بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، نتوقف عند مجموعة من رائدات العمل السينمائى الذي سيظل عالقاً بهن على مدى الزمان؛ حيث شهد الفن عقب خروج المرأة المصرية فى ثورة 1919، ثورة فنية موازية للثورة السياسية والاجتماعية، يقول الناقد السينمائي خالد محمود: هن رائدات السينما المصرية والعربية؛ فلم تكن كل واحدة منهن مجرد فنانة؛ بل كن صانعات لشكل السينما العربية في مهدها.
رائدات راحلات
ـ عزيزة أمير
سيظل اسم عزيزة أمير مقترناً بتاريخ السينما كمؤسسة ورائدة لهذه الصناعة؛ فقد كانت أول سيدة مصرية تجرأت على اقتحام ميدان الإنتاج السينمائى، بأول فيلم روائي طويل صامت من تمثيلها بعنوان: « ليلى» عام 1927، إخراج إستفان روستي، بعد مجموعة كبيرة من الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية والدعائية، التي قدمها مجموعة من هواة وعشاق السينما، وقام ببطولة فيلم «ليلى» أحمد الشريعي، بَمبة كَشّر، وأحمد جلال، وفي ليلة حفل الافتتاح التي حضرها مجموعة كبيرة من رجال السياسة والفكر والأدب والغناء والتمثيل، قال لها الشاعر أحمد شوقي، وكذلك الاقتصادي الكبير طلعب حرب، واللذان حضرا حفل الافتتاح: «لقد صنعتِ يا سيدتي ما يعجز عن صنعه الرجال»! وبعد النجاح الكبير الذي حققه هذا الفيلم، أنشأت شركة إنتاج بعنوان «إيزيس فيلم»، وكررت تجربة الإنتاج والتمثيل في العديد من الأفلام الصامتة والناطقة؛ حتى وصل عدد أفلامها إلى 25 فيلماً سينمائياً، ويحسب لها أنها كانت أول منتجة تنتج فيلمين عن مأساة فلسطين هما: «فتاة من فلسطين» عام 1948، «نادية» عام 1949.
القيمة الحقيقية لهذه الرائدة هي في مقدرتها الفنية وخبرتها في الإنتاج والتأليف والتمثيل؛ فقد قامت بتأليف أفلام «كفّري عن خطيئتك»، و«الورشة» و«ليلة الفرح»، و« فتاة من فلسطين»، وكانت أول مخرجة في السينما المصرية؛ حيث أخرجت فيلمها «كفّري عن خطيئتك»، وكان أملها في الحياة ككل سيدة، أن تصبح أماً، لكنها رحلت عام 1952 من دون أن تنجب، وكانت تعزّي نفسها دائماً وتقول: «إنني أنجبت بنتاً واحدة اسمها السينما المصرية».
ـ آسيا داغر
في فيلم "ليلى" الذي أنتجته عزيزة أمير، كانت هناك فتاة لم تتجاوز الـ12 عاماً، تلعب دوراً صغيراً، باسم "مرب"، وكأن القدر كان قد قرر أن تولد من رحم أم السينما العربية أمّ جديدة، تصغرها سناً، لكنها لا تقل عنها فناً.. هذه الفتاة استمرت لما يقرب من نصف القرن واحدةً من أهم منتِجات ومنتجي السينما في مصر، إن لم تكن هي الأهم، هي آسيا داغر، اللبنانية، المولودة عام 1912، بقرية تنورين، في أسرة ميسورة، جاءت إلى القاهرة وهي في الثانية عشرة من عمرها، بعد أن نالت قسطاً من التعليم في بلدها؛ لتبدأ بدأب في متابعة ومشاهدة كل ما كان يُعرض في دور السينما، الصامتة وقتها؛ حتى قدمت دوراً في فيلم "ليلى"، وبعدها أسست شركة "لوتس فيلم" للإنتاج السينمائي، التي قدمت عشرات الروائع السينمائية.
آسيا اللبنانية التي حصلت على الجنسية المصرية، كانت تهتم بالتاريخ العربي، ولذلك فهي منتجة الروائع التاريخية بلا منافس؛ بل هي رائدة هذا النوع من الإنتاج؛ فهي التي صنعت "شجرة الدر" عام 1935، وبعدها أنتجت سلسلة هامة من تلك الأفلام، منها: أمير الانتقام، رُد قلبي، والناصر صلاح الدين.. لم يكن يعنيها المكسب والخسارة بقدر القيمة؛ فقد أنفقت 200 ألف جنيه مصري على فيلم "الناصر صلاح الدين"، وهو رقم ضخم جداً بمقاييس فترة إنتاجه، في بداية ستينيات القرن العشرين، وبسببه رهنت أملاكها، وتم الحجز على أثاث بيتها؛ لأن الفيلم لم يربح تجارياً ليغطي نفقات إنتاجه.
ـ ماري كويني
كانت تصغر خالتها آسيا داغر بعام واحد؛ فهي من مواليد عام 1913، وجاءت معها من لبنان إلى مصر في بداية عشرينيات القرن العشرين، شاركت فى فيلم "غادة الصحراء" عام 1929، بعده شاركت آسيا والمخرج أحمد جلال في شركة الإنتاج، إلى أن انهار التحالف الثلاثي؛ فشكلت مع جلال زوجها شركة سينمائية، ثم أسسا "ستوديو جلال"، لكن المرض أتى على زوجها فتعاونت من بعده مع عباس كامل في فيلم "كنت ملاكاً"، ثم اتجهت للإنتاج بمفردها.
