بدأت الطفلة الإيطالية الصغيرة دلفينا كورتيز Delfina Cortese بإرضاء شغفها من خلال الرسم.. كانت ترسم دائماً، على أي مكان يطالعه قلمها، مهما كان، حتى على الجزء السفلي من واجب الرياضيات البيتي. وفي سن السادسة، كان التقرير المدرسي الأول يؤكد أن مستقبل هذه الفتاة هو المجال الفني لا محالة، فقد كان طريقها واضحاً منذ البداية. من الطفولة إلى الشباب، تخرجت دلفينا كورتيز في جامعة الهندسة المعمارية في ميلانو، وكما حدث لكثير من الناس، تروي الشابة الإيطالية، كيف جاءت للعمل في دبي، فقد أرسلها الأستوديو المعماري الذي كانت تعمل فيه من إيطاليا إلى فندق ياس.. وإلى الفورمولا وان في أبوظبي، في عام 2008. في ذلك الوقت، لم يستهوِها المكان، الذي كان يتصاعد كالبرق.. لم تفهم دبي بوصفها مدينة، من هنا بدأت مغامرة حياة لا تصدق، كما تصفها، فهي تعتقد أن الشرق الأوسط منحها فرصة للرسم باللون الأبيض، الذي أعطاها الكثير، ليصبح المكان منزلها، وعلّقت بقولها: «أحب دبي، هي باب للعالم».
التكنولوجيا تدخل في أدق تفاصيل المنزل وتتحكم في وظائفه، ولكن تبقى الصلة بين التصميم وحاجات الفرد وطيدة
فيلا محمد العبّار
بعد 20 عاماً من الخبرة، 13 عاماً في دبي، 5 سنوات عملت مع إعمار، افتتحت أستوديو دلفينا للتصميم الداخلي في وسط مدينة دبسDelfina Design. وأصبحت لديها مشاريع في دبي وجدة وإيطاليا والساحل الفرنسي، تقول عنها: «قصة تلك المشاريع هي قصة كل مشروع متفرد قمت بتنفيذه، ومهنيتي جعلتني قادرة على القيام بذلك، وأنا فخورة جداً بجميع المشاريع التي عملت عليها في دبي. فمنذ البداية من خلال الأستوديو الخاص بي، أدرك تماماً ميزانية العميل، وأصمّم الأفضل له، وربما كان أروعها فيلا خاصة لرئيس مجلس إدارة شركة إعمار، السيد محمد العبار. وقد امتدت هذه الفيلا على مساحة تجاوزت 3500 متر مربّع من المشروع السكني الراقي. كان هذا بالتأكيد شرفاً لي، كما أنني فخورة جداً بالعمل في معرض دبي إكسبو لتصميم نادي VIP 2020، وهي تمتدّ على 9000 متر مربع من المطاعم والصالات الراقية».
حكايات التراث
تجد دلفينا أنه عندما يطلب أحدهم تصميماً داخلياً لمنزل أو مشروع سكني، يجب أن يعكس المنزل شخصية المالك، وثقافته، فحسب تعبيرها، ثقافة العميل وحده بملامحها وغناها وانفتاحها، وحتى رائحة أرضها، هي ما ستأخذ طابع المكان. ومن هنا تبدأ مهمتها في مساعدته باستخدام مهاراتها للحصول على أفضل نتيجة تغوص فيها عبر ثقافته، وذوقه، وتفضيله، وميزانيته، وحتى إنجاز المشروع في فترة معقولة، تعلّق: «يجب على المرء أن يعيش في المنزل ويكون مرتاحاً فيه، ولا يشعر بأنه غريب. وعندما يتم تكليفي بتصميم داخلي شرقي، أبحث أولاً وأخيراً عن الدفء الجميل الذي يتميز به الشرق، وأثري المكان من منابع ثقافته العريقة، التي تجسّد صوراً تمرّ كفيلم تاريخي، وقصص تروي حكايات التراث الذي يخصّ هذه الثقافة. فأنا أمتلك الخلفية والأسلوب الذي سينعكس بالتأكيد على المشروع، وأعتقد أنّ المزج بين الغرب والشرق أمر مثير جداً للاهتمام في التصميم، وعندما أقوم بهذه المهمّة أضع في بالي فكرة واحدة، وهي أن المشروع للعميل ومهمّتي فقط هي توجيهه».
نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع المصممة شذى خليل: عالم الابتكار يؤرقني حتى تتحقق رؤيتي
المفتاح السري
يعرف الطراز الإيطالي بأنه مزيج بين الإغريقي والروماني؛ حيث كانت جميع خطوط تصاميمه مستوحاة من المتاحف والمعابد الرومانية. ثم تطوّر شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح يزيّن بالزخارف، إضافة إلى الخرط والتطعيم مع استخدام التنجيد بكافة أشكاله وأقمشته. وقد تدرج أثاث هذا الطراز بمراحل متعدّدة، تتابع دلفينا: «تعتمد التصاميم الداخلية للمنازل الإيطالية، في العصر الحديث على ذوق أصحابها؛ حيث تخلّوا عن الأسلوب النمطي للذوق، فهم يركزون اليوم على تقديم المنزل بطريقة كلاسيكية مبسّطة مع أثاث عملي، مستخدمين بعض القطع الفنية الفريدة والجميلة. لذلك أقول لكل امرأة تبحث عن تصميم لبيتها، اتبعي هواك وشخصيتك، واعثري على المصمّم المحترف الذي يترجم طلباتك، فهذا هو المفتاح السرّي، الذي قد يكون أحياناً مرتبكاً بعض الشيء، لكن تأكدي أنك ستحصلين على أفضل نتيجة».
هكذا يدوم رونق اللون
تختار دلفينا قطع الأثاث التي تكون متداخلة الألوان، لكنها، كما تقول، لا تتبع الموضة العالمية أو الاتجاهات السائدة. فالاتجاهات تمرّ بسرعة كبيرة، وقد تستمرّ لموسم واحد فقط. تستدرك: «أفضل وأريد أن تستمرّ مشاريعي أكثر من موسم، وأن تكون خالدة. أختار دائماً الألوان التي تنسجم مع رحابة المكان، ومصدر الشمس الذي يدخله، ومفهوم البيت بشكل عام، ومن ثم ما يناسب صاحبه. هكذا يدوم رونق اللون، إلى أن يقرّر العميل تغييره، لا لشيء إلا رغبة في التجديد».
ومن عالم الديكور أيضاً اخترنا لك هذا اللقاء مع المصمم إتيان بسطرمجي: أعمالي متأثرة بأسلوب الحد الأدنى والمدرسة الوحشية
حماماتنا منتجعات!
المواد الإيطالية الصنع، من مورّدين حاصلين على شهادات عالية، تضمن أن المشروع يحترم جميع معايير الاستدامة. برأي دلفينا، هي لا تستخدم إلا مواد تتماشى مع حماية البيئة، وطالما تلقت أسئلة عن تصورها لتصاميم المنازل في المستقبل، وعن أهمّ تحوّل يلفت انتباهها فيها. تتابع قائلة: «على الرغم من أن التصميم مستقبلي، كما نحبّ أن نسمّيه، فهو في كلّ الأحوال يحتاج إلى تلبية الحاجات التي كانت لدينا وستستمرّ إلى المستقبل، مثل تصميم غرفة لتناول الطعام، وأخرى للنوم، وما إلى ذلك... فضمنيّاً ستبقى الصلة بين التصميم وحاجات الفرد وطيدة، وما سيحدث أن وجود التكنولوجيا سيكون من أوسع أبوابه، وستدخل في أدق تفاصيل التصميم المنزلي، وستتحكم في وظائفه؛ حيث ستصبح الحمامات عبارة عن منتجع صحي، ومساحة للاسترخاء. فالاعتناء والرفاهية في المعيشة الصحية، ازداد بشكل لا يصدّق في السنوات الماضية، حتى المطابخ أصبحت مساحة ترفيهية أكثر من كونها مكاناً لطهي الطعام (نظراً إلى الطلبات الهائلة عبر الإنترنت). الشيء الوحيد الذي سيختفي تماماً من المنزل هو رفّ الكتب، وجدار المكتبة؛ حيث باتت هذه المنتجات كاسدة، وغير مطلوبة من شركات الأثاث، ومبيعاتها هي الأقلّ، وهو تغيير لا أراه جيداً».
