدئتها، لكنها لم تحتمل واصلت البكاء وأخبرته بأنها في أزمة، وفي النهاية سألته عن المكان المتواجد فيه حتى تذهب إليه، ولكن حدث منه ما لم تتوقعه! تهرب منها حبيبها وأخبرها بأنه غير مستعد في الوقت الحالي لأي شيء.
الهروب
لم يكن أمام «فادية» أي مفر سوى الهرب من المنزل، انتهزت فرصة خروج أسرتها من المنزل لشراء بعض المستلزمات فلملمت ملابسها، وحزمت حقائبها، وتوجهت لموقف سيارة الأجرة، واستقلت سيارة ميكروباص متجهة للقاهرة، جلست «فادية» في المقعد الأمامي بجوار السائق، وطوال الطريق ودموعها لم تفارقها مما دفع سائق الميكروباص لسؤالها عن سبب دموعها فحكت له حكايتها، وعلم من خلال حديثها معه أنها بدون مأوى، ولا تعلم أين ستقضي ليلتها، فعرض عليها سائق الميكروباص أن تبيت ليلتها بمنزله حتى الصباح، وبعدها تقرر ماذا تفعل!
لم يكن أمام «فادية» أي مجال للاختيار، فوافقت على هذا العرض، واعتبرته طوق النجاة بالنسبة لها، ولم تكن تعلم أنها بداية النهاية، وأن هذا السائق ما هو إلا مجرم خطير حول حياتها إلى جحيم!
تجارة المخدرات
طالت إقامة «فادية» لدى هذا السائق لفترة تجاوزت الشهر، وخلال هذا الشهر أنفق خلالها ببذخ حتى جاء الوقت الذي بدأ يطلب منها المقابل، وهو أن تساعده في تجارته المحرمة -وهي المخدرات- وكانت هذه هي بداية انحراف «فادية» فلم تكتف بمساعدة صديقها السائق فقط، ولكن أدمنت تعاطي بعض السموم، وألقي القبض عليها في عدة قضايا ما بين تعاطٍ وإتجار. كرهت حياتها، وبدأت تفكر في طريق آخر حتى جاءت لها الفرصة المناسبة على طبق من ذهب عندما ألقي القبض على سائق الميكروباص بتهمة الإتجار في المخدرات. لأيام قليلة كانت تراودها فكرة العودة إلى بيت أسرتها لكنها قررت مواصلة رحلة هروبها.
شكل جديد
واتتها هذه الفكرة المجنونة، وهي تغيير شكلها، وتغير مسار حياتها كله. ارتدت أفضل الثياب، جعلت أناقتها تتحدث عنها، ذهبت إلى مصلحة الأحوال المدنية؛ لكي تستخرج بطاقة رقم قومي جديدة، ولكن ليس باسمها الحقيقي وإنما باسم وصفة جديدين. وبكل ثقة ادعت أنها طبيبة، وظنت أنها بهذه الطريقة تكون قد نجحت في الهرب من ماضيها.
على الجانب الآخر اكتشف الموظف المسؤول عن استخراج البطاقات أن هذه الفتاة سبق وأن استخرجت بطاقة من قبل.
على الفور تم إبلاغ اللواء مساعد الوزير لقطاع مصلحة الأحوال المدنية، واللواء مدير المباحث، وتم تشكيل فريق بحث، وتبين من التحريات أن المتهمة لجأت إلى هذه الحيلة؛ ظناً منها أنها ستبدأ صفحة جديدة من حياتها، وتتخلص من ماضيها، وصدرت التعليمات بالقبض عليها وفي الزمان المحدد، وأثناء ذهاب «فادية» لاستلام بطاقتها الجديدة وجدت في انتظارها رجال المباحث يلقون القبض عليها بتهمة التزوير للهروب من أحكام سابقة، وبمواجهتها اعترفت بكل جرائمها، وأوضحت أنها كانت تنوي أن تبدأ حياتها من جديد، وتتخلص من كل ماضيها الأسود. تم تحرير محضر بالواقعة، وأحيلت المتهمة للنيابة التي أمرت بحبسها على ذمة التحقيقات.