في مصر، يفتح السيرك القومي بالعجوزة، التابع لقطاع الإنتاج الثقافي، أبوابه للجمهور، بعد أن افتتحت الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة المصرية، المرحلة الأولى لتطويره، بحضور المخرج خالد جلال رئيس القطاع، والدكتور عادل عبده رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية بمصر.
شملت عملية التطوير، أحدث أجهزة الصوت والضوء، تحديث ملابس اللاعبين والمدربين، تحديث خيمة السيرك، سور الخيمة، تحديث شاشات العرض الداخلية والخارجية، غُرف الفنانين وعدداً من التجهيزات اللوجستية الخاصة بالسيرك.
يقول الدكتور عادل عبده رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية بمصر: السيرك هو العالَم الساحر الذي يحبه الكبار والصغار على حدٍ سواء؛ لما يضُمّه من الكثير من الألعاب والاستعراضات التي ترسم البهجة على الوجوه، وتولّد الإثارة في النفوس، ومعنى كلمة سيرك فى اللغة اليونانية واللاتينية: الحلقة أو الدائرة، والسيرك بالإنجليزية "circus"، وهو مجموعة من الفنانين الرحّالة البهلوانية والمهرّجين والموسيقيين، الذين يمشون على حبل مشدود، وغيرهم من الفنانين، إلى جانب الحيوانات المدرَّبة، وأعمال الأرجوحة والعديد من وسائل الترفيه القديمة والمحبَّبة للصغار والكبار على حدٍ سواء.
وتعود بداية السيرك في مصر إلى أواخر القرن التاسع عشر؛ فقد أصبح يشمل مجموعةً كبيرة من التخصصات وأشكالها التعبيرية؛ حيث العروض العصرية الحديثة التى تخلو من وجود الحيوانات، وهي عروض للمهارة الإنسانية وفن الإضحاك، وكانت البداية سيرك الأزبكية في عام 1869؛ حيث أنشأ الخديوي إسماعيل "سيرك" في منطقة الأزبكية، يُقدّم بين فقراته عروضاً للتمثيل الصامت البانتومايم، ولم يكن الفرق واضحاً في عروض السيرك، بين الألعاب وفنون التمثيل والموسيقى، ثم ظهرت عائلتا الحلو وعاكف عام 1912 في مدينة طنطا، على يد إسماعيل عاكف، الذي كان مدرب جمباز في مدرسة الشرطة، وكان يُقدّم عروضه في خيمة يغلب على فقراتها الطابع الاستعراضي والأكروبات، من دون الاعتماد على الحيوانات، ومن بعده ظهر سيرك الحلو، أول وأشهر سيرك عائلي عربي، وأُنشئ عام 1889، وحاول محمد الحلو الاستفادة من العروض الأجنبية التي كانت تقدَّم في عهد الخديوي إسماعيل؛ فقام بشراء فيل صغير من الفنان الإيطالي "هيجم"، الذي جاء إلى مصر ليعرض فقراته مع الأفيال والخيول، وبدأ الحلو في تدريب الفيل داخل سيركه محاكاةً للغرب.
موافقة الملك على طلب الحلو، باستعارة أسدين
وفي بداية القرن الـ20، وافق الملك فاروق على طلب حسن الحلو ومحمد الحلو، باستعارة أسدين للتدريب، وأخذ الشقيقان يجتهدان في كيفية تقديمهما للجمهور في عرض للحيوانات المتوحشة، الذي كان جديداً في ذلك الوقت، وأُقيم سيرك الحلو في منطقة عابدين، وبعد النجاح العظيم في تقديم فقرة الحيوانات المتوحشة، بدأ حسن ومحمد الحلو يتجوّلان بكل المحافظات المصرية بهذا العرض، الذي حقق لهما شهرة عظيمة في الثلاثينات من القرن الماضي، الأمر الذي جعل الملك فاروق يتمنى مشاهدتهما، وبعدها تم منح حسن الحلو لقب البكوية، الأمر الذي سهّل الكثير من العقبات التي كانت تواجههما فيما يخص التراخيص والموقع الخاص بإقامة السيرك.
أما فيما يخص السيرك القومي؛ فيرجع إنشاؤه إلى ما بعد ثورة 23 يوليو؛ حيث قرر الرئيس جمال عبدالناصر أن ينشئ سيركاً قومياً مقرّه حي العجوزة، ويُطلّ على نهر النيل، كما استقدم الخبراء السوفييت للاستفادة من خبراتهم في مجال السيرك، وتم افتتاحه رسمياً في عام 1966، ولسنواتٍ ظل السيرك القومي المصري رائداً بين الدول العربية.
وتُعتبر عائلة الحلو الجيلَ الأول للمدربين؛ حيث توارثتها جيلاً بعد جيل، وكانت حياتهم مغامرة يومية؛ حيث تميزوا بقدرتهم على تحويل كائن مفترس إلى حيوان مستأنس يُنفّذ أوامرهم، لكنهم دفعوا ضريبة ذلك غالياً؛ فلم يخلُ تاريخ عائلة الحلو من الحوادث التي أودت بحياة بعضهم، كما تمت الاستعانة بهم في كثير من الأفلام؛ فعائلة الحلو أشهر العائلات التي تعمل مع الأسود، ومعها شاركت فرقة السيرك القومي في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ48 عام 2017؛ حيث استطاع جذب زوار المعرض لمشاهدة عروضه، كما شارك في فعاليات الدورة الـ90 لمعرض زامبيا الزراعي التجاري عام 2016 على مسرح مارنجوشي بزامبيا؛ حيث كانت أول مشاركة بعد غياب 20 عاماً، وترجع أهميتها إلى إعادة تعريف دول أفريقيا بقيمة وأهمية السيرك المصري، في خطوة هامة لتبادل الثقافات الأخرى.