كتاب ألهمني
بدت دلفينا معجبة، بل عاشقة جداً، لكتاب ألهمها وهو The Fountainhead، من تأليفAyn Rand ، الذي صدر عام 1943. تقول عنه: «هو ليس كتاباً عن التصميم، ولكنه قصة عن اثنين من المهندسين المعماريين وحياتهما، كانا صديقين يتبع أحدهما المال الذي ضحّى لأجله بمعتقداته ومبادئه، فيما يتمسّك الآخر بمبادئه، غير مكترث بأي بريق مادّي. هي قصة أخلاقية في الحياة من خلال عيون مهندسين معماريين. هذا الكتاب علمني التمسّك بمبادئي، وشكّل أفضل إلهام لي في عملي».
مسيرة دلفينا المهنية لم تنته، وإذا كان هناك أي شيء لم تصمّمه بعد، فبرأيها أنه سيأتي! ما دامت إبداعاتها تنتقل بين التصميمات السكنية والتجارية إلى الضيافة، تتابع قائلة: «أنا أركز الآن أكثر على الضيافة، وأودّ أن أصمّم فندقاً في الصحراء، لكنني ما زلت بحاجة إلى المزيد من الاستكشاف؛ لأنه سيكون مكاناً للتأمّل واليوجا وللاستجمام الطبّي، وسط طبيعة من رمال تحتاج إلى عين ثاقبة لتتمكّن من التقاط هذا الجمال،. فالناس يبحثون عن المزيد من الأماكن التي يهربون إليها.. مكان يجعلهم يمارسون الاسترخاء، والتركيز، وأعتقد أن الصحراء يمكن أن تقدم ذلك، وآمل أن تأتي الفرصة قريباً».
دلفينا، التي تدير فرعاً في دبي وميلانو، وقريباً على الساحل الفرنسي، ستفتتح في يونيو القادم، فيلا تاريخية قديمة مملوكة لكاتب مشهور جداً في بيزا، بإقليم توسكانا في إيطاليا، بعد أن قامت بتحويلها إلى الاستخدام التجاري لعميل مطوّر كلّفها بهذا الإبداع.
«الأناقة لا تعني أن تُلاحَظ، بل تعني أن يتمّ تذكّرها»، هي عبارة لمصمّم الأزياء جورجيو أرماني Giorgio Armani، تذكّرتها دلفينا، عندما طلبنا منها نصائح من الأناقة الإيطالية للسيدات اللواتي يرغبن في تصميم بيوتهنّ؛ إذ تقول: «يجب أن يكون لكل شيء معنى. لا شيء نختاره لمجرّد التباهي به. في منزلي كلّ قطعة لها قصة، من رحلة أو ذكرى.. هكذا تختارين تصميم منزلك. وأخيراً وليس آخراً، تحضرني جملة كتبها ألدو غوتشي Aldo Gucci، قال فيها »يتمّ تذكّر الجودة لفترة طويلة بعد نسيان السعر». هذا لا يحتاج إلى تفسير. الجودة هي دائماً الأولوية بغض النظر عن التكلفة، لذا فإن الأناقة والجودة هما أفضل النصائح مع ما ستحصلين عليه بأفضل نتيجة».
ومن عالم الديكور نقترح عليك لقاء المصممة Bani Singh: أعمالي تجعل المساحات «تهمس» وتثير المشاعر