لا ينسى أحدنا قصة الأرنب والسلحفاة، التي طالما سمعناها في طفولتنا؛ حيث ارتبط بأذهاننا بالسرعة والجري والغرور في آن معاً، كما عدّ الأرنب رمزاً للازدهار والوفرة والخصوبة، ويرجع ذلك أساساً إلى قدرته الإنجابية، فوجوده في حياتك يعني أنه لن يكون من الصعب عليك التعبير عن سعادتك وإظهار مشاعرك لمن تحب. هذا ما قصدته الفنانة الروسية أناستاسيا روستانينا، التي تبدع بتجسيد منحوتاتها من أستونيا، وعلى الرغم كل الوداعة والهدوء، اللذين يظهران على ملامحها، وحتى في شخصيتها، فإنها شخصية تسارع لنيل فرصها، التي ستقربها من أهدافها، كما تبوح من خلال فنها، لهذا لا تجد بأساً لكونها في دائرة الضوء.
كانت أناستاسيا تحب صنع أشكال من الطين في حديقة بيتهم الخضراء في الصيف، تحاول تطويع الطين يمنة وشمالاً بأصابعها الصغيرة، تتابع قائلة: «شعور بالسعادة والراحة، لا يمكن وصفه كان ينتابني، ما زالت رائحة الطين تعبث في أنفي، وما زلت أتذكر حالة الدهشة وأنا أنظر إلى ذلك التحول بالشكل الذي أحدثته أصابعي بشكل لا يصدق، وفي سنوات المراهقة قررت أن أربط حياتي بالإبداع؛ لأنه يتيح الفرصة لنقل تصوري العالمي وذوقي، إضافة إلى تقديم شيء جميل إلى هذا العالم».
تقنية السيارات الفاخرة
تمر أعمال أناستاسيا بخطوات تنفيذ دقيقة؛ حتى تخرج القطعة الفنية بملامح إنسانية، لها نظراتها الخاصة، وابتساماتها التي تبدو مليئة بالحرج، فهي تبتكر كل منتج بمهارتها اليدوية، تستدرك قائلة: «هناك مراحل عدة لإنشاء منحوتاتي، قبل أن تخرج للضوء، كل شيء يبدأ بفكرة مختلفة عن الأخرى، أحددها ثم أنحت نموذجاً أولياً من الطين. تأتي لاحقاً عملية إنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد للتصور، ثم أصنع المنحوتات الحقيقية من مواد حديثة، وكأنني أقوم بتقنية التوثيق، أستخدم من خلالها الجبس المنحوت، والبلاستيك البوليمر المركب، والذهب، والمعادن الأخرى. المرحلة النهائية هي رسم وتلميع النحت بتقنية السيارات الفاخرة. هناك أيضاً منحوتات حصرية وضعت فيها الأحجار الكريمة، يساعدني زوجي، مصمم المجوهرات فاليري جروموف في ابتكارها، بالطبع، يعتمد كل عمل ومواده على الغرض الذي صنع لأجله، لذلك يمكن وضع منحوتاتي في المنزل؛ ما يمنحها الراحة والأناقة، وكذلك في أماكن العمل».
تابعي المزيد: النحاتة الكويتية ابتهال أبل لـ سيدتي نت: رسائل إنسانية أدخلتني مجال الريبورن
تشكيلي لمخلوق BUNNY
يتكرر مشهد الأرنب في أعمال أناستاسيا، ذاك الرمز الذي حمل صفة الذكاء الحاد في الثقافات القديمة، بسبب اتساع عينيه، وكبر حجمهما، وأذنيه الطويلتين اللتين تعبران عن الإنصات والتحذير من المخاطر، كل هذا تأخذه فنانتنا الروسية بعين الاعتبار، وهو مدرج في خططها الفنية، تستطرد شارحة: «تشكيلي لمخلوق BUNNY ليس عفوياً، كما أنني أقوم بإبداع العديد من المنحوتات على شكل حيوانات، وعلى الرغم من أنني أعرض الكثير منها على الإنستغرام وقد تبدو متشابهة، لكنها تختلف عن بعضها باللون والملمس، كل لون وكل ملمس يبوح بأسرار نفس بشرية، حتى يتمكن المشاهد من معرفة المزيد ورؤية الاختلافات المحتملة. تمثل روح الأرنب الخجل والتواضع، وتعني أن هناك دائماً أشياء في هذا العالم سيكون من الصعب عليك القيام بها بسبب سمات الشخصية هذه».
