في إجازة الصيف، يمنّي ناس كثيرون أنفسهم بالسفر، الذي يحمل فوائد كثيرة، أبرزها الترويح عن النفس والاكتشاف وإثراء الذات بالتعرّف إلى ثقافات جديدة. لكن، يعرف بعض المسافرين حالات مرضية خلال رحلاتهم، الحالات التي تتفاوت في شدّتها. للبعد عن هذه المنغّصات، تطلع الاختصاصيّة في الصحّة العامّة الدكتورة زينة مكرزل قرّاء «سيدتي» على حالات مرضية شائعة أثناء السفر، وطرق الوقاية منها.
الحالات المرضية الثلاث الآتية، ناتجة عن طعام وشراب ملوّثين:
إسهال المسافر: تُصيب الحالة نسبة 40 % من المسافرين من الدول المتقدّمة، إلى الدول النامية، مثل: جنوب آسيا وأفريقيا وجنوب أميركا وأميركا الوسطى والمكسيك، وهي تنتقل عبر الطعام والمياه الملوّثين. مصدر هذا النوع من الإسهال هو بكتيريا مسمّاة الإشريكية القولونية (إي كولاي) في غالبيّة الإصابات أو حتّى فيروس أو طفيل في إصابات أخرى. يشعر المسافر بالعوارض خلال الرحلة أو بعد 10 أيّام على انقضائها، وهي: البراز المائي لمرّتين في اليوم والأوجاع في البطن، وذلك في الحالة البسيطة من العدوى. أمّا في الحالة الشديدة، يشكو المصاب من الغثيان، الذي يرافق البراز المائي لأكثر من مرّتين في اليوم، كما من الأوجاع في البطن والاستفراغ والمغص والارتفاع في حرارة الجسم. قد تشتمل العوارض على ملاحظة الدم في الخروج، وذلك في الحالة الشديدة. عادةً، تزول الإصابة من دون علاج بعد ثلاثة إلى خمسة أيّام، مع أهمّية ترطيب الجسم، تجنّباً للجفاف. وقد يلزم الأمر تناول مضاد للمغص. أمّا في الحالة الشديدة، أي تلك التي تطول لأكثر من أسبوع، أو تلك التي يلاحظ المصاب دماً في الخروج، أو عند إصابة طفل أو مسنّ، لا بدّ من تعاطي مضاد حيوي.
للوقاية من إسهال المسافر، يجب تناول الطعام المطبوخ (وتفادي أي مأكولات وخضروات نيئة)، في الوجهة السياحيّة، وشرب المياه المعبأة في قوارير مختومة، وتفادي إضافة الثلج إلى المشروبات، لأن مصدر الثلج قد يكون مياهاً ملوّثة، بالإضافة إلى أهمّية غسل اليدين.
التهاب الكبد أ: ينتج هذا النوع من الالتهاب عن فيروس؛ فقد يصاب المرء به، مهما كانت وجهته، ولو أنّه في بعض الأحيان تشتدّ العدوى بالفيروس في مناطق جغرافيّة محدّدة. ينتقل الفيروس من إنسان إلى آخر غير ملقّح عن طريق الأكل والخروج. تشتمل عوارض التهاب الكبد أ، على: الغثيان والاستفراغ وفقدان الشهيّة إلى الطعام والارتفاع في درجة الحرارة والانزعاج وأوجاع البطن. بعد انقضاء بضعة أيّام على الإصابة، يبدو الفيروس بصورة واضحة عن طريق الحكّة والتغيّر في لون البول وتحوّله إلى داكن وابيضاض الخروج، بالإضافة إلى اصفرار البشرة والعينين. عادةً، تزول الإصابة من دون علاج بعد نحو أسبوعين. للوقاية، يجب التقيد بالنظافة الشخصيّة، وغسل اليدين، كما أخذ اللقاح المضاد.
التيفوئيد: تنتج الحالة عن بكتيريا تصيب كل الفئات العمريّة، لا سيّما الأولاد والشباب. بعد فترة حضانة ممتدة من 5 أيّام إلى 21 منها، يشعر المصاب بالعوارض المتمثّلة، في: الارتفاع في الحرارة والوجع في البطن وكتم المعدة. تشخّص الحالة عن طريق اختبار للدم، أمّا العلاج فيحمله المضاد الحيوي. في بعض الحالات، تحدث مضاعفات، فينثقب المصران، الذي يستدعي جراحة مستعجلة. للوقاية، يجب التقيد بالنظافة الشخصيّة، وغسيل اليدين، كما أخذ اللقاح المضاد.
الدكتورة زينة مكرزل: احذروا الملاريا والحمى الصفراء في وجهات السفر الأفريقية
الملاريا
في بعض الوجهات السياحية، قد تنتقل الأمراض عبر الحشرات المحمّلة بالطفيليات. في هذا الإطار، تلفت الطبيبة إلى أن الملاريا مرض مستوطن في أفريقيا؛ يصيب المرض الخطير المرء جرّاء لدغة بعوضة مسمّاة بـ «الأنوفيلس».
