عشقت الفن، فاحترفت النحت الواقعي، وحرصت على تطوير نفسها وصقل موهبتها ذاتياً، مع الالتحاق بالدورات المتخصِّصة، حتى وصلت لمرحلة الاحترافية في نحت دمى الريبورن بملامح عربية جميلة باستخدام السيليكون والفاينل، وتمكنت من أن تصل بعلامتها إلى العالمية.
وكما كان لها هدف عاطفي وإنساني آخر، حرصت عن تضمَّن أعمالها برسائلَ نبيلة. حيث أسهمت في صناعة أطرافٍ صناعية، خاصةً للأطفال، وتقديمها للمصابات بالزهايمر حيث تستخدم بوصفها علاجاً نفسياً للمرضى.
النحاتة الكويتية ابتهال أبل، استضافتها "سيدتي نت" فتحدَّث عن نوعية المجسَّمات التي تقدمها، والصعوبات التي واجهتها في مسيرتها، كما كشفت عن آمالها المستقبلية.
تُعدّين أول نحَّاتةٍ في الشرق الأوسط تقدم دمى الأطفال بملامح عربية وبشكلٍ أقرب إلى الواقع، حدِّثينا عن هذه التجربة؟
تعرَّفت إلى عالم الريبورن عام 2012، حيث كنت أقتني هذه الدمى بوصفها هواية، وبقيت كذلك حتى عام 2017 عندما قررت خوض تجربة نحتها، واستفدت في ذلك من قدرتي على تقديم دمى أقرب إلى الواقع في أشكالها، إضافةً إلى تشجيع الأهل والأصدقاء، ورغبتي في نقل رسالةٍ معينةٍ عبر عملي، فقد علمتُ، عندما بدأت جمع دمى الريبورن، أنها تستخدم بوصفها علاجاً نفسياً لمرضى الزهايمر، إذ إنَّ أغلب مَن يقتنيها من السيدات المصابات بالمرض لا الأطفال، لكن هذا لا يمنع من أن يقتنوها بهدف التسلية، وعندما كبرت قررت خوض هذه التجربة لتقديم عملٍ إنساني، يسهم في دعم المصابات بالمرض، والحمد لله استطعت تطوير موهبتي في زمنٍ قياسي، أذهل كثيراً ممن يمارسون فن النحت، إذ أتقنت أدوات المهنة في أقل من عامٍ.
ميزةٌ جمالية
ما الذي يميِّز منحوتاتكِ عن باقي الفنانين؟
أتلقى دائماً رسائل من هواة وفناني الريبورن، تؤكد أن منحوتاتي لها ميزةٌ جمالية، تختلف عن الدمى الموجودة في السوق، فالأخيرة ذات ملامح أوروبية، ولا ترتبط بمجتمعنا، بينما أقدم منحوتاتٍ بملامح عربية.
هل هناك فنانات في الكويت والوطن العربي يقدمن هذا النوع من الفن؟
حالياً أنا الفنانة الوحيدة التي تقوم بإنتاج أعمالها بنفسها وتوزعها على السوق العالمية، حيث يتعاون معي موزعون معتمدون في دولٍ عدة، هي كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل، المكسيك، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، بريطانيا، السويد، النرويج، ألمانيا، روسيا، أستراليا، وجنوب إفريقيا.
الوصول إلى العالمية عبر هذا الفن، ألا يحمّلكِ ذلك مسؤوليةً كبيرة؟
عندما بدأت العمل في هذه المهنة، لم أتصوَّر يوماً أن أصل إلى العالمية، وأن أنتقل من الهواية إلى الاحتراف، وأن يصبح النحت مصدر دخلي. السوق العالمية تتطلب مستوى عالياً من الحرفية حتى يتلقى الفنان طلباتٍ كثيرة لمنتجاته، وهذه الدمى يجب أن تكون ذات مميزاتٍ معينة، وأن تتصف بالواقعية، وهذا ما وصلت إليه بفضل الله، ما رفع الطلب على منحوتاتي، وأُعدُّ أول فنانةٍ عربية تباع منحوتاتها في دولٍ عدة، ولا أخفيكم كنت متخوفةً في البداية من دخول المجال، فأنا فنانةٌ جديدةٌ ومن الشرق الأوسط، وخشيت ألَّا تلاقي أعمالي القبول عالمياً، لكنَّ المبيعات فاقت التوقعات والحمد لله، وحققت منحوتتي الأولى "سارة" نجاحاً كبيراً، جعلني في مقدمة الفنانات اللاتي تُطلب أعمالهن في عالم الريبورن، الأمر الذي حمَّلني مسؤوليةً كبيرةً بتقديم دمى على أعلى مستوى.
