«تحدى المرض واستعد للموت.. أخلص لعمله ولم يره».. كلمات تلخص الأيام الأخيرة للفنان أحمد زكي، أحد أبرز نجوم الفن المصري والعربي، وتعكس حقيقة أنه عاش مؤمناً بأن الإتقان سر نجوميته، والإخلاص لعمله هو ما جعله أيقونة للتقمص وتقديم أفلام السيرة الذاتية ببراعة غير مسبوقة وضعته على عرش الفن المصري والعربي، موهبة "زكي" وإتقانه لعمله لم يكن مجرد شعار يلقيه على مسامع الإعلاميين، بل حقيقة برهن عليها في أصعب لحظات حياته وهو يصارع الموت.
إتقان وعناد
رحل الفنان أحمد زكي عن عالمنا وهو في منتصف الخمسينات، بسبب صراعه مع سرطان الرئة، ورغم شدة المرض فإنه ظل يعمل حتى لحظاته الأخيرة، وتوفي بمجرد انتهائه من تصوير دوره فيلم «حليم»، عُرف عن زكي أنه تقبل مرضه بنفس مؤمنة، فكانت معنوياته مرتفعة وكان واثقاً في الشفاء، واعتبر زكي أن مرضه مثله كمثل عدوى إنفلونزا سيتخلص منها سريعاً، ولم ينقطع عن عمله أو يأخذ قسطاً من الراحة عن إبداعه، وفي آخر حوار صحفي له قال "سأهزم هذا المرض اللعين"، مقاومة أحمد زكي للمرض اقترنت بحالة من العناد الشديد، ليواصل تصوير فيلم "حليم" رغم تدهور حالته الصحية، حيث كان يجري عملية «بذل ماء» من الرئة، كما وقع أيضاً عقد تصوير ثلاثة أفلام آخرين، ولكن العند والإتقان الشديدين لم يكونا في مصلحة احتياجاته الجسمانية ورحلة علاجه، ونصحه الطبيب أكثر من مرة بضرورة الراحة التامة، وهو الأمر الذي لم يلتزم به "زكي" ظناً أن الأمر بسيط، مما أدى إلى تفاقم حالته المرضية وانتشار السرطان.
عندما تفوقت البصيرة على البصر
خلال تصوير آخر أعماله فيلم "حليم" فقد الفنان أحمد زكي بصره، ولكنه فضّل أن يكتم الأمر عن الجميع، فلم يعلم أحد من العاملين بالأمر، وكان يقوم بالإمساك بالجريدة للتظاهر بأنه يقرأ الأخبار كعادته، وعندما طلب منه الطبيب أن يعلن إلى فريق العمل مصابه، رفض "زكي" مبرراً الأمر بأنه قد يتسبب في وقف تصوير الفيلم، وهنا قال الطبيب للمقربين من زكي: "هذا الرجل سيموت في البلاتوه"، واستخدم زكي مهاراته الفائقة في التمثيل والتقمص ليقنع جميع فريق العمل بأنه لم يفقد بصره، وخلال أحد المشاهد كان الدكتور أسامة الباز "مدير مكتب الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك" يشاهد تصوير العمل، وأشاد بأداء "زكي"، ليكتشف لاحقاً من الطبيب المرافق أن "زكي" فاقد للبصر، والأكثر من ذلك أنه كان يجسد المشهد وهو مصاب بجلطة في القدم أيضاً.
الاستعداد للرحيل
قبل رحيل الفنان أحمد زكي بأيام، ومع شعوره باقتراب الأجل، قرر "زكي" أن يقوم بتأليف مشهد رحيله ليكون مستعداً إذا ما جاء أجله، حيث كان يجلس معه الطبيب "ياسر عبدالقادر" في غرفته، ففوجئ بـ" زكي" يتحدث مع ملك الموت وكأنه موجود ليقبض روحه، ويستأذنه بمنحه 10 دقائق إضافية في الحياة لكي يخبر ذويه بمكان سرادق عزائه وأين يريد أن يدفن وماذا يريد في لحظاته الأخيرة، فكان يرى "زكي" أن موهبته وفنه خير ونيس على فراش الموت.