في ريشة تمتزج فيها جميع تدرجات الألوان النارية، لتبدع حفلة خاصة على لوحة «الكانفاس»، بطلاتها شخصيات نسائية لعبن أدواراً وقصصاً بين المكان والزمان رسمت الفنانة التشكيلية البلجيكية من أصول تونسية سناء هيشري لوحاتها على شكل رسائل فنية، مُحمّلة بالأمل والتفاؤل لتبقى في ذاكرة التاريخ، تحكي تاريخ نساء من العالم ناضلن من أجل النهوض بمجتمعاتهن.
الإبداع أنثى
مزجت سناء، باحثة وأستاذة فنون جميلة، خريجة معهد الملكي للفنون الجميلة ببروكسل وخريجة معهد، "Paul académique" للعلاج بالفن، بين الفن التشكيلي والتّاريخ بطريقة حديثة بعيدة عن المألوف، وفتحتُ كتاب الماضي والحاضر، لتعكس عبر ريشتها، قُدرات المرأة العظيمة في نشر الثّقافة وتقدّم المجتمع وتطوّره، لكن لماذا ارتبطت ريشتها بالأنثى؟ عن هذا تقول سناء: "الفن هو جمال أُنثى وتاريخ أُنثى، وعبقريّة أُنثى، وقوّة الأُنثى التي هي مُلهمة الشعراء والفنانين والمبدعين، أضعها في دائرة الضوء، فالإبداع لا يصل للقمّة إلا إذا اقترن بالأُنثى، حتى القادة والعلماء ومُغيرو التّاريخ كان بجانبهم أمهات وزوجات عظيمات رسمتها في لوحات تتغنى بقوّة المرأة وأناقتها ونُفوذها".
تعرّفي إلى المزيد: آرت دبي جسر التواصل بين التشفير الرقمي وعالم الفن
لماذا المرأة؟
لم يكن للمرأة الحقّ في التّعبير عن رأيها ولا حتى في الكلام؛ لهذا أحبت سناء أن تلقي ضوءاً فريداً عَلى تلك المرأة المُناضلة، الشّامخة والمُتربّعة عَلى عرش التّميّز والفرادة، تتابع قائلة: "هي السعودية والمتفردة التونسيّة، واللّبنانيّة، هي السيّدة المصريّة، هي السوريّة، هي المغربيّة، هي الجزائريّة، هي الشيخة الإماراتية، هي الأوربية والأفريقية. هي أساس كل المجتمع بعزيمتها ونجاحاتها الباهرة والمُتميّزة. وأنشر رسائلي الفنية للعالم كوني فخورة بحكمتها وذكائها. نعم نحنُ النساء قُطْب الأقْطاب".
ألوان الطاقة والنار
في ألوان، مليئة بالعمق، والضوء والظلال، وعن كيف تشكلت هذه القراءة ثلاثية لتحكي قصص المناضلات عبر التاريخ، تقول سناء: "الألوان جميلة فقط عندما تعني لنا شيئاً، رسمتُ شخصيّات نسائيّة صنعتْ التاريخ وغيّرت المستقبل، هي بصْمة خالدة، أعماقها تُخفي أسراراً وحياة وحضارة كعمق الصّحراء التي تمتدّ أمامنا بغموض؛ لكنها تكشف عن الطاقة والنجاح والمثابرة والصمود، وقد وظّفتُ مجموعة من الألوان، واخترتُها بناءً عَلى تشابه النّغمات في خدمة التعبير عن المرأة التي هي الأساس، فهي تلد وتبني أجيالاً ترتفع وترقى بها، حيث إن اللون الأصفر والأحمر والبرتقالي من أكثر الألوان التي استعملتها في لوحاتي؛ لتُبرز لنا مدى إشراق هذه المرأة وقوّة إرادتها".
تعرّفي إلى المزيد: آرت دبي 2022 يعزز مكانة دبي الثقافية إقليمياً وعالمياً
نظراتها مرآة تعكس الروح
تركز الفنانة التشكيلية سناء على نظرات العين، في شخصيات لوحاتها، وهي برأيها مرآة تعكس الروح ومسرح من الألوان تتلاعب على لوحة الكانفاس بطولتها المرأة المناضلة، تتابع سناء: "نظراتها البرّاقة تكشف أسرار كل شخصية بقوتها، مثلاً هناك لوحة تحمل عنوان: "شُموخ امرأة"، دمجتُ فيها على سطح "الكانفاس" المرأة بالنمر، تجسيداً لقوة الشخصية. فنقشة النّمر تُظهر مدى سلطة ونفوذ وأناقة المرأة. كانت اللوحة رسالة منّي لهذه الأُنوثة، تُخاطب روحها بأُسلوبي الخاص بطريقة فيها نوع من الغموض، مغايرة تماماً عن الأعمال الكلاسيكيّة، لها طابع حداثي، فريد ومميز بتقنيات عالية وخامات متعدّدة"!
