كانت غرفة في البيت، خصّصها والد «ناري»، الطفلة التي أشعلت البيت حيوية وحباً للفضول، تتسلّل إليها لتراقب أنامل والدها الخطاط، وهو يرسم البعد الفلسفي للخط العربي، بهندسة تعكس جمال روح والدها الذي طالما عشقت صوته، وهو يناديها «ناري». وعندما سألته ما هذا السحر يا أبي، كيف تصنعه؟ فقال لها: أكتبه بعيني، ثم أستخدم يديّ. مصمّمة الديكور الإماراتية ناريمان الزرعوني، حكت لنا طريقها في مهنة الديكور الذي بدأ بمراقبة عيون والدها، وهي ترسم على الورق، إلى أن افتتحت شركتها Narihomes.
بعد عبارة والدها، واصلت «ناري»، الجلوس في زاوية، مع أدوات رسمها لتجد نفسها بشكل لاشعوري، تواصل رسم المباني القديمة في دبي ببراجيلها التي تحكي طرازاً معمارياً إسلامياً مميزاً، تتابع ناريمان: «كنت أميل إلى رسم المساجد الغنية بفنها المعماري، ألوّن فيها مربّعات الفسيفساء الزرقاء، وأترك مكاناً للنقوش القرآنية على مدخل المسجد، وعندما رسمت عدداً من المساجد من وحي خيالي، أخذتها لأبي كي يخطّ لي الأحرف القرآنية، وعندما فوجئ برسوماتي، قال لي ممازحاً: «سوف نفتح مكتب استشارات هندسية، وسأجعلك تصمّمين مساجد لمؤسسة الأوقاف كوقف خيري، ما رأيك؟».»
حكايا الفروسية
بعد تخرّجها في كلية الفنون الجميلة، بدأت ناريمان مشوارها الفني برسم الشكل الخارجي للمباني والمساجد في أبوظبي، حتى تم اختيارها لتشارك في تنسيق مسرح «شاعر المليون»، المشروع الذي أكسبها لقب «سفيرة الديكور»، وعنه تقول: «كانت فرصة وبداية قوية لي في عالم التصميم والديكور، أردت من خلالها أن أثبت قدرتي في ساحة الشعر النبطي، بوصفي مصمّمة، فرحت أفكر بنغماته الغنائية، وبقدرته على ربط مستمعي اليوم بماضيهم، وبمعاني هذا الشعر الذي يروي حكايا الفروسية والفخر والحنين والتضامن والوحدة، لأصمّم مسرحاً مشابهاً، تفاصيله البسيطة والعريقة تشبه الرسائل التي يتغنّى بها الشعراء».
تابعي المزيد: المهندسة تاميلا جزائري: على المصمم أن يظل وفياً لأسلوبه الخاص
المصمّم والموسيقى
دخلت ناريمان في فنّ الجداريات، التي جعلها الإنسان القديم وسيلة لتجسيد خطوط وأشكال ظنّ أنّها قد توفّر له الحماية، تتابع قائلة: «في حاضرنا أصبح هذا الفن نشاط شعب وثقافة وحضارة، هو يحمل هواجسي وتطلّعاتي، التي تختزل لحظة من الزمن من خلال مشهد جداري يحاكي قضية ما.. الجداريات في عالم الديكور هي غاية التجميل والاهتمام بالتفاصيل الفنية، أو يمكن استخدامها لتغطية عيب ما، إذا غيّر العميل رأيه ولم يعد يرغب في التصميم الأوّلي، وعادة ما أخطّه بريشتي.. اللوحة الجدارية تخاطب المتلقي بالألوان والخطوط والتكوين، تماماً كما يخاطب الموسيقيّ الجمهور باللحن».
أقول لكل امرأة إماراتية: ارفعي رأسك فاسمك أصبح مرتبطاً بالمراكز الأولى عالميّاً
لكلّ امرأة
ألّفت ناريمان كتاب «سفيرة الديكور» الذي تروي فيه مسيرة نجاحها، وعمّا إذا كانت تتراجع اليوم عن بعض ما قالته، تتابع بصدق: «أردت من خلال هذا الكتاب أن أروي قصصي مع العمل، بشكل لا يخلو من الاعترافات.. ببساطة أردت إعادة رسم ما مرّ بي في زمن كان يرفض المرأة، بوصفها مصمّمة ديكور، عبر رسالة أقول فيها لكلّ امرأة، «الفرصة لا تأتي مرتين»، في وقت كانت تتعالى فيه أصوات الاستفسارات، بعبارة: «من أنت؟ لذلك لا يوجد شيء أود التراجع عنه؛ لأن الحاضر أثبت ما كتبته».
يميل الإماراتيون إلى التصميمات الكلاسيكية، على الرغم من ذلك، تجعل ناري هذا الواقع التصميمي أكثر بساطة في الأثاث وعصريته، تستدرك قائلة: «التصميم الكلاسيكي يكشف الحالة النبيلة لمالك البيت، وهو مليء بالألوان العميقة مثل الأصفر والبني والأسود، وهذه هي الألوان التي يقال إنها تعبر عن الشهامة والقوة، وهذا طبع الإماراتيين.. هناك اعتماد على التماثل والتناغم، لكن ليس بالضرورة في كل شيء، لذلك أمرّر بصماتي، وأدخل بعض الزوايا الحديثة والألوان الهادئة الدارجة، وأركّز على المرايا التي تعكس وسامة وهدوء ملامح أهل الدار».
