يعيب النقاد والأدباء على المبدعات طغيان نبرة الهجوم على الرجال في الكتابات النسائية، والبعض قد يغالي ويقول إنهن يتعمدن تشويه صورة الرجال بشكل عام، ومن المثالب الأخرى التي تُساق أن الإبداع تحول إلى نوع من البوح للتعبير عما تعرضن له بشكل شخصي أو دفاعاً عن معاناة بعض النساء من الظلم والتسلط الذكوري.
عدد من المبدعات السعوديات يتحدثن في هذا التقرير عن صور لتسلط الرجل في الأدب العربي ؟ وكيف تفوقت النساء في نسج أدب يطغى عليه الإبداع لا البوح والتنكيل بالآخر مهما كان موقعه ومكانته الاجتماعية وصلة قرابته.
قصص واقعية
تقول الكاتبة حفصة الخضيري، إنه عندما تشارك أي امرأة في العالم بالكتابة عن تجربتها غير الجيدة مع بعض الرجال، تُتهم بالتعميم والمبالغة والإساءة للرجل. وهل قصص النساء وتجاربهن مبالغة أو إساءة، فالقصص جزء من واقعها وحياتها اليومية! وكيف تستطيع أن تعبر المرأة عن تجاربها الإيجابية بما في ذلك الحب والاستقرار مع أي رجل، وهي تواجه في حياتها عكس ذلك بل وإنكاراً لعدم التزامها بعادات وتقاليد غير مناسبة لزمننا؟ إن تجربة الحياة غير سهلة، فيها مواقف صعبة ومواقف يمكن تخطيها بسلاسة. ولكن الروايات والأفلام المشهورة عن العرب عالمياً ومحلياً تتمحور حول المواقف الصعبة. وما هي المواقف الصعبة للمرأة؟
كثير منها تتمحور حول حياتها اليومية من الوفيات والصراعات والحروب وغيرها، ولكن هناك أيضا بالتأكيد عنف موجه للمرأة العربية كغيرهامن المجتمعات ومرتبط بمعاملة الرجل مع المرأة. لذلك نرى بعضا من الروايات النسائية فيها قصص تظهر الرجل بشكل سيئ ومرعب.
والسؤال الأهم، كيف يمكن أن نتخيل صعوبة المواقف؟ بسهولة، المرأة في أنحاء العالم ليست بأمان والفرق بينها وبين المرأة المعنقة هو الحظ. فقد حفظها "حظها" من أن تتعرض للتعنيف على يد رجل قريب لها أو بعيد.
وهناك قصص متداولة لنساء قتلوا بيد رجال، رفضن الزواج منهم أو بدأن علاقة معهم أو لشرف عوائلهم أو لأسباب غامضة. ولا يوجد سبب مُقنع لقتل المرأة أو التعدي على أي شخص. ومن يقتنع بهذه الجرائم فهم يقرون بعمل غير مسموح ثقافياً ودينياً، وخاصة أنهاء حياة امرأة لم تتبع تصور رجل عنها. فلا عجب أن كثيراً من قصص النساء تتمحور حول الرجال وتعاملهم السيئ لها. فهي حقيقة المرأة العربية والنساء عالمياً.
صراخ الأقلام الناعمة
تتجه بعض الأقلام الناعمة إلى الصراخ عبر حروفهن عن التسلط والظلم الجائر الذي تعرضن له، أو شهدن حالات مقربة لإناث تعرضن له من الطرف الآخر. هكذا بدأت الكاتبة رحمة الأحمد حديثها، مضيفة أنها قرأت ذات مرة لكاتبة عربية تخبرنا عبر صفحات كتابها، أن تاريخ البشرية وقبل ملايين السنوات كان محكوماً تحت ظل المرأة، وأن الرجل كان تابعاً وخاضعاً تحت حكمها، ومن هنا تكون المفارقة، فنحن اليوم لا نعرف سوى أن الرجل هو صاحب السلطة، وليس كل صاحب سلطة أهلاً لها.
فعبر الأجيال ولآلاف السنوات تم تصوير المرأة على أنها ناقصة وغير مؤهلة، لتكون صاحبة قرار فيما يخص شؤونها وأمورها الخاصة، وتم تسليم مفاتيح حياتها لمن عُيّن ولي لأمرها، فسلبت منها حياتها وأصبحت تابعة تنفذ ما يطلب منها إكراهاً، ولنا أن نتخيل أن روحاً قد اختطفت منها حياتها وقطار العمر لا يسعه الانتظار، ويبقى السؤال يئن في ثناياها متى يُطلق سراحي! بالعودة للسؤال: لماذا يتم شيطنة الرجل في السرد النسائي! في رأيي أن هذا الطرح يحتمل سبب جوهري وحيد، وهو ما ذكر آنفاً وأن حواء عبر حروفها ترد على آدم مثبتة أنها كائن عاقل مؤهل، ولا تقل عنه بالقدرات ولا المؤهلات.
الاستئثار بالسيادة
فيما ترى الكاتبة أريج الجربا أن الرجل في أدب الكاتبات العربيات يلعب أربع شخصيات مأخوذة من دورين بقطبين: الأب/القريب، أو الحبيب/ الزوج. والقطبان هما: المساند أو المخيب للآمال. والمشترك أنه دائماً مُمَثل سُلطة أو شخص ذو نفوذ كبير على حياة النساء في حياته. فالرجل في الأدب يقلب بسلطته حياة المرأة، سواء للأفضل أو الأسوأ وكثيراً ما نراها تتعامل مع آثار سلطته عليها. وهذا يورث صورته ألواناً سلبية وظلالاً من الخذلان.
وتعزو الكاتبة الأمر للاستئثار بالسيادة الذي يسعى له الرجل الذي يُولد الهيمنة على الآخر والهيمنة تفرض بشكل طبيعي بين المُهيمِن والمُهيمَن عليه موقفين المقاومة و التنحي فعند هيمنة صوت على الآخر؛ يجد الآخر نفسه على الضفة المقابلة، وإذا اختار المقابلة غَزَلَ عندها سرداً من منظور مقابل/ مقاوم وهذا المنظور سلبي كنتيجة موقفية. لذا الألوان السلبية المستخدمة في رسم صورة الرجل ناتجة عن الهيمنة التي أوْرَثت نزعة المقابلة بين الطرفين. فصورة الرجل والمرأة في الأدب العربي ليست ذات نتوء وتقعرات وأغوار.
كِلانا نكتب عما نتصوره عن الآخر لا عن الآخر، فلا نرى بالمجمل -وإن كان هناك استثناءات-شخصيات في الأدب تحيرنا وتجعلنا نتساءل ونعيد نظرنا فيما يجري حولنا. ويدعوني هذا لطرح هذا السؤال، من سيطرح أسئلة تنبذ التنحي والمقابلة؟ أسئلة بصيغة التآخي تنجب إجابات بدرجات وتموجات تعكس الواقع بشكل أكثر دقة، وتنقلنا من التسطيح إلى العُمق!.