التّدخّل في شؤون الآخرين فضول يقتل صاحبه، وتزداد الحياة مشقّةً عند التعامل مع هؤلاء الفضوليّين ذي السّلوك اللّا أخلاقيّ بقصد الإزعاج أو تتبّع عثرات الآخرين واختراق خصوصيّاتهم، متّصفين باضطرابٍ نفسيّ واجتماعيّ غير سويّ، لما يعانونه من فراغ يملأ حياتهم، ولا يجدون مخرجاً من ذلك سوى اقتحام الخصوصيّات وإمطار أصحابها بوابلٍ من الأسئلة والتّوجيهات غير المرضية.
كثيراً ما نصادف في حياتنا أناساً لا يستحوذ تفكيرهم سوى أخبار غيرهم، فمثلاً هذه الفتاة لِمَ لَمْ تتزوّج حتّى الآن؟ وما سبب عدم زواجها أو عزوفها عن الزّواج؟، وإن تزوّجت لا يهنأ بالُها من أسئلتهم المزعجة هل أنجبت أطفالاً؟، ذكوراً أو إناثاً؟، وإن لم تنجب؟ ما السّبب ولماذا؟ وتبدأ اقتراحاتهم ونصائحهم التي أصلاً لم تُطلَب منهم، إنّما يفرضونها فرضاً فيلاقون تذمّراً وكلاماً لا يعجبهم لإدخالهم أنوفهم بأمورٍ لا تعنيهم، خاصّة أنّهم لا يعلمون خفايا أمور النّاس وما يتعلّق بقضاياهم الخاصّة، فلهم الظّاهر، أمّا البواطن والأمور المخفيّة عن أنظارهم فلا يعلمها إلا الله والتي قد تكون:
1 مشيئة الله تعالى: الله تعالى قسّم أرزاق العباد، إمّا مالاً، صحّةً، زوجةً صالحة، أطفالاً، وقد لا تكون قسمتهم في هذه الحياة أن يرزقهم الله تعالى بالذّريّة، فلا ينبغي التّذمّر أو الاعتراض على حكمة الله.
2 قد يمتلك الزّوجان بعض المشاكل الخاصّة، شخصيّة، مادّية، أو حتى عائليّة غير ظاهرة للعيان ولا يريدون إشهارها، بل يسعون لحلّها فيما بينهما من دون تدخّل الآخرين، متّخذين قرارهم بعدم الإنجاب في الوقت الحاليّ، إلّا أنّهم لا يسلمون من المتطفّلين واقتراحاتهم التي تنهال عليهم من كلّ صوبٍ بالذّهاب للطّبيب أو لمركز الإخصاب وغير ذلك.
3 قد يكون السّبب أنّ الزّوجين قد قرّرا منح كلّ منهما الآخر مساحة معيّنة تساعده على فهم شريكه، والتّعرّف إليه بشكلٍ أفضل قبل الإقدام على الإنجاب، إلّا أنّ هؤلاء المتطفّلين لا يدركون ذلك فيرمونهما بكلماتهم التي لا ترحم.
إنّ التّعامل مع هذا النّوع من البشر يحتاج الحكمة وحُسن التّصرّف، وتوجيههم الوجهة الصّحيحة ليدركوا مقدار المساحة الممنوحة لديهم وعدم اجتيازها، وإرشادهم لإدارة وقتهم وحياتهم بما يعود عليهم بالفائدة، وتعريفهم بالقيم والأخلاق التي يتحلّى بها المجتمع بما يضمن احترام خصوصيات الآخرين، وعلى الفردٍ أن يضع حدوداً فاصلة تمنع الآخرين من اختراقها، وقد حرص الإسلام على ذلك من خلال الحديث (من حُسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)، فهذه رسالة لكلّ إنسانٍ أن يتحلّى بالأدب ولا يتدخّل بحياة النّاس الخاصّة، وألّا يتتبّع خصوصياتهم، وإشغال نفسه بأمور تعود عليه بالفائدة وتحفظ مكانته في قلوب النّاس حتى ينال حبّهم واحترامهم.