تحويل الهواية إلى استثمار
متى قررتِ تحويل هوايتكِ إلى استثمارٍ؟
قررت خوض تجربة إنتاج المنحوتات بنفسي بعد أن وجدت تشجيعاً كبيراً من هواة الريبورن، وإشاداتٍ، وتعليقاتٍ إيجابية على منحوتاتي، إذ أعطاني ذلك دافعاً لتحويل هوايتي إلى استثمارٍ. وعندما عرضت عليَّ شركةٌ أمريكيةٌ عام 2020 أن تقوم بإنتاج دمية "إسحاق"، التي قمت بصنعها، فوافقت على عرضها، ولأن هذه الشركة تنتج أعداداً كبيره من الريبورن سنوياً، لذا تأخرت في إطلاق "إسحاق" كثيراً، وفي هذه الأثناء كنت قد أنجزت منحوتتي "سارة"، التي استوحيتها من ابنة صديقتي شهد المتروك، وفضَّلت إنتاجها بنفسي خشية تأخر الشركة في إنتاجها أيضاً، والحمد لله أطلقتها في السوق منتصف عام 2020، ولاقت نجاحاً كبيراً لم أتوقَّعه.
لماذا فضَّلتِ التعاون مع شركة أمريكية لإنتاج الـ Reborn Dolls؟
لأنني كنت جديدةً في عالم النحت، وخشيت ألَّا أحقق مبيعاتٍ جيدة، لكنني اكتشفت بعد أن أطلقت قطعتي "سارة"، التي أنتجتها بنفسي، أن الطلب في السوق لا يعتمد فقط على اسم الفنان، وأقدميته، بل وعلى مدى إتقانه عمله وجمال منحوتته بالدرجة الأولى.
تم استنساخ أعمالك في مصانع بالصين بدمى مقلَّدة وإعادة بيعها، كيف تصفين ردة فعلك على انتهاك حقوقكِ؟
وصلني الخبر من صديقةٍ لي، وجدت أعمالي تباع في موقعٍ صيني معروفٍ عالمياً، وعندما بحثت عنه، اكتشفت أن أكثر من 20 بائعاً في هذا الموقع يبيعون منحوتاتي بعد تقليدها من دون إذنٍ مني، وفوراً قمت بحماية أعمالي الفنية عن طريق إصدار شهاداتٍ تضمن حقوقي في الملكية الفكرية، وتقدَّمت بشكوى رسمية للموقع، وطلبت من المسؤولين عنه إزالة جميع النسخ المقلَّدة، وهذا ما حصل. ولاتزال الحرب ضد هذه المصانع مستمرة، لأنها تعيد إصدار قطعٍ عدة، وتنتهك الملكية الفكرية، وفي كل يومٍ أتأكد من عدم تكرارها تقليد وبيع منتجاتي.
مجسمات الأطفال
ما الذي يميِّز منحوتاتكِ عن باقي الفنانين؟
أتلقى دائماً رسائل من هواة وفناني الريبورن، تؤكد أن منحوتاتي لها ميزةٌ جمالية، تختلف عن الدمى الموجودة في السوق، فالأخيرة ذات ملامح أوروبية، ولا ترتبط بمجتمعنا، بينما أقدم منحوتاتٍ بملامح عربية.
