حين تصدى المؤلف والسيناريست محمد سليمان عبد الملك، لدراما المسلسل الإذاعي "راجعين يا هوى" للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، مقرراً تحويله إلى دراما مرئية عبر الشاشة الصغيرة، من خلال مسلسل تلفزيوني يحمل الاسم ذاته، كان يعلم بلا شك بأنه أمام تحدٍ كبير؛ نظراً للخصوصية الشديدة التي تتميز بها دراما وشخصيات"رائد السيناريو العربي" أسامة أنور عكاشة.
"راجعين يا هوى"، عمل درامي اجتماعي من الطراز الأول، يحلل الشخصية المصرية والمجتمع المصري وما طرأ عليهما من تغيرات في السنوات الأخيرة، من خلال شخصية "بليغ أبو الهنا" (خالد النبوي) العائد من الغربة لاستعادة ميراثه لحل أزمته المادية، ليجد العائلة وبيت العائلة وجدرانها انقسموا الى قسمين، صُنعا من خيوط الكراهية دون اعتبار لقيم الأسرة الواحدة، ليقرر بعد ذلك البقاء من أجل لم شمل عائلته التي حل بها العديد من المشاكل.
العمل يحلل بشكل غير مباشر القيم الإنسانية والروابط الأسرية التي أصبحت مهددة بالانقراض في زمن المادة، وعصر العلاقات الإلكترونية الخالية من الروح والعاطفة.
و"راجعين يا هوى" جملة ألفتها أذن المستمع العربي، فهي غير غريبة عن أغلب متابعي الفنون، إذ ترتبط بالفنانة اللبنانية فيروز، التي غنت في العام 1974 «راجعين يا هوى» لتكون واحدة من أجمل أغانيها وأكثرها خلوداً، وهي من كلمات وألحان الأخوين عاصي ومنصور الرحباني.
مسلسل "راجعين يا هوى" قصة الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة وإخراج محمد سلامة، معالجة وسيناريو وحوار محمد سليمان عبدالملك، وبطولة كوكبة من النجوم بجانب النجم خالد النبوي، منهم الفنانة اللبنانية نور، وهنا شيحة، وأنوشكا، ووفاء عامر، وإسلام إبراهيم، ونور خالد النبوي والفنان القدير أحمد بدير.
العمل لا يخلو بالطبع من الرومانسية ومن الكوميديا الخفيفة المحببة إلى النفس دونما افتعال أو ابتذال، فنجد قلب "بليغ" (خالد النبوي) حائر بين حبه القديم "فريدة" (هنا شيحة) وبين حب "الدكتورة ماجي" (نور).
ديكورات وأماكن تصوير مسلسل "راجعين يا هوى" اتسمت بالروعة والرقي هي الأخرى، وخاصةً مشاهد بيت "جابر أبو الهنا" (أحمد بدير) والتي تم تصويرها داخل "بيت السحيمي" الأثري في مصر، والذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1648م، وهو موجود في حارة الدرب الأصفر بجوار شارع المعز في القاهرة، وهو مثال هام وتوثيق حي للمعمار المصري القديم.
تتر مسلسل "راجعين يا هوى" اعتبره الكثيرون هو الأجمل في رمضان بلا منازع، حيث زيَّن صوت النجم مدحت صالح تتر المسلسل الذي كتبه الشاعر تامر حسين ولحنه الموسيقار عزيز الشافعي، وهو تجسيد حي لفكرة الحنين إلى الماضي، والحنين إلى البيت ودفء العائلة: (حنيت للبيت ولحضن البيت، ده أنا رحت وجيت استكفيت، زيكو ما لقيت، أنا راجع مشتاق للّمة، للعيلة، للحضن الدافي، أصحابي حبايبي فين هما، كان بعدكو حمل على كتافي، والله أجمل منكو ما في).
"راجعين يا هوى" عمل درامي احترم المشاهد، فأحبه المشاهد واحترمه كثيراً، وتوحد معه خلال حلقاته الـ30 ليكتشف ما حاول المسلسل إيصاله من رسالة، عبر أحداثه الدرامية أن الميراث ليس بالضرورة أموال وفقط، بل أخلاق وتربية وروابط أسرية وقيم نبيلة، من دونها يصبح المرء فقيراً، مهما بلغ ثراؤه المادي.
