النَّحو العربيّ في حقيقة الأمر هو كالعلوم واللغات كافّة، وقد سُمِّيَ النَّحو نَحواً؛ لأنّنا نَنحو مَنحى العَرب في كلامهم ونسير على آثارهم؛ فقَولُنا (نحا نَحْو الشيء) يعني قَصدَه ومشى مَمشاه وقلَّدَه.. ويبحث النحو في أصول تكوين الجملة، وقواعد الإعراب، وعلم النَّحو علمٌ يهتمُّ في جوهره بضبط أواخر الكلمات بحسب مَوقِعها في الجملة، وما يصيبها من إعراب أو بناء، بالإضافة إلى اهتمامه بأمور أخرى، كمعاني الحروف، وأسباب تقديم الكلمة أو تأخيرها، وغير ذلك.
يقول الدكتور عادل أحمد صابر، خبير اللغة العربية تخصص البلاغة والنقد جامعة الأزهر، لـ«سيدتي»: النحو العربي هو علم يختص بدراسة أحوال أواخر الكلمات، من حيث الإعراب، والبناء، مثل: أحكام إعراب الكلمات، وعلامات إعرابها، والمواضع التي تأخذ فيها هذا الحكم.. وفي اللغة يطلق النحو على القصد، أو الجهة.. وفي الأصل، عُني النحو بدراسة الإعراب، وهو ما يعني أواخر الكلام؛ حيث أدى اتساع رقعة الدولة الإسلامية إلى اختلاط الكلام العربي، بالكلام الأعجمي، ودخول اللحن في اللغة العربية.
* نشأة علم النَّحو العربيّ
أول ظهور لعلم النحو كان في عصر الإمام علي بن أبي طالب؛ حيث إنه أشار إلى أبي الأسود الدؤلي لوضع قواعد علم النحو؛ لتأصيل وضبط قواعد اللغة، ومواجهة اللحن اللغوي، وخاصة فيما يتعلق بالقرآن.. وبذلك كان أبو الأسود الدؤلي هو واضع علم النحو، ثم أخذ العلماء من بعده يزيدون عليه شيئاً فشيئاً، مثل: الفراهيدي الذي وضع علم العَروض، ووضع أسس الميزان الصرفي لمعرفة أصل الكلمات، وكشف الكلمات الشاذة، والدخيلة على اللغة العربية.. وتبعه سيبويه، الذي ألّف أول كتاب جمع فيه قواعد النحو العربي، وأسماه "الكتاب"، ومازال «الكتاب» مرجعاً رئيسياً للنحو العربي حتى الآن.
تُطبق قواعد النحو على الكلام، وهو كل لفظ مفيد يَحسُن السكوت عليه، ويتكون من كلمتين على الأقل (اسمين «العلم نور»، أو فعل واسم «جاء الرسول»)، أما أي لفظ لا يحقق معنى أو فائدة؛ فلا يمكن تطبيق قواعد النحو عليه، ومن الألفاظ التي لا يمكن تطبيق النحو عليها، اللفظ المفرد مثل: «ماء»، والمركّب الإضافي مثل: «كرة القدم»، والمركب المزجي مثل: «بعلبك»، والمركب الإسنادي مثل: «جاد الله».. وتدخل جملة الشرط من دون جوابها ضمن هذه الألفاظ مثل: «إن فاز الفريق».