تحصد الملاريا نسبة وفيات عالية، لا سيّما عند لدغة بعوضة المتصوّرة المنجليّة (البلازموديوم) التي تتسبّب بوفاة المصابين في إثر ساعات قليلة.
عوارض الملاريا: الارتفاع في درجة الحرارة والصداع الشديد والغثيان والوجع في البطن والإسهال والسعال. تشخّص الحالة عبر اختبار الدم. على كلّ شخص يقصد دولة أفريقيّة أن يفكر في الإصابة بالملاريا، عند الشعور بحرارة مرتفعة، حتّى لو كان قد تناول الدواء المسمّى كوينين للوقاية، وذلك لأن الأخير غير كاف لعدم التقاط العدوى بنسبة تامّة. للوقاية، أثناء السفر، يجب تجنب الخروج عند الفجر أو المغيب، لتلافي لدغة البعوض الناقل للملاريا، كما ارتداء القمصان ذات الأكمام التي تغطي اليدين والسراويل الطويلة، مع رشّ طارد البعوض على الجسم، بالإضافة إلى غطاء السرير بالناموسيّة، كما التأكد من رشّ المبيد الحشري على السرير، مع تشغيل التكييف قبل النوم، وغطاء النوافذ والأبواب بالعوازل.
الحمى الصفراء
كانت تراجعت الإصابات بالحمّى الصفراء جرّاء تعاطي اللقاح المضاد. لكن، لا يزال المرض مصدر قلق بعض المسافرين إلى أفريقيا الاستوائيّة، فهو ينتقل عن طريق بعوض محمّل بفيروس، ويولّد عوارض خطيرة، وقد يودي بالمصاب إلى الوفاة!
تشتمل العوارض على الارتفاع في حرارة الجسم والنزيف وكسل الكليتين وفشلهما وكسل الكبد وفشله، وصولاً إلى الصدمة، فيما العلاج يتطلّب دخول غرفة الإنعاش للحاجة إلى شحنات الأكسجين وغسيل الكلى إذا استدعت الحالة ذلك.
عموماً، يمكن تفادي لدغات البعوض، حسب الطرق المذكورة آنفاً.
مرض الـ «لايم»
القراد، حشرة زاحفة تعيش في الأماكن المعشوشبة، مسؤولة عن نقل أمراض بالجملة، حسب المناطق التي تعيش فيها. ينتقل القرّاد من العشب إلى الجلد، وتحديداً إلى الأماكن التي تحتوي على الشعر (تحت الإبط، مثلاً). حال سير القراد على البشرة، يشعر المرء بالاحمرار أو بالالتهاب الموضعي الخفيف، وهو يستطيع طرد الحشرة، وذلك قبل الإصابة بالعدوى البكتيريّة (البورليّة البرغدوريفريّة) التي تتسبّب بمرض «اللايم» في أميركا الشماليّة وأفريقيا الشماليّة وأوروبا، وتحديداً في الفترة الممتدّة من مايو إلى أكتوبر. تظهر جرّاء اللدغة المحملة بالبكتيريا بقعة كبيرة بلونٍ أحمر، وما تلبث أن تكبر بصورة تدريجيّة، كما تظهر حولها حلقات حمراء. قد تزول البقعة خلال أسابيع. لكن، في الحالات المتطوّرة، يُمكن أن يتطوّر داء الـ «لايم» إلى مشكلات طويلة الأمد في الدماغ والأعصاب والمفاصل. يتحقّق العلاج عن طريق المضاد الحيوي.
حالات منغّصة أثناء رحلة الطائرة
- يتسبّب الجلوس الطويل في الطائرة عند السفر لأكثر من خمس ساعات بحالة تسمى بـ «متلازمة الدرجة السياحيّة» أي جلطات الدم في رجل المسافر، وصولاً إلى انسداد الرئتين. هذه الحالة مهدّدة للحياة. تصيب «المتلازمة» بخاصّة، فئة الأفراد الذين سبق أن عرفوا الجلطات الدموية، أو تسكير الشرايين، أو المصابين بالسرطان، أو بمشكلات في القلب، أو سيلان الدم، أو السمينين، أو النساء اللاتي يتعاطين حبوب منع الحمل. للوقاية، يجدر المشي في ممرّ الطائرة في كل ساعة، وارتداء ملابس فضفاضة أثناء السفر، وتحريك الكاحلين والركبتين إلى الأمام والخلف وتفادي الجلوس مع وضع رجل فوق الأخرى والتغيير في وضع الجلوس وارتداء جوربين يعلوان الركبتين، كما تفادي تعاطي الأدوية المنومة.
- النقص في أكسجين الدم عند تحليق الطائرة على ارتفاعات شاهقة، حالة تستدعي من بعض المسافرين، لا سيما من يشكون من مشكلات في القلب والرئتين التزود بالأكسجين على متن الطائرة.
- الآلام الشديدة في الأذن وتأثر حاسة السمع، وصولاً إلى ثقب طبلة الأذن، في صفوف المسافرين المصابين بالرشح أو بالالتهاب في الأذن أو التهاب الجيوب الحادّ، وذلك عند إقلاع الطائرة وهبوطها.
