لم تبتعد المرأة عن مسارات حرية التعبير، فالتقطت خلال القرن العشرين طرف الخيط؛ لتنطلق وتصنع تاريخاً معاصراً مليئاً بالنجاح والإنجازات، وقد نجحت في أن تثبت للجميع أنها ليست كائناً ناقصاً وأنها قادرة على القيام بكل المهمات تماماً كأي رجل، فهي في النهاية إنسان قادر على التفكير وتحمل الصعاب، ومن بين المجالات التي نجحت فيها النساء مجال الصحافة والإعلام، حيث أدركت القائمات على الحركات النسائية دور الإعلام في التوعية والتثقيف، ورأين في ذلك الوقت أن المرأة بحاجة إلى صحافة متخصصة تخاطبها وتلبي احتياجاتها وتساعدها في معرفة حقوقها السياسية والاجتماعية، وكانت هناك رائدات وفق كتاب صدر عن دار بنت النيل للنشر تحت عنوان "تاريخ المرأة المصرية من الفراعنة إلى اليوم"، في هذا المجال الهام ساهمن في خلق الوعي وخدمة المجتمع وتثقيفه، بل إن بعضهن أنشأ مجلات أُطلقت بأسمائهن أو بأسماء أنثوية تتحدث عنهن.
*مجلات بأسماء نسائية
-حواء الجديدة بعد الثورة
انطلقت المجلة في العام 1954 وتعتبر أطول المجلات النسائية عمراً في تاريخ الصحافة المصرية، واستهدفت المجلة مخاطبة المرأة والرجل معاً باعتبار أن الحياة شركة بينهما، كما غطت الاهتمامات المتعددة للمرأة. وأسندت رئاسة تحريرها إلى الصحفية أمينة السعيد، والتي لقبها أهل الصحافة بـ”عميدة صحافة المرأة”، وبدأت المجلة شهرية في 1954 ثم تحولت إلى أسبوعية بداية من أبريل 1957، ومن أشهر عواميدها الصحفية؛ عامود للدكتورة لطفية الزيات، والكاتبة اَمال فهمي بعنوان “ذكريات اَمال فهمي”.
واعتبرت “حواء الجديدة” نقلة نوعية في الصحافة المتخصصة، وتميزت بعامودين متقابلين باسم آدم والثاني باسم حواء تقدم من خلاله مناظرة بين المرأة والرجل في كل المشاكل الاجتماعية وكل مشاكل العلاقات.
-روزاليوسف
احتفاء دار النشر روزاليوسف بمرور 79 عاماً على صدور مجلتها التي انطلقت على يد روز اليوسف في 1925، أصدرت بهذه المناسبة كتاباً تحت عنوان "مائة عام إلا قليلاً" يسرد تاريخ المجلة التي قامت بإنشائها روز اليوسف أو فاطمة اليوسف، الممثلة اللبنانية من أصل تركي. أحد أشهر أسماء الفن والصحافة والسياسة في النصف الأول من القرن العشرين بمصر، ووالدة الأديب المصري إحسان عبد القدوس. عملت كممثلة مسرحية مع فرق عزيز عيد وأمين الريحاني وجورج أبيض ويوسف وهبي وطلعت حرب. من أبرز أدوارها المسرحية بطولة أوبريت، من ألحان سيد درويش. ويعتبر اسم روزاليوسف علماً ومعلماً في مجال الصحافة عموماً، وتعتبر هذه المجلة، مدرسة صحفية أخرجت كبار المفكرين والمبدعين في مصر، ولم تكن روزاليوسف إنجازها الوحيد، فأصدرت مجلات أخرى منها “الرقيب”، و”صدى الحق”، و”الشرق الأدنى”، و”مصر حرة”، ومجلة “صباح الخير” عام 1956، وهكذا كانت قائدة لجيل من الكتاب والصحفيين في مصر.
*رائدات الصحافة
تحدث كتاب "حكاية الصحافة المصرية " للناشطة الحقوقية الدكتورة عواطف عبدالرحمن نعن حياة عدد من رواد الصحافة في مصر أو ( الجورنالجية) بالمفهوم التاريخي،الذين حملوا أمانة نشر العلم والحق وتحرير الصحف في وقت كانت تعمّ فيه الأمية ويسود في القهر السياسي والظلم الاجتماعي،وضمنهم العديد من الرائدات اللاتي ساهمن في إثراء بلاط صاحبة الجلالة أبرزهن:
-أمينة السعيد
الراحلة والرائدة أمينة السعيد، التي أدركت مبكراً حبها للعمل الصحفي الذي اشتغلت فيه بالفعل أثناء دراستها في جامعة فؤاد الأول، لتصبح أول فتاة تمارس العمل الصحفي، وعملت في أكثر من مجلة منها: “الأمل”، ثم “كوكب الشرق” و”آخر ساعة” و”المصور”.وقد تولت السعيد رئاسة تحرير مجلتي “حواء” و”المصور”، ورئاسة مجلس إدارة دار الهلال، وأصبحت عضواً في مجلس الشورى، وكانت أول صحفية تُنتخب في عضوية مجلس نقابة الصحفيين لمدة ثلاث دورات منذ عام 1954 حتى عام 1964، وتولت منصب السكرتيرة العامة للاتحاد النسائي.