منحوتات فضائية
يثير علم النفس الفنانة الشابة، فهو يساعدها على النظر إلى العالم بنظرة منفتحة وجديدة، لتبدع منحوتات مختلفة، بخطوط جريئة ومليئة بالإيجابية. وتترك للمتلقي أن يفسر عملها كما يشاء، وهي مقتنعة بأن الشخص يجب أن يفعل فقط ما يجلب له السعادة الحقيقية. تتابع: «في عملي LOTUS رأى بعضهم أنه يفسر تأثري برحم الأم، بصراحة لم أفكر بهذا التفسير، من قبل أستطيع أن أقول إن الأم هي شخص مميز للجميع. كانت والدتي هي التي أعطتني طعماً للجمال، كما أن الثقوب والفجوات الموجودة في أعمالي تدعم بنية تصاميمي وإيقاعها».
لفتنا تمثال قطة فضائية، بين أعمال أناستاسيا، وهو يعني من وجهة نظرها، القفزة القوية إلى الأمام في المستقبل. والسفر في الفضاء واستكشاف المجهول. تعلّق: «نظراً إلى أنني لا أحب كل شيء قياسياً، فقد أردت الجمع بين القطة وخوذة رائد الفضاء، واستكمال النحت بلمسات لطيفة تميز الحيوان».
تابعي المزيد: بعد أن كانت مهددة بالزوال أنامل ناعمة تعيد الحياة للمهن التراثية
منحوتات تكشف الأسرار
تمر أناستاسيا في عملها، بمراحل تتطلب الاهتمام والصبر. لكن الأكثر إثارة للاهتمام وتعقيداً بالنسبة إليها هي منحوتات LOTUS وBUNNY، التي تتطلب نهجاً مختلفاً، من حيث التنفيذ والتفاصيل، وقد يستغرق إنجاز المنحوتة أسابيع عدة حتى ترى الجودة التي تريدها.
وهي تقدر كل المدارس الفنية، بدءاً من الفن التعبيري، ومروراً بالتأثيري، وليس انتهاء بالكلاسيكي، وبما أن النحت تحديداً من الفنون التي يختلف تقديرها حسب المادة المستخدمة فيها، فهي تعد أسلوبها في ابتكار أعمالها، حسب قولها، فريداً؛ لأن تصاميمها مختلفة عن بعضها البعض، في اللون والملمس، الذي يكشف الكثير من الأسرار، فهي تسعى إلى التميز فيها، والوضوح المعماري، والاهتمام بالتفاصيل والمنطق في الأشكال.
تفضل الفنانة الروسية استخدام المواد الحديثة، مثل البلاستيك الحراري، الذي يتميز بالقوة، وراتنج الإيبوكسي الصديق للبيئة. وتحاول استخدام التقنيات الحديثة، التي توفر المزيد من خيارات الألوان والتأثيرات، تعلّق قائلة: «على سبيل المثال، لون الحرباء، الذي يضيء بظلال مختلفة تحت ظروف الإضاءة المختلفة، يبدو جذاباً للغاية.»
كل عمل هو عالم جديد
تشارك أناستاسيا بانتظام في المعارض الدولية مثلINDUSTART ، وهي، كما تقول، تقوم بتوسيع نظرتها وتطوير قدرتها على الملاحظة، وهذا الشهر أقيم معرض لأعمالها في فان جوخ للفنون في ميلانو، قدمه معرض الفن الدولي لعملاء بارزين في العالم، وسيتم تقديم المنحوتات في العاصمة الإسبانية مدريد. وأخيراً، تم افتتاح متجر ftNFT المادي الجديد لها في دبي؛ حيث يتم تقديم منحوتاتها هذا شكل فريد وحديث! «هناك أمثلة رائعة لنحاتات عربيات أستمتع بمشاهدة ثنايا أعمالهن وخلق القطع الفنية، كما أنني من عشّاق المتاحف في الدول العربية».
لا تواجه أناستاسيا أي صعوبات في المهمات المراد إنجازها، بعد رحلة إبداعية استمرت 15 عاماً، أنتجت فيها أعمالها في بلدان مختلفة، مثل: إيطاليا، وروسيا، وأوكرانيا، وإسبانيا، وإستونيا. وكل منحوتة تبدعها تمثل تحدياً لها لتفرد موادها وتقنيات غير القياسية، تعلّق: «كل عمل هو عالم جديد تماماً؛ حيث تظهر صورة التمثال بشكل عفوي دائماً، عندما يغمر وعيي ذلك التدفق الإبداعي، ومن أجل أن تتبادر إلى ذهني فكرة إبداعية، أحتاج إلى التخلي عن الزحام والتواصل مع الطبيعة.. أحتاج إلى أن أشعر بالطاقة من حولي، فقط مع العقل الهادئ تأتي الأفكار. كما يلهمني الناس، أو الطبيعة، أو الموضة، أو الهندسة المعمارية. أنا حقاً أحب البساطة والألوان التي تنتج من مزج بعضها ببعض، أحب أن أصنع لغة خاصة بي».
تابعي المزيد: خبازة سويدية تصنع من الخبز منحوتات معقدة لشخصيات هوليوود الأسطورية