تابعي المزيد: المهندس عبدالعزيز العظم: وعي ملاك المنازل بدور الإضاءة في التصميم يتزايد
لا أسلم من الانتقادات
كل هذا لم يمنع المصمّمة ناريمان من الظهور بقوة شخصيتها على إنستغرام، والترويج بنفسها لإبداعاتها، واحترام جميع التعليقات الواردة، وعن هذا تقول: «في استراتيجية التسويق، أبدأ التعبير بكلمات أولى بسيطة تدخل القلب والعقل معاً، كما أنني أؤكد على مدى إيجابية النتائج المتوقعة، وهذا ما يريح الزبون عندما يرى المالك بنفسه يتحدّث بالتفاصيل، لكنني بصراحة لا أسلم من الانتقادات على بعض أعمالي، التي يكون أغلبها تنفيذاً لرغبة العميل، وهذا ما لا يدركه المتابعون».
تقف تلك المرأة الإماراتية، بجرأة بالغة على مواقع العمل، بمصنعها في جميع مراحل التنفيذ، وهي تلاحظ نظرات الرفض، التي تطالبها بالبقاء بمنزلها، أو تغيير عملها، الذي طالما نُسب إلى الرجال، تتابع قائلة: «تعليقات الناس وعقلية البعض ترفض وجود المرأة في سوق العمل المباشر.. كل هذا لا يهمّني طالما أنّني محافظة على هويتي الوطنية واحترامي لنفسي ومجتمعي، وأقول للجميع: أنا أكافح من أجل أحلامي».
أدخل بعض الزوايا الحديثة والألوان الهادئة الدارجة، وأركّز على المرايا التي تعكس وسامة وهدوء ملامح أهل الدار
تغيّرت النبرة
صمّمت ناريمان فللاً في قطر وابتكرت أثاثاً تمّ تصنيعه وتصديره إلى السعودية وعمان والعراق؛ تستطرد قائلة: «ما لا أنساه كان في زيارتي الأولى إلى مصنع متخصّص في الأخشاب في النمسا، لأتعاون معهم في توريد الخشب، في الوهلة الأولى عندما قابلت مدير المصنع كان متردّداً في التعاون، وقال إنهم لا يصدّرون إلى الدول العربية، ولكن عندما ذكرت له إنني من دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتحديد من دبي، تغيّرت النبرة والتعامل، ورحّبوا بنا وقبلوا بالتعاون».
قصة غريبة عاشتها ناريمان مع زبونة طلبت منها تنفيذ عمل ديكور لغرفة نوم، تعلّق قائلة: «تم الاتفاق على تنفيذه خلال أسبوع، وبعد وصول العمّال قامت بحبسهم في الغرفة، وقالت لهم: لن تخرجوا إلا بعد إنهاء العمل ولديكم 12 ساعة فقط.»
تابعي المزيد: المصمّمة منى حسين: لا يمكن للترند أن يمحو هوية الديكور العربي
أكواخ زيلامسي الخشبية
ناريمان كثيرة السفر إلى أوروبا، خاصة النمسا وألمانيا، وتقصد الأرياف، بالتحديد، التي تبعث في نفسها طاقة وروحاً جديدة للإبداع، تتابع قائلة: «تعودت على زيارة قرى على نهر موزيل في ألمانيا، التي تحيطها مزارع الكروم، وتضمّ العديد من المنازل الخشبية التي تعود إلى القرون الوسطى، وبعضها مطليّ بألوان زاهية. وأعشق قرية بيبوري في منطقة كوتسوولدز ذات المناظر الخلابة في بريطانيا، بمنازلها الريفية ذات الألوان العسلية، «كما أن السكن في أكواخ زيلامسي الخشبية في فيرينهوف أوبريت بالنمسا، تجربة لا تنسى، وتلهمني الكثير من الأفكار؛ حيث المزيج من البساطة الخارجية للكوخ، مع الفخامة من الداخل، وسط الطبيعة الهادئة والنقية... كانت أجمل إجازة في حياتي».
عندما يفسد التصميم كلّ شيء
تجد ناريمان أنّ النساء يقعن دائماً في الأخطاء عند تصميم غرف نومهنّ، وهي تخرّب تصميم هذا المكان الرائع:
- تقلّص أغلب النساء غرفة النوم، ويعطين المساحة للحمام، ويكون الاهتمام به أكثر.
- يخصّصن مساحة كبيرة للسرير، وكأنه دليل العائلة، ويتجاهلن فكرة وجود أي جلسة تسمح للزوجين بقراءة مجلة، أو متعة الحديث مع احتساء فنجان قهوة.
- لا يضعن في حسابهنّ أنّ المساحة الأكبر يجب أن تكون لغرفة تبديل الملابس.
- يخترن أغطية بيضاء للسرير ما يجعل الغرف أشبه بالمستشفيات! ويعطين بذلك نمطية للغرفة تخرّب إطلالتها.
أنهت المصمّمة ناريمان حديثها بعبارة وجّهتها لكل امرأة إماراتية في يومها الخاص، تقول فيها: «ارفعي رأسك فاسمك أصبح مرتبطاً بالإنجازات والمراكز الأولى عالمياً، وهذا وحده شرف لكل امرأة إماراتية.»
تابعي المزيد: المصمّمة Pallavi Dean: تراجعت عن التشكيك في العالم الافتراضي