وكان أبو الأسود الدُّؤلي على الأرجح هو أوّل مَن ابتدع طريقة فريدة لضَبْط الكلمات في القرآن الكريم؛ فكان يضع نقطة بلون مُخالِف للون الكتابة فوق الحَرف؛ ليدلَّ على الفتحة، ونقطة أسفل الحَرف؛ ليدلَّ على الكسرة، ونقطة عن شِمال الحَرف؛ ليدلَّ على الضمّة، ونقطتين فوق الحَرف أو أسفله، أو عن شماله؛ ليدلَّ على التنوين؛ وللدلالة على سكون الحرف، تَرَك الحَرف خالياً من النقط، وبهذا كان أبو الأسود الدُّؤلي هو أوّل من نَقَّط المُصحَف بالحركاتح أي أوّل من وَضعَ علم النَّحو، وقِيلَ أيضاً بأنّ أوّل من وَضَع علم النَّحو هو الخليل بن أحمد الفراهيديّ، وقيل أيضاً إنّه علي بن أبي طالب، وقيل إنّه سيبَوَيْه.. ويُروَى أنّ أشهر القصص حول سبب وَضْع علم النَّحو، أنَّ أبا الأسود الدُّؤلي مرَّ برجل يقرأ القرآن الكريم؛ فقرأ: "إنّ اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولِه"، وكان الرجل يقرأ (رسولِهِ) مجرورة؛ أي أنّها مَعطوفة على (المشركين)، وهذا يُغيِّر المعنى؛ فكلمة (رسولُه) مرفوعة؛ لأنّها مبتدأ لجملة مَحذوفة تقديرها (ورسولُه كذلك بريءٌ)، وعليه فإنّ القراءة الصحيحة للآية هي: (أَنَّ اللَّـهَ بَريءٌ مِنَ المُشرِكينَ وَرَسولُهُ)، ولهذا ذهب أبو الأسود الدُّؤلي إلى علي -رضي الله عنه- وشرح له أنّ القرآن الكريم، والعربيّة في خَطَر؛ فتناول علي -رضي الله عنه- رقعة ورقيّة وكتب عليها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام اسم، وفعل، وحرف، الاسم ما أنبأَ عن المُسمَّى، والفعل ما أنبأَ عن حركة المُسمَّى، والحرف ما أنبأَ عمّا هو ليس اسماً ولا فعلاً.. ثم قال لأبي الأسود: "انحُ هذا النَّحو"، يريد منه أن يمشيَ على هذا النَّحو، بهدف وضع قواعد ثابتة للعربيّة. وقد توالى العلماء منذ القرن الثاني، واجتهدوا؛ للحفاظ على القواعد النحويّة، ولم يتقاعسوا في ذلك، وكان من أشهر مَن حَرص على ترتيب القواعد النحويّة، وعُرِفَ بإمام النَّحويّين، العالِم النَّحويّ الفارسيّ الأصل سيبَوَيْه؛ فقد وضع قواعد النَّحو، وأَحسنَ ترتيبَها.
* أهميّة علم النَّحو العربيّ
إنّ المعرفة بعلم النَّحو العربيّ، أمر ضروريّ، وتتلخَّص أهميّة المعرفة بقواعد النَّحو وضَبْط الكلمة فيما يأتي: - اللغة العربيّة لغة القرآن، ولا بدّ لكلّ من أراد فَهْم القرآنِ وفَهْم دينِه، أن يقرأَه قراءة صحيحة؛ كي لا يسيء فَهْمَه؛ وحتى يفهمَ الأحكام الشرعيّة بصورتها الصحيحة، كما أنّ بعض الآيات، إن لم تُقرأ بضَبْطها الصحيح؛ فإنّ اللَّحن والخطأ في قراءتها قد يُؤثِّر على المعنى، كما في قول الله تعالى: (أَنَّ اللَّـهَ بَريءٌ مِنَ المُشرِكينَ وَرَسولُهُ)؛ إذ يخطئ بعض التالين لكتاب الله تعالى من دون قصد؛ فيقرأون كلمة رسوله بكسر اللام، وعندها يكون المعنى مُخالِفاً تماماً للشريعة الإسلاميّة؛ إذ إنّه لدى عطف كلمة رسولِه (بالكسر) على المشركين، يصبح المعنى أنّ الله بريء من المشركين ومن رسوله، وحاشاه تعالى أن يتبرَّأ من رسوله؛ بل المَقصود هنا أنّ الله تعالى ورسوله بريئان من المشركين؛ فكلمة (رسولُه): اسم معطوف على لفظ الجلالة (الله) مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
- فَهْم الكلام المُراد والمعنى المَقصود من خلال الضَّبْط الصحيح للكلمات، ويتبيَّن ذلك مثلاً في الفَرق بين العبارتَين الآتيتَين: شاهدْنا الفائزَ؛ حيث إنّ كلمة الفائزَ منصوبة بالفتحة، وهي مفعول به، وقد بيَّنَت حركة الفَتْحة المعنى المَقصود، وهو أنَّ فعل الفاعل وَقَع على المَفعول به الفائزَ، أمّا في جملة: شاهدَنا الفائزُ، فإنّ كلمة الفائز مَرفوعة بالضمّة، وهي فاعل، وقد بيَّنَت حركة الضمة المَعنى المَقصود، وهو أنّ فعل الفاعل وَقَع على ضمير المُتكلِّمين (نا)، والفاعل الذي قام بالفعل هو الفائز.
- شعور المُتأمِّل في قواعد النَّحو العربيّ باعتزازٍ أكبر بلغته، ويشعرُ بالفَخْر والانتماء لهذه اللغة الغنيّة المَليئة بالمعاني الدقيقة والحيويّة، والجميلة، والعميقة، كما يشعر بالمُتعَة، والطَّرافة.