فنانة أميركية من أصول بيروفية، تعتمد أعمالها على سيكولوجية الإنسان وتأثير نمط الحياة السريع فينا نحن بوصفنا بشراً من خلال نحت الضوء لتستكشف علاقة المجتمع بالتاريخ والتكنولوجيا والهندسة المعمارية للمدن.. أعمالها التركيبية الضوئية عبارة عن مقاطع فيديو وإضاءة وعناصر إلكترونية. تحاول من خلالها اكتشاف الفهم البشري للعالم. إنها تستخدم عناصر الطبيعة الأساسية (النار والماء والأرض والضوء). كما أنها تغوص بعمق في المشاعر الإنسانية العميقة لاستكشاف الروابط مع البيئة الاجتماعية للفرد. هي الفنانة جريمانيسا أموروس (Grimanesa Amorós) التي قابلناها لنتعرف إلى ارتباط الثقافة بالتكنولوجيا في أعمالها الفنية.
قد يبدو عملي الفني كجسد بشري، وقد أراه أنا على أنه شبكة من الخلايا العصبية المترابطة
AMPLEXUS كلمة لاتينية تعني (العناق)، وهو تركيب منحوت ضوئي يجسد الهوية العالمية. تم تصميمه خصيصاً للنسخة الثانية من مهرجان نور الرياض 2022؛ وهو ما لفتنا من أعمال الفنانة جريمانيسا، فالعمل بمعناه العميق، كما تقول، احتضان للوعي المجتمعي الجماعي، والهندسة المعمارية للمدينة، والسحر الجامح للصحراء نفسها، تشرح قائلة: «كان شروق الشمس وغروبها وكثبان الصحراء في الرياض مصدر إلهام لإنشاء AMPLEXUS، مع إعادة تفسير العمارة الإسلامية التقليدية في عصر رقمي، الأمر كله يتعلق بالتوازن (Yin-Yang)، فاللون الأحمر قد يعني الحب والعاطفة للبعض، وبالنسبة إلى الآخرين قد يعني الدم أو شيء أقوى».
قصب نباتات التوتورا
من وجهة نظر الفنانة أموروس، فإن الثقافة والتكنولوجيا مرتبطتان ببعضهما البعض بشكل لا يمكن فيه أن تنفصلا، فالثقافة وعاء متسع يتضمن مختلف جوانب حياتنا اليومية، وأفكارنا ومعتقداتنا، ومن خلال التكنولوجيا وأدواتها، نعيد توظيف موروثاتنا الثقافية في سياق حديث، تعلّق قائلة: «كل ما في الأمر أننا نحاول سد الفجوة بين التكنولوجيا والتاريخ، فعندما نكون صغاراً، كنّا ننظر إلى الأشياء بشكل مختلف، والعالم في تطور مستمر وسيبقى كذلك إلى الأبد؛ لأنه لا يتوقف أبداً، لذلك طورت العديد من القطع المتعلقة ببيرو، كان أحدها هو «أوروس هاوس UROS HOUSE، وهو مشروع بتكليف من «برنامج تايم سكوير أليانس العام للفنون»، استوحيته من نمط حياة السكان في ساحل بونو في بيرو، وتحديداً في جزر أوروس العائمة، وهي جزر اصطناعية عائمة تصنع من قصب نباتات التوتورا التي تنمو في بحيرة تيتيكاكا، فشعب الأوروس يصنعون كل شيء من المنازل إلى القوارب إلى أبراج المراقبة منه، وما قمت به في عملي الفني هو إعادة تجسيد معاصرة لهذه المنازل، وما يمتزج معها من زبد البحر، مع الحفاظ على الشكل التقليدي وتقنية صناعة تلك البيوت الفريدة».
تابعي المزيد: حازم الأهدل لـ"سيّدتي": فني الدمج بين التصوير الفوتوغرافي والتصميم الجرافيكي
لمست ذلك السحر الخاص
لكل بلد، كما تؤكد مبدعة AMPLEXUS، جوانبه الثقافية والتراثية والطبيعية التي تميزه، وهو ما ينعكس بشكل كبير على الأزياء والتصميم الداخلي والمعمار بشكل بارز، هذه المكونات والاختلافات الثقافية المميزة هي أكثر ما يلهمها، إضافة إلى ثقافتها وتراثها، تستدرك قائلة: «في الآونة الأخيرة زرت دولاً عدة في الخليج، فإلى جانب إقامتي في المملكة العربية السعودية لمدة شهرين، فقد استمتعت برؤية المملكة ومشاريعها التي تتطلع إلى المستقبل، وتحقيق المزيد من التقدم، إضافة إلى زياراتي الكثيرة لعددٍ من البلدان الأخرى في المنطقة، مثل: مصر، والأردن، وقطر، وعُمان... وغيرها؛ حيث تمكنت من مشاهدة ذلك الثراء الثقافي الذي تتمتع به، وأُتيحت لي الفرصة للتعرف إلى بلدان لطالما قرأت عنها في الكتب؛ ما وفر لي تجربة فريدة من نوعها؛ لأنني في كل بلد لمست ذلك السحر الخاص، الذي سينعكس بالضرورة على الأعمال والمشاريع المستقبلية.. نحن بحاجة إلى بيئتنا، ودائماً ما نعيش تحت تأثير كل هذه العناصر التي ذكرتها، وقبل أن أبدأ في وضع المخططات والرسومات المبدئية للعمل الفني، أعمل على إجراء بحثٍ مكثف حول هندسة المباني التي ستحيط بعملي الفني وموقعه... ثقافة المكان هي الجوهر الذي تتمحور حوله مجمل أعمالي الفنية».
