تعدّ اللغة العربية إحدى روافد الحضارة المغاربية، والحضارة الأفريقية الصّحراوية، والحضارة الإسلامية، وكذلك حضارة وتراث الأندلس؛ وعلى الرغم من كون البربر هم السكان الأولون لمناطق شمال إفريقيا ولهم لهجة خاصة بهم وهي الأمازيغية، قبل أن يصل العرب في الفتح الإسلامي لينشروا لغة القرآن، إلّا أنّ اللغة العربيّة أصبحت ومنذ وقت مبكّر اللّغة الأساسيّة لهذه البلدان، لأن الأمازيغ حين رحبّوا بنشر الإسلام، رحبّوا كذلك بلغته وثمّنوها وأسهموا في نشرها وتعلّمها.
صحيح أنّ المشرق العربي كان ينظر لنفسه في وقت من الأوقات كأصل للّغة العربيّة ومركز لثقافتها وعلومها وآدابها، باعتباره مهد الدّيانات السّماوية ومكان نزولها، وأنّ مراكز اللغة العربية الأصلية هي بغداد ومكة وصنعاء، ومركز تعليمها ونشرها هي القاهرة، إلّا أنّه من غير المعقول أن تُعامل البلدان المغاربية كتقليد للمشرق، فالحقيقة التّاريخية والواقع الرّاهن يُثبتان مكانة لغة الضّاد في نفوس وثقافة أهل المغرب العربي والأندلس، حيث أضاف أعلام منهم أشياء كثيرة لهذه اللغة عبر مسيرتها، خاصة في الجوانب اللغوية النحوية.
وإذا كان المغاربي في هذه البلدان يتلقّى الإنتاجات المشرقية ويتتبّعها كما يتتبّع الإنتاجات الأوربية والغربية، ويسعى لإجادة مختلف اللّغات وإتقانها وكذلك اللّهجات، فإنّما لرغبته في الانفتاح على الثّقافات الأخرى واستيعابها بكل مدنية وتحضّر ومن دون تعصّب.
وبغضّ النّظر عن كلّ هذه الاعتبارات، فالفضل في اللّغة العربية لا يرجع لأمة بعينها، بل لكتاب واحد، هو القرآن، لذلك لابدّ من حماية هذه اللّغة والحفاظ عليها والعمل على انتشارها في مواجهة العولمة التي تستهدف مسح معالمها، والحطّ من قدرها، وهنا الدور ليس على المثقفين والمدرسين، بل على أولياء الأمور والإعلام الهادف في تسليح الأجيال الجديدة بأصول اللغة العربية وتحبيبها لهم، لما يتجسّد فيها من جميل البيان والمعاني البديعة، على الرغم مما يشاع عنها بأنها ليست لغة العصر والتطور التكنولوجي، ناسين أو متناسين أنّها لغة القرآن الذي كان آخر كتاب سماوي، وهو الجامع المانع لكل المعارف والعلوم في الكون.