تتطاير خيوط وجدائل طبول العرضة الملونة الطويلة المجدولة بفن، المغزولة بإتقان، تعانق أطراف السماء ما بين ارتفاع وانخفاض، وكأن ارتفاعها تحية للحاضرين من علية القوم وكبار الزوار، وانخفاضها احترامًا لأرواح من ضحوا في سبيل هذا الوطن الأبيّ، تستثيرها دقات قرع الطبو ل الحماسية، ولمعات أنصال السيوف الذهبية ، وأصوات المنشدين الجهورية، وتتعالى أكثر وأكثر، وليرتفع الصوت أكثر وأكثر فتنصهر أصوات المنشدين، وحماسة الراقصين، وقوة العازفين، وانفعال الحاضرين في بوتقة احتفالية تراثية مدهشة ضاربة بجذروها فى أعمق أعماق شبه الجزيرة العربية.
• من طقس حربي قتالي لطقس احتفالي احتفائي
تعد العرضة أحد أهم الطقوس العربية ، إلا أنها أكثر شهر بالسعودية، وكانت قديمًا أول نذير للحرب وتُؤدى قبل المعارك والحروب ، بأشعار تصور الأحداث بدقة، ومن أشهرها العرضة النجدية.
من مستلزمات هذا اللون من الفن الراية والسيوف وإنشاد قصائد الحرب، بينما هنالك مجموعة من حملة الطبول يطلق عليهم "طبول التخمير"، أما الذين في الوسط، الذين يؤدون رقصات خاصة "طبول الإركاب"، كما يوجد بالوسط حامل البيرق "العلم".
مؤخرا تحول هذا الفن لفن احتفالي وطقس احتفائي في أوقات الاحتفالات والأعياد واستقبال الضيوف، ليعكس الفرحة والترحاب خاصة خلال احتفالات اليوم الوطني السعودي فالعرضة أحد أهم طقوسه.
• ما الذي يجري أثناء العرضة؟
حسب منصة "روح السعودية" التفاعلية (تحت إشراف الهيئة السعودية للسياحة) visitsaudi.com، ففي رقصة العرضة (الاحتفالية) يقف صفين من المشاركين متراصين ومتقابلين. يرتدي الرجال زيًا تقليديًا من منطقة نجد "الدقلة"، وتحته ثوب فضفاض أبيض ذو أكمام طويلة مثلّثة "المردون". كما يرتدون أحزمة جلدية للذخيرة بشكل مائل فوق صدورهم ويحملون سيوفهم باليد اليمنى، ويعتمد مؤدو الرقصة على إظهار الأسلحة وأدوات الحرب والقتال طوال هذه الرقصة، لذلك فزيها الخاص هو ثوب فضفاض واسع حتى يسمح بسهولة الحركة للراقصين.
تبدأ العرضة الاحتفالية مع بيت واحد من الشعر يتم تكراره بينما تتقدم مجموعة ثانية من الرجال حاملي الطبول ليقفوا بين الرجال حاملي السيوف، ويتراقصون على وقع دق الطبول. ويتمايل حاملو السيوف إلى الأمام والخلف ومن جانب إلى جانب وهم يغنون. وينحنون على ركابهم ويميلون إلى الأمام ثم يرفعون سيوفهم ويخفضونها بإيقاع متناغم. ويحمل مشارك آخر العلم الوطني. وتتميز الأجواء بأنها احتفالية ونابضة بالحياة.
تابعي المزيد: هيئة تطوير بوابة الدرعية تحتفل باختتام النسخة الثانية من مبادرة "الدرعية بيت العرضة"
• أحد أثمن كنوز المملكة التراثية الفنية
حسب الموقع الرسمي للعرضة saudiardah.com تُعد العرضة السعودية، أحد أهم طقوس المملكة الفنية وأحد أثمن كنوزها التراثية، ولطالما ساهمت عبر المزيد من الأحداث وفي كل المحافل في أرجاء المناطق السعودية منذ توحيد البلاد في 1932 وحتى اليوم، في أن تكون مسك الختام لأي احتفاء، مما عزز حضورها وحفظ طقوسها وكرس مكانتها، حتى أنها فتحت شهية كثير من الكتّاب والمؤرخين لتبني قصصها التراثية والبحث عن أغوارها العميقة، وتأثيراتها الملهمة . ومن أشهر من كتب عن العرضة الاديب المصري الشهير عباس محمود العقاد في كتابه القيم "مع عاهل الجزيرة العربية"، والذي حكى فيه عن شغف الملك عبد العزيز بالعرضة النجدية أو ما تعرف اليوم بالعرضة السعودية.
• العرضة السعودية شغف ملكي بامتياز
يقول العقاد في كتابه: "العرضة من أحب الرياضات إلى الملك عبد العزيز، هي رقصة مهيبة متزنة تثير العزائم وتحيي في النفوس حرارة الإيمان، ويتفق أحياناً أن يستمع جلالته إلى أناشيدها ويرى الفرسان، وهم يرقصونها فتهزه الأريحية ويستعيد ذكرى الوقائع والغزوات فينهض من مجلسه ويزحزح عقاله ويتناول السيف وينزل إلى الحلبة مع الفرسان، فترتفع حماستهم حين ينظرون إلى جلالته بينهم" لم تكن العرضة شفغًا خاصة بالملك عبد العزيز رحمه الله، فقد تمتعت بمكانة فريدة لدى حكام المملكة حتى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الامير محمد بن سلمان.
لطالما احتفت العرضة بضيوف المملكة من كبار الزوار من الملوك والرؤساء ومن أشهر من رقص العرضة على أهازيجها الحماسية الشهيرة وتفاعل معها من ضيوف المملكة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومن قبله الرئيس جورج بوش والذي رقصها بالسيف، وحصد سيفا تذكاريا كهدية فاخرة.. وكذلك الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات والذي رقصها مع الملك الراحل عبد الله، والرئيس الصيني شين جين بنج ، والرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند، وملك بريطانيا الحالي تشارلز الثالث والذي أداها وهو يرتدي الزي السعودي التقليدي(عندما كان أميرا)، والملك المغربي الراحل الحسن الثاني، وغيرهم.
• العرضة ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي لليونسكو
العرضة_السعودية حملة البيرق - من القناة الرسمية لدارة الملك عبدالعزيز على اليوتيوب
وحسب الموقع الرسمي لدارة الملك عبد العزيز darah.org.sa (مؤسسة متخصصة في خدمة تاريخ وجغرافية وآداب وتراث المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية والعالم العربي) فقد تم إدراج العرضة بالعام 2015 ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي لدى المنظمة الدولية للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو»، إضافة إلى تأسيس مدارس خاصة بتعليم هذه الرقصة الشعبية، وتهدف من خلالها إلى نشر ثقافة العرضة لدى الجيل الجديد وتأصيل روح التراث لديهم.
تابعي المزيد: تأسيس المملكة قصة ملهمة غرس جذورها الآباء وسقاها الأبناء فأينعت وأثمرت قطافاً جنياً