من النساء اللاتي لازلت ترغبين برسمها وتجسيد نضالها؟
من المستحيل حصر جميع النساء العظيمات والمُناضلات واللاتي أثرن في حياة العالم، فكان تحدياً كبيراً لي في اختيار هؤلاء النساء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، لكن في ذهني أن تكون أنثى معرض لوحاتي القادمة المرأة السعودية، والتي أريد نقل صورتها بألوان ريشتي في نظرة مستقبلية إلى رؤية 2030 من خلال رسم شخصيات عدة. أراقب مسيرة نجاحهن المهنية.
لوحات لمناضلات بالألوان
رسمت سناء بريشة ألوانها النارية، 15 لوحة فنية لنساء غيّرن في صفحات التاريخ، ومنهن:
"أُنثى تُغيّر تاريخ الغد!"
هي زنوبيا ملكة ملكات الشرق والتي اخترقت فضاء الفقهاء، هي المرأة التي اقتحمت المجال الذكوريّ والحقل السياسي، فحاربت وناضلت وحرّكت السّواكن في عصرها.
"من عمق التاريخ"
هي لوحة للسيدة الصنهاجيّة أم ملال ملكة تونس، المرأة المسلمة الوحيدة التي حكمت أفريقية، نشأت أميرة وشاعرة وزعيمة، وعرفت بأدبها وعلمها وحكمتها وذكائها، وقد وظفتُ اللون الأصفر والبنفسجي في خدمة التعبير عن المرأة المناضلة التي ليست ككل النساء".
"ألكسندرا فكتوريا"
ملكة المملكة المتّحدة التي جسدت روح المرأة الحالمة بالحرية والمعرفة، ناضلت من أجل توسّع المملكة، بعد القضاء عَلى الفقر، تتابع سناء: "أنا لا أرسم أشكالاً وخطوطاً وألواناً فقط، بل أرسم حكايات تنقلني إلى صفحات التّاريخ، في مسرح من الألوان والخامات والتقنيات تتلاعب على لوحة بالألوان بطلتها الملكة الأنثى ألكسندرا التي وضعت فيها مع طاقتي وقوانيني الخاصة".
"أندروميدا السوداء"
هي أميرة من أثيوبيا، عرضتها هوليوود في فيلم "صراع الجبابرة "، وقدمتها على أنها امرأة بيضاء! لدرجة أن الناس اعتقدوا أن شخصية أندروميدا الحقيقية بيضاء. اللوحة تكشف جدالاً حول لون بشرة أندروميدا؛ وهو أمر يبدو عنصرياً. رأي سناء.
الكونتيسة إميليا بلاتر
هي بطلة وطنية بولندية، مثال للمرأة المستقلة المُناضلة، أنشأت كتيبتها الخاصة للقتال في انتفاضة نوفمبر في بولندا، وأصبحت ضابطاً لشرطة المشاة في رتبة قائد، تستدرك سناء: "استهوتني قوّتها وحكمتها فرسمت هذه السيدة النبيلة، قطعة فنية تنطق بروح قائدة ومُناضلة، ممزوجة بألواني الساخنة، الأحمر والبرتقالي مزيج مُميّز يحمل الطاقة والقوة"!
"باحثة البادية"
"ملك حفني ناصف"، أديبة ومثقفة ومُناضلة مصرية وداعية لتحرير المرأة، رسمتها سناء بتشكيلة ثريّة بالألوان لتمثيل الأفكار العميقة لتتفجّر وتخوض مغامرة كبرى تخلصها من أثْقال الزّمن.
تعلّق سناء: "لوحاتي ليست فقط وسيلة لإبراز قوة المرأة ونضالها، بل أشتغل خاصّة على النّاحية النّفسيّة لأنشر في النّفوس طاقة إيجابيّة من خلال ألواني ورسائلي وأثري المحتوى الثقافي".
"علّيسة بين الماضي وغموض الحاضر"
علّيسة ديدون خطفت عقلي وروحي بدهائها وقوّتها، هي المرأة العاشقة، مؤسّسة قرطاج وملكتها المغامرة بين الماضي والحاضر، علّيسة غيّرت بوصلة الحياة، تحت مجهر الفنّ التشكيلي الذي هو ذاكرة الشعوب، وهو ما يبقى بعد أن تسقط الحضارات ! أرسمها وهي تنظر باستغراب لما يحدث في العالم، وتتأمّل بدهشة المشهد اليومي الذي نعيشه في هذا الزمن، وغموض الحاضر من غيوم سوداء جلبها الوباء على شكل لوحة تحكي تاريخ الماضي والحاضر!