منحوتة الطفل، كم تستغرق تحضيراً وتنفيذاً؟
منحوتة الريبورن فاينل تستغرق نحو شهرٍ، وتتكوَّن من الرأس، واليدين، والقدمين، وتكون منفصلةً عن بعضها، وتباع على هذا الأساس، إذ تقوم بشرائها وتلوينها فناناتٌ مختصَّات بالتلوين، ثم تجميعها بجسمٍ قماشي، أما منحوتة الريبورن سيليكون، فتستغرق شهرين إلى ثلاثة أشهر، حيث أنحت كامل جسم الطفل، ثم أعمل قالباً له، بعد ذلك أصبُّ السيليكون، وأحصل على نسخةٍ مصنوعةٍ من هذه المادة، وفي المرحلة الأخيرة أقوم بتلوين المجسَّم وزراعة الشعر له.
مَن يرى المجسَّمات التي تبدعينها يظنها حقيقيةً، ألم تواجهي أي انتقادٍ؟
واجهت ذلك، وما زلت. من وجهة نظري، لهذه الدمى فائدةٌ كبيرةٌ جداً، فهي كما ذكرت علاجٌ نفسي لبعض حالات الزهايمر والاكتئاب، وقد قرأت آراءً عدة لعلماء في الأزهر الشريف بمصر، يؤكدون فيها جواز فن النحت، لذا لا ألتفت لهذه الانتقادات.
تمَّ استخدام مجسَّمات أطفالٍ صنعتِها في مسلسلٍ كويتي، ما نوعية هذه القطع؟
نعم، وهذا أول تعاونٍ فني درامي في مسيرتي، وجاء مع الفنانة هيا عبدالسلام في مسلسل "نبض مؤقت"، ففي أول مشهدٍ في أول حلقةٍ ظهرت منحوتتي "سارة"، التي صنعتها بالكامل من السيليكون، وقد أشاد الجميع بهذا المشهد، الذي قدَّمه المخرج المبدع سعود بوعبيد بإتقانٍ. في هذا المسلسل استُخدمت ثلاثة من منحوتاتي، وأضفى وجودها واقعيةً على المشاهد، ولامست المُتابع، إذ ظنَّ الجميع أنهم أطفالٌ حقيقيون.
هل طوَّرتِ عملكِ بتقديم مجسَّماتٍ للشخصيات المجتمعية المهمة؟
لكل عملٍ فني متعته الخاصة. نحت مجسَّمات الأطفال من أقرب الأعمال لي، لكنني بعد عمل منحوتةٍ للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، ثم الفنان الراحل عبد الحسين عبد الرضا، رحمه الله، اكتشفت أن نحت الشخصيات المهمة لا يقل متعةً عن نحت مجسَّمات الأطفال. ومنحوتة الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، شاركت بها في معرض "ميكر فير 2020" بالكويت، وقد تزامن الحدث مع فترة الأعياد الوطنية في البلاد، ورفضت كل العروض التي قُدّمت لي لبيع المنحوتة، إذ كنت أرغب في مقابلة الشيخ صباح حينها، وتقديمها له بنفسي هديةً، لكنَّ انتشار جائحة كورونا، وقف أمام تحقيقي هذا الحلم.
قدَّمتِ مجسَّماً للفنان الراحل عبد الحسين عبد الرضا، كيف جاءتكِ الفكرة، وأين عُرِضَ المنحوت؟
عمل مجسَّمٍ للفنان عبد الحسين عبد الرضا، يرحمه الله، حلمٌ لأي فنان. في البداية تواصل معي النحات الكويتي بدر علمدار، وأخبرني برغبة الدكتور بشار عبد الحسين عبد الرضا في عمل منحوتةٍ واقعيةٍ لوالده، مبيناً أنه رشَّحني لهذا العمل لأنه يثق بموهبتي، وفعلاً اتَّفقت مع الدكتور بشار على كل شيء حول المجسَّم، الذي استغرق تنفيذه ستة أشهر، إذ قدَّمته بالحجم الواقعي، ويُعرض حالياً في أحد المطاعم الخاصة بابن الفنان الراحل.