ألهمني شروق الشمس وغروبها وكثبان الصحراء في الرياض لإبداع AMPLEXUS
قدرة الطبيعة
آخر عمل فني أنجزته الفنانة أموروس كان بعنوان «ساينشا SCIENTIA»، وهي كلمة لاتينية معناها «المعرفة»، جمعت فيها ما بين فن الفيديو وتجهيزات الإضاءة، بتكليفٍ من «مشروع جودة الحياة»، وعنه تقول: «انقسم العمل إلى عنصرين، فإلى جانب التجهيز الضوئي نفسه، ركبت شاشة مواجهة له لعرض المادة المصورة، فيما بدا حواراً دائراً بين القطعتين، فقد قصدت بالعمل الحديث عن المشاعر الإنسانية، ومحاولاتنا لاستكشاف علاقاتنا وفهمنا للعالم، بما هي وسيلة للوصول إلى ذاتنا في جانبها العاطفي، أنا أؤمن بالطاقة التي تفيض من حولي وما أسميه «رومانسية المجهول»، فكل يوم هو بمنزلة تجربة جديدة، ولهذا السبب يحتل السفر مكانة خاصة من حياتي، وكما نعلم فالعالم كبير، ومن خلال السفر أواجه حداثة دائماً ما تتحداني، والسفر يمنحنا فرصة تبادل الخبرات؛ حيث إن خبراتنا هي ما يشكل ماهيتنا، وهي ملكنا وحدنا، وغير قابلة للأخذ والعطاء، وعند إنشاء أي عمل فني خاص بموقع ما، أقوم دائماً بربط القطعة الفنية التي أعمل عليها بطبيعة الموقع وتاريخه، فالطبيعة بالنسبة إليّ هي التجلي الأمثل للجمال، وهي تمتلك قدرة غير محدودة على إبهارنا، وهذا ما حدث لي عندما شاهدت الشفق القطبي لأول مرة في آيسلندا، وأما التاريخ، فهو المنبع الذي أتينا منه، والطريق الذي يمكن من خلاله أن نفهم ماضينا والمشتركات التي تجمع بعضنا البعض».
تابعي المزيد: برنامج الإِقامة الفنية «البلد» تعزيز لريادة الأعمال الفنية السعودية وتحفيز المبدعين
الخلايا العصبية المترابطة
جريمانيسا مأخوذة بروعة التشابكات في أعمالها الضوئية بشكل يماثل روعة تشكيل الجسد البشري، هكذا يفسر من يرى أعمالها، فهدفها، كما تقول، أن تجعل الناس يفكرون ويحصلون على الإلهام ليكونوا مبدعين، توضح قائلة: «قد يبدو عملي الفني كجسد بشري، وقد أراه أنا على أنه شبكة من الخلايا العصبية المترابطة. لدينا جميعاً مقاصدنا ومخيلتنا الخاصة لتفسير ما نراه، وهدفي أن أدفع كل شخص للتفكير والتشكيك في ماهية مقاصدي، وبصفتي فنانة، فإن لديّ بضع ثوانٍ لالتقاط تركيزك، وإذا كان بإمكاني أن أجعلك تتوقف وتفكر لثانية واحدة فقط، فقد حققت هدفي».
حبي لأوجه الشبه
شاركت ضيفتنا المبدعة في برنامج Art In Embassies مرتين؛ بسبب فضولها لاكتشاف العالم، وحبها لأوجه الشبه والاختلافات فيما بيننا، وقد حصلت كذلك على منحة الزمالة الوطنية للفنانين في الفنون البصرية، وصندوق منح السفر للفنانين، تختم كلامها قائلة: «هذا ما سمح لي بالسفر إلى غرب أفريقيا، وهي منطقة جديدة تعرفت فيها إلى جوانب كثيرة من حياة الناس في الأقاليم الأفريقية الغربية، وقد ركزت في ملاحظاتي على الجانب الروحاني، فهذه الشعوب تمتلك حباً واحتراماً عميقاً لجذورها، ومتصلة بقوة بأوطانها، إنها شعوب دائمة التذكر لماضيها على الرغم من معايشتهم للحاضر يوماً بعد يوم، لقد كانت فرصة رائعة لتوسعة معارفي من خلال التعرف إلى ثقافة جديدة كلياً».
تابعي المزيد: فنانة البلورات البراقة سارة شاكيل: أحاول إنشاء جسر متلألئ بين المجتمع والمعرفة
