فازت الكاتبة والشاعرة والأكاديمية المصرية فاطمة قنديل، بجائزة نجيب محفوظ للأدب في دورتها الخامسة والعشرين، لعام 2022 عن روايتها أقفاص فارغة. والتي تقدمها سنوياً دار نشر الجامعة الأميركية بالقاهرة. ووصفت لجنة التحكيم المكونة من الدكتورة شيرين أبوالنجا والدكتور ثائر ديب ودينا حشمت والدكتور آدم طالب. أن رواية أقفاص فارغة التى جرى اختيارها بين ثلاثمائة وخمسين عملاً تقدم لنيل الجائزة بأنها لا تتنازل عن الصدق في رواية علاقات العنف الكامنة تحت السطح في حياة أسرة عادية من الطبقة المتوسطة المصرية وعلاقات القوة الجندرية.
تتكون الجائزة من ميدالية فضية وجائزة مالية قدرها خمسة آلاف دولار أمريكي وترجمة الرواية الفائزة للغة الإنجليزية ونشرها ضمن خط إصدارات دار نشر الجامعة الأمريكية المتخصص في الروايات ويحمل اسم هوبو.
وقالت الشاعرة المصرية عقب تسلمها الجائزة في المقر القديم للجامعة الأميركية: "أظن أنني من هذا الجيل الذي كان ينعم بانتظار كتاب جديد لنجيب محفوظ.. من حسن حظي أنني تلقيت هذه الكتب طازجة لتغير مسارات حياتي".
وأضافت: "كنت أتلقاها كرسائل متلاحقة كُتبت لي وحدي، أختلي بها وأضع الخطوط والهوامش حول مقولاتها الأثيرة حتى صارت جزءاً حميماً من روحي".
واستطردت قائلة: "إذا كان هناك درس من بين الدروس العديدة التي تعلمتها من نجيب محفوظ يمكن أن أتحدث عنه الآن فهو أن أرى الإنسان كما هو، لا كما ينبغي أن يكون، أن أراه في حيرته وضعفه وتوقه إلى المستحيل".
أشارت إلى كون نجيب مفوظ فتى أحلام مراهقتها فى بداية السبعينات، فى وقت كان حسين فهمى هو فتى أحلام المراهقات.
وهو ما توضحه قائلة: «كنت منذ طفولتى أنتظر أعمال نجيب محفوظ ويحيى حقى ويوسف إدريس، وعشقى له كبير حتى هذه اللحظة، وكان هناك أدباء مشهورون، ولكنهم ليسوا كتابى المفضلين، ربما كنت أقدر طرح إحسان عبدالقدوس المغامر، لكني لم أكن من قرائه المنتظمين.
كنت أكثر ميلاً إلى محفوظ، وكان ذلك نابعاً من اهتمام أسرتي بأدبه، المناخ العام حولي كان ثقافياً بشكل كبير. بطلة روايتي تشبه شخصية «نفيسة» في روايته «بداية ونهاية»، حيث سقوط أسرة «بداية ونهاية» من طبقة لطبقة هو ذاته سقوط الأسرة فى «أقفاص فارغة» من الطبقة المتوسطة.
لكن بطلتي أقرب إلى شخصية «زهرة» فى روايته «ميرامار»، فإن كانت «نفيسة» سقطت فى إثر السقوط الطبقي، فإن بطلتي أميل إلى «زهرة»، لأنها كافحت لتصلح من حياتها، لم يكن لديها تطلع مادي، لكن لديها تطلع فى التعلم. من جهة أخرى أجد أن «نجيب محفوظ» كتب قصيدة النثر فى «أصداء السيرة الذاتية» ونحن شعراء قصيدة النثر كنا وما زلنا نجرب وننظر لها».
أدب الاعتراف!
ومن المؤكد أن الشخصيات الأخرى لهم قراءة أخرى، إلى جانب مد خيوط شخصيات وأحداث بشكل مختلف عن وعي بواقعها في الأساس. التعامل مع وسيط اللغة حتى مع السير الذاتية يستدعي الخيال بالضرورة». ترصد الرواية تجربة شخصية لا تخشى الأديبة من وضوح ذلك من بداية العمل، حيث تنظر سيدة «ستينية». إلى حياتها السابقة منذ الطفولة، ولدت البطلة فى السويس، وهي نفس المحافظة التي ولدت فيها «فاطمة» لتستمر اعترافات البطلة في تدفق سردي يطيح بفكرة النوع الأدبي، ويلغي سلطته وهو ما تعلق عليه قنديل قائلة: ليس جديداً بالنسبة إلي. وحتى مجموعاتي الشعرية تحتوي مقاطع سردية، فأنا ضد تحديد النوع بشكل صارم، فلنسمها سردية أو أى شيء آخر، من ينتقد الرواية السيرية غير منتبه إلى أهمية اللغة ورؤية العالم وتشكيل الذات، لدينا جميعاً ما هو مسكوت عنه، لكن ما ينظم ذلك سيطرة الوسيط عليك، فالنص ليس مجرد اعتراف مجتزئ.
«والموضوع جزء ولكن اللغة هو الوسيط الأهم».. ومن يهتم بالتصنيف وهو يستمتع بسردية تجرب فى الوسيط اللغوي، كما تشير الأديبة لتقدم لغة عارية تعتمد على جمل مسنونة، وإطار من المفارقة والسخرية رغم مرارة التجربة.
وهو ما تعبر عنه «فاطمة» قائلة: «لأني لم أكتب ما هو مختلف عن الشعر، كنت أصفي اللغة بقصدية، كلما وجدت نفسي أنجرف نحو لغة شعرية، كنت أنتبه بوعي كامل.
ورغم كونها المرة الأولى التي تحصل فيها الشاعرة على جائزة رغم تاريخك تقول فاطمة الشاعر أكثر توارياً من الروائي، وجيل النجوم في الشعر انتهى، والنجومية ارتبطت بقضايا كبرى فمثلاً «صلاح عبدالصبور» الشاعر الأقرب إلى روحي لم يحصل على جوائز. ولا أشعر بالمظلومية إلا فى الأوقات التي لا أكتب فيها.
وأعرف حينئذ أنني خائبة، ولا أكتب، فتنتهي أي مظلومية في لحظة الكتابة، ولا يصبح إي أمر آخر أهمية. ثم إنني لم أتقدم إلى جوائز شعر، ولا ألتزم بقواعد الجوائز الشعرية. بل إنني بين من يسيرون ضد التيار، وحسمت الأمر مع نفسي، وأخذت قراراً بألا تشغلني هذه الأمور، فأنا شخص محظوظ بتقدير الناس ومحبتهم، والقارئ يهمني أكثر من أى شيء آخر.
"الحفاظ على الإرث"
وقال رئيس الجامعة الأميركية أحمد دلال في حفل تسليم الجائزة: "إبداع نجيب محفوظ رسخه كمرجع للرواية العربية دون منازع، وحفر لها مكانتها في الساحة الثقافية، ليس من السهل الحديث عنه وعن إرثه الأدبي بأسطر قليلة".
وأضاف: "نحاول المحافظة على هذا الإرث، نفعل ذلك من خلال إتاحة الفرص للشباب العربي، كما أراد، لإظهار مواهبه الأدبية وتطويرها وتنميتها ليصبح لنا تجسيد متجدد لما يمثله نجيب محفوظ في ذاكرتنا الجماعية وأثره العميق على الأدب العربي المعاصر".