بعد ذلك هجرت التمثيل وتفرغت للإنتاج فقط، وفي عام 1958 أنشأت أول معمل أفلام سكوب في مصر، وفي عام 1963 تقوقعت السينما بإجراءات التأميم التي قامت بها ثورة 23 يوليو؛ فأممت الأستديوهات، ومن بينها "ستوديو جلال" الذي تملكه، ومع ذلك أكملت ماري رحلتها؛ فتعاونت مع الحكومة في إنتاج أفلام، ثم عادت تعمل بمفردها عام 1972 في أول فيلم لابنها المخرج نادر جلال، وهو "غداً يعود الحب"، لتتلوه بسبعة أفلام أخرى، ثم ابتعدت عن الأضواء لترحل عن عالمنا في نوفمبر عام 2003.
ـ فاطمة رشدي
هي من رائدات المسرح والسينما، وذاعت شهرتها حتى لُقّبت بـ"سارة برنار الشرق"، الشهرة الأكبر لفاطمة رشدي كانت في المسرح؛ فقد كوّنت فرقة مسرحية باسمها قدّمت أكثر من 200 مسرحية، إلا أنها كانت من أمهات السينما أيضاً؛ فقد شاركت في 16 فيلماً، بدأتها ببطولة فيلم "فاجعة فوق الهرم" عام 1928، في عهد السينما الصامتة، وكذلك كانت بطلة فيلم "العزيمة" عام 1939، الذي صُنف ضمن أفضل 100 فيلم مصري خلال القرن العشرين.
ـ بهيجة حافظ
تنتمي إلى مدرسة الفن المتعدد المواهب، أو الشامل إن جاز التعبير؛ فهي ممثلة ومنتجة ومؤلفة موسيقى، وكاتبة ومخرجة، هي من مواليد الإسكندرية لعائلة أرستقراطية، والدها هو إسماعيل باشا حافظ، ناظر الخاصة السلطانية في عهد السلطان حسين كامل بهاء الدين، وابن خالتها هو إسماعيل صدقي الذي تولى منصب رئيس وزراء مصر، حصلت على دبلوم في التأليف الموسيقي من معهد كونسرفتوار باريس، وألّفت الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام التي شاركت بها، منها: الضحايا، الاتهام، ليلى بنت الصحراء، ليلى البدوية، سلوى، زهرة السوق، والسيد البدوي.. كما أسست أول نقابة للمهن الموسيقية في عام 1937.
تعتبر من الرائدات في عالم التمثيل والإنتاج في السينما، وهي من طليعة الوجوه النسائية التي ظهرت على شاشة السينما المصرية، أول فيلم مثلته كان "زينب"، بعد نجاحها فيه أسست شركة "منار فيلم" مع زوجها، وأنتجت عدة أفلام، منها: "الضحايا"، الذي شاركت في إخراجه، كما أخرجت "ليلى بنت الصحراء"، الذي شاركت كذلك في كتابة السيناريو له.
* رائدات معاصرات
المخرجة السعودية هيفاء المنصور
هي مخرجة سينمائية سعودية رائدة في صناعة السينما.. هناك تُعالج في أفلامها قضايا المرأة والتقاليد داخل المُجتمع السعودي، هيفاء من مواليد الأحساء وأصولها من الزلفي في نجد، والدها هو الشاعر السعودي والمفكر السعودي عبدالرحمن المنصور، درست الأدب الإنجليزي المُقارن في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وتخرجت عام 1997، وأنهت درجة الماجستير في الفيلم والنقد السينمائي من جامعة سيدني عام 2009.. صوّرت أول فيلم طويل لها سنة 2012، ويحمل عُنوان وجدة، ويُعد هذا الفيلم أول فيلم يتم تصويره داخل المملكة العربية السعودية وبالضبط في العاصمة الرياض، وكذلك أول فيلم يُمثل السعودية في سباق الأوسكار، وذلك في صنف جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية.
المخرجة المصرية إيناس عبدالمنعم الدغيدي
التي تخرجت في المعهد العالي للسينما بالقاهرة العام 1975.. أخرجت فيلمها الأول (عفواً أيها القانون) في العام 1985، وتعتبر أول امرأة تُخرج أفلاماً روائية طويلة في مصر، أخرجت 16 فيلماً روائياً طويلاً.
اقتحمت مجال الإنتاج السينمائي من خلال شركة "فايف ستارز"؛ حيث أنتجت 7 أفلام روائية وهي: إستاكوزا - دانتيلا- الوردة الحمراء - كلام الليل - الحكاية دول حكاية مع المخرج أحمد السبعاوي، الذي قام باستبدال المخرجة إيناس الدغيدي به - مذكرات مراهقة - الباحثات عن الحرية - ما تيجي نرقص، وجميعها من إخراج إيناس الدغيدي، ولاقت بعض أفلامها جدلاً حاداً من البعض بدعوى الموضوعات أو المشاهد.