مراحل تطوير السيرك
يقول "وليد طه" مدير السيرك القومي: مرّ السيرك القومي بمراحل عديدة للتطوير، ويمكن تقسيم مراحل التطوير إلى مرحلتين: بدأت الأولى في يونيو عام 2011، والثانية مايو 2012، وفيهما تم افتتاح صالة للجيم، ووحدة علاجية للإصابات التي تحدث في السيرك، أما الجيم فهو وسيلة لمساعدة الفنانين على المرونة والمحافظة على لياقتهم البدينة، وفي التطوير الثاني فتح الباب لمدرسة السيرك؛ حيث تم استقبال فتيان وفتيات في مراحل سِنيّة من 6 إلى 21 عاماً، واستقدام خبراء خصوصاً من الصين، ثم كان التطوير الذي شهده السيرك اعتماداً على وجود بروتوكول بين وزارة الثقافة والعلاقات الخارجية الثقافية مع دول مختلفة، في مجال استخدام خبراء أجانب للتعليم والتدريب، بالإضافة إلى تطوير منشآت السيرك.
والتطوير الأخير للسيرك، تَمثّل في تطوير صالة العرض، وتحديث أنظمة الإضاءة والصوت، ووضع شاشة عرض لزيادة المتعة البصرية أثناء العروض، كما تم تركيب شاشة إعلانات خارجية تحقق عائداً مادياً؛ فضلاً عن تطوير غرف الفنانين التي لم تشهد تطويراً منذ فترة الستينات، كما طُوِّر السيرك لحمايته من مياه الأمطار، بإنشاء شبكة صرف حديثة، الأمر الذي يسمح بعدم توقف عروض السيرك في فصل الشتاء.
ويشير طه: إن السيرك القومي المصري هو الأفضل في أفريقيا والشرق الأوسط، من حيث جودة اللاعبين وفناني السيرك، وجودة الفقرات التي تُقدِّم المتعة والإبهار للجمهور، مثل: الساحر والمهرج واللعب مع الحيوانات الأليفة والمفترسة، مثل: الثعالب والكلاب والأسود والنمور، وعن فقرة الفِيَلة، قال طه: "لم تُفلح محاولاتنا في التعاون مع حديقة الحيوان للحصول على فِيَلة حتى الآن".
وعن كواليس التدريب على الفقرات الخطرة، قال طه: "لا يوجد فنان في السيرك لم يتعرض للإصابة أثناء التدريب؛ حتى المهرج يتعرض للإصابة؛ فمن الطبيعي أن يصاحب الفقرات بعضُ فنون الأكروبات، مثل: فن البيسكليت أو البلانصات، وكل فنان مُعرّض للإصابة في أية لحظة؛ لذلك يوجد طبيب مقيم معنا داخل مستشفى السيرك" "حصلنا على موافقة من الجهات المختصة لإقامة مركز تدريب على فنون السيرك، كما ننظم حالياً دورات تدريبية غير منتظمة على فنون السيرك، وهذه الشروط متوافقة تماماً مع قانون الطفل؛ لذلك لدينا أطفال حالياً يتم تدريبهم على فقرات مناسبة لأعمارهم".. هكذا قال مدير السيرك القومي، وأوضح شروط قبول الأطفال بهذه الدورات، ومنها: أن يكون السن من 6 إلى 12 سنة، واجتياز اختبار لجنة التقييم، وأن يتمتع الطفل بتوافق عضلي وعصبي ولياقة بدنية عالية، والأهم أن يكون ملتزماً دراسياً ومتفوقاً أيضاً.
الخيمة المتنقّلة، أحدث التطويرات
وتحدّث طه عن التطوير في السيرك القومي؛ قائلاً: "إن أهم تطوير يشهده السيرك، مشروعُ الخيمة المتنقّلة للسيرك، التي ستجوب كل ربوع مصر، وهي مجهَّزة على أعلى مستوى، وبها الكرافانات الخاصة بالفنانين، ودورات المياه، وعلى ذلك سيبقى السيرك لمدة شهر كامل في كل محافظة؛ حتى تصل فنون السيرك إلى جميع ربوع مصر، مع العلم بأنه تم إسناد مهمة شراء وإعداد الخيمة إلى الهيئة العربية للتصنيع".
وتقول مدربة الأسود بالسيرك القومي المصري لوبا الحلو، إحدى أفراد عائلة رواد السيرك بمصر: "إن عائلة الحلو توارثت هذه المهنة أباً عن جَد؛ حتى بدت المهنة كأنها في جيناتهم، وعلاقة عائلة الحلو بالسيرك، ليس لها ارتباط بالحب أو الكُره؛ حتى تجد أن أغلب أفراد العائلة، تحرُّكهم نحو العمل بالسيرك، يأتي من دون توجيه من أحد، وكأنه ليس اختياراً، لدرجة أنني لم أتخيل نفسي في مهنة أخرى غير هذه المهنة؛ حيث بدأت منذ كان عمرى 3 سنوات، وشاركت في عرض فقرة الأسود بطريقة مختلفة؛ حيث كنت بمثابة أم لها منذ كانت رُضّعاً، وكنت أتعامل معها كما لو كانت أطفالاً، من حيث الاهتمام بنظافتها وإطعامها، وأحياناً آخذها معي في غرفتي وألعب معها؛ حتى صارت تحفظ صوتي، وعندما يبلغ الأسد 5 أشهر، أبدأ معه التدريبات؛ بحيث تكون البداية ساعة أو ساعتين حسب استجابة الأسد للتدريب".