الرائدة جميلة حافظ
التي نالت من التعليم القدر الوافي الذي جعلها تتابع الحركات الفكرية، والتعليمية، والصحفية، والنسوية أيضاً، فاتخذت من حركة نبوية موسى نهجاً سارت عليه، فحينما دعت نبوية لحقوق المرأة في العمل والتعليم، وكانت أول مصرية تحصل على درجة البكالوريا، ظهرت الأخيرة، وهي تقود وتنشئ أول مجلة نسائية في مصر، لتدعو لتحرر السيدات وحرياتهن. لم يقف أمامها عقبة " مع أن أغلب السيدات أميات في حينها"، وأنها قد تقود معركة خاسرة، فكيف لها أن تصدر مجلة لسيدات لا يستطعن حتى قراءة عنوانها، ولكن إيمانها بنشر الوعي بين السيدات كان طريقاً مضيئاً وضعت قدميها في بدايته، واستكملته للنهاية. وقد حصدت نتيجة عملها عام 1907، وتحديداً في يوم 27 فبراير، الذي شهد صدور العدد الأول من مجلة "الريحانة"، وهي أول مجلة نسائية ترأستها امرأة مصرية، فكانت تُحاكي الشق الأدبي، والروائي والنسائي. وتوقفت المجلة لفترة من الزمن لعدة أسباب إلى أن عادت من جديد، بعدما تحولت إلى جريدة نصفية تصدر مرتين بالشهر، وذلك في 20 مارس عام 1908.
جليلة تمرهان
تعد أول كاتبة صحفية في العالم العربي، فقد تخرجت في مدرسة المولدات التي أنشأها محمد علي، وبدأت في كتابة مقالات متخصصة في مجلة «يعسوب الطب» وكان ذلك عام 1865م، كما شاركت في تأسيس نقابة الصحفيين عام 1941.
سعاد منسي
أول امرأة مصرية تُنشئ وكالة أنباء في الخمسينيات “وكالة الصحافة العربية”، وعندما تشكلت لجنة وضع الدستور المصري الجديد عام 1954 احتجت درية شفيق على عدم تمثيل المرأة في اللجنة، وأضربت عن الطعام وساندتها سعاد منسي بمقر النقابة لمدة عشرة أيام حتى أرسل لهم اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية، ويؤكد لها حرص الدستور على إعطاء المرأة حقوقها السياسية.
-سهير القلماوي
أظهر كتاب "صحفيات ثائرات" للكاتب إسماعيل إبراهيم الذي عمل بمؤسسة الاهرام أظهر دور الدكتورة سهير القلماوي، التي كانت أول فتاة تلتحق بجامعة فؤاد الأول، وتحديداً قسم اللغة العربية بكلية الآداب، والذي كان يرأسه طه حسين، الذي تبنى كفاءتها لتصبح محرراً مساعداً في مجلة الجامعة، ورئيس تحرير المجلة، ومن هنا كانت خطوتها الأولى إلى الصحافة. بعدها بدأت تكتب في مجلات “الرسالة”، و”الثقافة”، و”أبولو” وهي في السنة الثالثة من دراستها الجامعية، وحصلت على ليسانس قسم اللغة العربية واللغات الشرقية عام 1933.
وتولت منصب أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب عام 1956، ثم منصب رئيس قسم اللغة العربية 1958، كما تولت الإشراف على دار الكتاب العربي، وأسهمت في إقامة أول معرض دولي للكتاب بالقاهرة عام 1969.
منيرة ثابت
ومن نفس كتاب الاعلامي اسماعيل ابراهيم قال :ان منيرة ثابت أصبحت أول مصرية تنال درجة في الحقوق. وكانت أيضاً من أوائل من دعا لمنح المرأة المصرية حقوقها كمرشحة وناخبة، فأغضبها خلو دستور 1923 من أي نصوص حول المشاركة الانتخابية للمرأة، كما هالها غياب المرأة عن افتتاح البرلمان المصري الأول في مارس 1924 دون حضور نسائي، وذلك وفقاً لما تسرده بالتفاصيل في كتاب مذكراتها: «ثورة في البرج العاجي: مذكراتي في عشرين عاماً».
وسجلت بالأهرام تحت عنوان "خواطر ثائرة" تحت عنوان «النساء والسياسة»، «النساء وحفلة البرلمان». واعترضت فيهما على عدم دعوة نساء مصر للمشاركة في افتتاح البرلمان الأول عام 1924. وقد تمت الاستجابة لمطالب منيرة ثابت في «الأهرام»، وتجددت علاقة منيرة ثابت لاحقاً بالأهرام، إذ وجه لها أنطوان جميل، رئيس تحرير الصحيفة وقتها، دعوة للكتابة على صفحاتها.
-عائشة عبدالرحمن
ومن ثاني الأقلام الرائدة صاحبة الباع الطويل في الكتابة بصفحات «الأهرام»، كانت عائشة عبدالرحمن، «بنت الشاطئ». فقد بدأت الكتابة في الأهرام عام 1936 وحتى نهاية عمرها، وقد بدأت كتابتها حول أحوال المجتمع المصري، قبل أن تعد سلسلتها الشهيرة «شاهدة على العصر»، و«أحاديث رمضان»، والتي تناولت فيها الكثير من قضايا الفكر الديني. ومن منبر الأهرام، قدمت عائشة عبدالرحمن حوالي 40 مؤلفاً للمكتبة المصرية والعربية.
أما نوال مدكور والتي كانت من المعاصرين لانطلاق جريدة الجمهورية، فنجحت في الفوز بعضوية مجلس نقابة الصحفيين عام 1968.
وانتُخبت فاطمة سعيد لعضوية مجلس نقابة الصحفيين من 73 وحتى 1981، وكان مجلس نقابة (75 وحتى 1979) هو أول مجلس يضم ثلاث صحفيات هن بهيرة مختار، وفاطمة سعيد، وأمينة شفيق.