العمل الإنساني
تسهمين عبر مهنتكِ في صناعة الأطراف، ما الذي دفعكِ إلى القيام بهذا العمل الإنساني؟
الجانب الإنساني هو السبب الرئيس لتوجُّهي لهذا النوع من الأعمال، خاصةً مع عدم وجود متخصِّصين في الـ prosthetic limbs بالوطن العربي، وأعدُّ تغيير حياة شخصٍ يعاني نفسياً نتيجة تعرُّض أحد أطرافه للبتر أجمل عملٍ في حياتي.
ما أبرز الصعوبات والتحديات التي واجهتكِ ؟
واجهت صعوبةً في عدم توفر المواد الخاصة لإنجاز المجسَّمات، وشحنها وتخزينها، فأغلب هذه المواد تحتاج إلى تخزينٍ بدرجات حرارةٍ منخفضة.
أي الفئات أكثر اقبالاَ على منتجاتكِ؟
يستهوي فن الريبورن كثيراً من الفئات العمرية، السيدات بشكل عام والسيدات اللاتي حرمن من الإنجاب يمثِّلن الشريحة الأكبر من مقتني دمى الريبورن في العالم.
كم يتراوح سعر المجسَّم الواحد؟
الأسعار تعتمد على درجة واقعية المنحوتة، وواقعية التلوين أيضاً، وتبدأ من 350 دولاراً، وتصل إلى 10000، بالنسبة لأسعاري لا أحدِّد سعراً ثابتاً لأي دميةٍ أصنعها، وأفضِّل بيعها في المزادات. وسبب ارتفاع الأسعار، لأن دمى الريبورن تُصنع يدوياً، بدءاً من مرحلة النحت، حيث تقوم الفنانة بنحت المجسَّم بكل تفاصيله، ثم تنتقل إلى مرحلة الإنتاج في المصنع، حيث يتمُّ صنع دميةٍ خامٍّ خالية من الألوان، وتصل إلى مرحلة التلوين وزراعة الشعر، وتستغرق هذه العملية أشهراً، ما يزيد سعرها مقارنةً بالدمى العادية.
موقفٌ غريبٌ حدث لكِ خلال صنعكِ مجسماً؟
قمت بعمل منحوتةٍ لطفلةٍ، لكنني تفاجأت برسالةٍ من سيدةٍ أمريكية، مع صورةٍ لابنتها، حيث ظهر شبهٌ كبيرٌ بينهما.
مشاريع وطموحات
ماذا حققتِ من طموحاتكِ في المجال، وماذا تبقَّى؟
طموحاتي لا حدود لها.عندما أحقق أي هدفٍ، أتطلَّع وأسعى إلى تحقيق هدفٍ آخر، وتفوُّقي في عالم الريبورن أحد الطموحات الي حققتها في زمنٍ قياسي، ولله الحمد، وأتمنى في المرحلة المقبلة إطلاق مركزٍ مختصٍّ بصنع الأطراف الصناعية، التي تتطلب دقةً عاليةً،
ومساعدة الناس في رفع الحرج والأثر النفسي عنهم الناتج عن حوادث البتر والحروق.
ما هواياتكِ الأخرى؟
هوايتي منذ الطفولة العزف على آلة البيانو، فأنا أعشق الفن بكل صوره، وهو لغةٌ مشتركةٌ بين الناس عالمياً، ويصل إلى قلوب الجميع.
أين تحبين قضاء إجازتكِ؟
أحبُّ قضاء إجازتي في تنفيذ أعمالي الفنية بالاستديو الخاص بي في منزلي، وكلما وجدت وقتاً، استمتعتُ فيه بالإمساك بكتلةٍ من الطين وتشكيلها.
ما الرسالة التي توجِّهينها إلى المرأة الكويتية؟
رسالتي لكل امرأة: اسعي وراء شغفكِ، واخلقي لنفسكِ الفرصة في المجال الذي تحبّينه، فالإبداع يكمن في عمل ما نحب، ولا تستسلمي أبداً، واجتهدي في تطوير قدراتكِ ومهاراتكِ حتى تصلي يوماً ما إلى المكان الذي حلمتِ به.