- اضطراب الرحلات الجوية الطويلة هو مشكلة نوم مؤقتة يمكن أن تؤثر في أي شخص يسافر بسرعة عبر مناطق زمنية متعددة. لكلّ جسم ساعة داخلية خاصة تخبره متى ينام ويستيقظ؟ لكن، يحدث اضطراب الرحلات الجوية الطويلة لأن ساعة الجسم تسير حسب إيقاع المنطقة الزمنية الأصلية بدلاً من المنطقة الزمنية التي يسافر المرء إليها. الحالة تتعلّق بإفراز الميلاتونين، وذلك لأن الضوء يؤثّر في تنظيم الهرمون المذكور. يشعر المصاب بالتعب أثناء النهار وبالتوعك وبالحاجة إلى النوم وبمشكلات في الجهاز الهضمي. في إطار الوقاية، تتبع الاستراتيجية الآتية، قبل السفر بثلاثة أيام، إلى مناطق بعيدة (من الغرب إلى الشرق) في رحلة تمتدّ لأكثر من ثلاثة أيّام: الاستيقاظ قبل ساعة من الموعد المتبع في العادة، كما النوم قبل ساعة من الموعد، والتعرض لأشعة الشمس الخفيفة، وتعاطي مكمّل الميلاتونين (3 ميلليغرامات) عند الوصول إلى الوجهة، وذلك لخمس ليال. لا ينصح بتعاطي المنومات. علماً أن الاستراتيجية عينها تطبّق عند السفر من الشرق إلى الغرب، أي التعرّض للإضاءة ليلاً وتعاطي الميلاتونين، لكن عند وصول الوجهة، في هذه الحالة.
- دوار السفر يحدث أثناء استخدام وسائل النقل المختلفة، ومنها: الطائرة، وهو يجعل المعلومات التي تصل الدماغ، سواء من الأذن الداخلية المسؤولة عن التوازن في الجسم أو من العين تتضارب، فيصعب على الدماغ التوفيق بينها. يتعرّض الأشخاص جرّاء ذلك للدوار والتعب والصداع والتعرق البارد والتعصيب وعدم التركيز والغثيان واصفرار البشرة والسرعة في التنفّس، وذلك في كلّ الفئات العمريّة، لا سيّما الأطفال من عمر عامين إلى 12 عاماً والنساء الحوامل أو اللاتي يتعاطين حبوب منع الحمل أو أثناء فترة الحيض أو أولئك الذين يشكون من مشكلات في الأذن، أو الصداع أو داء «باركنسون». أدوية الحساسيّة مناسبة في العلاج، لكن يجدر استشارة الطبيب. للوقاية، يفيد تناول أكل قليل في محتواه من الدهون والسعرات وشرب الكثير من الماء والبعد عن استخدام «الهاتف المتحرك» والأجهزة اللوحية وإرجاع الكرسي إلى الوراء وإغماض العينين والتركيز على نقطة معينة والجلوس لناحية النافذة.
داء المرتفعات
عند الرغبة في تسلّق قمم الجبال (أكثر من 2800 متر)، في إطار مغامرات السفر، لا بدّ من التيقن أن داء المرتفعات قد يكون في مرصاد من يعدّ العدة لهذا النشاط، في الوجهة السياحيّة. يحدث داء المرتفعات بسبب النقص في الأكسجين عند الانتقال إلى المرتفعات الشاهقة خلال وقت قصير، وقد يقود إلى وذمة الدماغ أو وذمة الرئة، وصولاً إلى الوفاة. للوقاية، يستحسن الصعود ببطءٍ، مع الاستراحة والنوم، كلما صعد المرء لخمسمئة متر، وذلك حتّى يتأقلم الجسم. بعد صعود ألف متر، لا بد من المكوث لليلة كاملة في الارتفاع المذكور قبل مواصلة المهمة. أضف إلى ذلك، يجب عدم تعاطي الأدوية المهدئة والمنوّمة، وذلك لأن الأدوية المذكورة تؤثر سلباً في التنفس، والنوم. التنفس الصحيح في هذا النشاط أساسي؛ فإذ خفّ النفس، قلّت نسبة الأكسجين الداخلة الدم، والضروريّة. أضف إلى ذلك، مغامرة الصعود مسؤولة عن القلق، ما يستدعي تناول دواء خاص للنعمة بالنوم، أثناء أداء النشاط.
وضع كمامة الوجه ليس ضرورة
بعد انحسار «كورونا»، ورفع الحظر جرّاء قلّة الإصابات بالعدوى بـ «كوفيد_19»، وازدياد نسبة اللقاح في بعض الدول، أمسى وضع الكمامة لا داعي له، إلّا من قبل المسافرين الذين يشكون من ضعف المناعة أو المصابين بالسرطان أو الأفراد الذين لم يتلقّوا اللقاح. حتّى في حالة
الإصابة بـ «الفيروس التاجي» أثناء السفر راهناً، فإن العوارض الناتجة خفيفة.