تعدّ واحدة من أبرز المصممات الشابات في السعودية، وسرّ ذلك ما تمتلكه من موهبة، وما تقدّمه من أفكار فريدة، بعد أن نجحت في رسم مسار ثابت لنفسها بقطاع الأزياء منذ إطلاق علامتها التجارية عام 2013. المصمّمة نور الظاهري، حاورناها في «سيدتي»، فكشفت لنا عن واحد من أكبر المشاريع في تاريخ علامتها التجارية، نفذته مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وصمّمت من خلاله أكثر من 1000 قطعة لمنسوبي الهيئة، استوحتها من الطبيعة الجغرافية الخلَّابة للعلا، والمناطق الأثرية، والتراث السعودي العريق، كما تطرّقت إلى جوانب من مسيرتها في عالم التصميم لم تكشفها من قبل.
بدايةً، عرّفينا على نور الظاهري.
مصممة أزياء، تخصّصت في علوم الحاسوب، ودرست الماجستير في الذكاء الاصطناعي من هولندا، أي أن دراستي بعيدة كل البعد عن مجال عملي، الذي دخلته في سنّ صغيرة إرضاء لشغفي بالأزياء، ورغبة في تحويل موهبتي إلى قطعٍ حقيقية.
كيف كانت بداياتك في التصميم، وكيف أطلقت علامتك التجارية؟
خلال دراستي الثانوية، كنت أُدخل تعديلات على ملابسي، فأحوّل الفستان إلى تنورة، والقميص من قصّة إلى أخرى. ثم بدأت بالتصميم لنفسي، وتدريجياً صرت أصمّم لمَن حولي. وعندما زاد الطلب على تصاميمي، أخذت قراري باحتراف المجال، وإطلاق علامة تجارية خاصة بي، فكانت «نور عباية»، العلامة البسيطة، التي اقتصرت في بداياتها على العباءات فقط. ونتيجة الطلب المتزايد، قرّرت تخصيص هوية مميزة للعلامة، تشتمل على رؤية وتصورات واضحة، إلى جانب إنشاء موقعٍ إلكتروني، واستقطاب فرق عمل مختصة في التسويق والإدارة وغيرهما. وبعد رواج قطعنا، صرت أُنتِج القفاطين والفساتين، مع العلم أننا أخذنا وقتاً كافياً في كل مرحلة حتى نحظى بالنجاح، ونؤسّس لما بعدها بثبات. مثلاً في مرحلة العباءات بقينا سبعة أعوام ثم ثلاثة في القفاطين، ثم عامين في الفساتين، لنقدم ما يرضي عميلاتنا وينال إعجابهنّ.
كسب ثقة العملاء
ما التحدّيات التي واجهتك؟
من أكثر التحدّيات التي واجهتها منذ بداية إنشاء العلامة في 2013 ثقة الناس بالتجارة الإلكترونية، ففي تلك الفترة لم تكن قوانين البيع الالكتروني قد سنّت بعد، إذ كان مجالاً جديداً، لذا كان التحدّي في كيفية كسب ثقة العميل، لا سيما أنه سيقوم بتحويل المال لنا، وكيف نساعده على أن يثق بعلامتنا التجارية. وهنا بدأنا في بناء سمعة كبيرة للعلامة، ونشر فكرة أنه «براند» موجود وقوي وموثوق. كذلك واجهنا تحدياً آخر بأن المجال كان جديداً بالنسبة للمرأة السعودية، ولم تكن فكرة التعامل مع مصممة سعودية منتشرة مثل الآن، بخاصة أنها لم تدرس هذا الاختصاص، وكانت تعتمد فقط على موهبتها وإبداعها الشخصي، بل كان مستحباً حينها التعامل مع مصمّمين ومصمّمات أجانب، لذا أخذ بناء اسم العلامة منا وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، لكن تميّز منتجاتنا حمّس الناس على التعامل معنا بسرعة.
التمسّك بالأصالة
تجمع تصاميمك بين الطابع التقليدي والتفاصيل العصرية اللافتة، كيف تتمكّنين من دمج التناقضات بهذا الشكل؟
هناك مقولة شعبية معروفة عندنا: «اللي ما له أول ما له تالي». وأنا بوصفي مصممة أزياء متمسّكة بالأصالة، وبالأفكار التقليدية، ولدي ارتباط وثيق بالأساس، لذا تجدون أن كل تصاميمي تدور حول التفاصيل نفسها في الألوان الهادئة، والأكمام، والتفاصيل البسيطة. لكن مع لمسة خاصة تجعلها مميزة وذات هوية واضحة، وهذا هو الإبداع بأن تجلب الأفكار العصرية، وأن تدمجها بطريقة فنية مع الطابع التقليدي.
تتميّز تصاميمك بالألوان الهادئة، كيف تتجنَّبين التكرار في هذا الجانب؟
دائماً ما يسألني المحيطون بي: ألا تخافين أن تملّ العميلات من تصاميمك؟ وأجيبهم: هذه هوية العلامة الخاصة بي، وهذا ما ساعدني في بناء تصوّر ذهني حولها، حتى إن الكثيرين في المعارض عندما يرون تصاميمي، يعرفونها، ويعرفون أنها لي قبل أن يروا اسم العلامة، وهذا ما يهمني فعلاً، بأن أحافظ على هوية علامتي. تغيير نمط التصميم كل يومٍ نتيجته ضياع العميلة، ودخولها في حيرة من أمرها، هل العلامة كلاسيكية، أم «مودرن»، أم «مينيمالية»، أم جريئة. وفي الوقت الذي كانت فيه الناس تعدّ تلك «مخاوف»، كنت أعدّها ميزة لعلامتي، واليوم كل مَن حولي من النساء، والمؤثّرات، ومدوّنات الموضة، يتّجهن إلى تصاميمي إذا ما كانت لديهن مناسبة خاصة ومميزة وكبيرة. فقد ترسّخ في ذهنهن أن هذه العلامة تقدم تصاميمَ كلاسيكية أنيقة، وغير متكلّفة، وغير متخمة بالتفاصيل، وتمثّل الصورة الاجتماعية الراقية للمرأة السعودية. أنا على يقين بأن المرأة، تستطيع إظهار أناقتها وطابعها الشخصي بالبساطة، وباختيارها القطع الكلاسيكية.
علامتك متخصّصةٌ في الفساتين والعبائات والجلابيات والقفاطين، هل سيكون لديك مستقبلاً خطٌّ للملابس اليومية؟
حاليًا ليس لدينا هذا التوجّه، لكنه من الأفكار المطروحة لمستقبل العلامة بأن يكون لدينا خطٌّ آخر أبسط من تصاميمنا، وموجّه للمرأة العاملة، لأننا نسأل دائماً عن عباةات تكون بسيطة وأقل رسمية، وفي الوقت نفسه بجودة تصاميمنا الأساسية. وخلال عام من الآن سيكون لدينا تصوّر واضح إذا ما كانت هذه الفكرة قابلة للتنفيذ.
هل أنت مهتمة بمتابعة لقاءات مع مصممين الأزياء..تابعي اللقاء مع المصممة السعودية نور الظاهري: المجموعة الرمضانية هي الأحب إلى قلبي
حضور قوي
كيف تنسّقين الإطلالات الكاملة لتصاميمك، وهل تبتكرين الإكسسوارات اللازمة، أم تتعاونين مع مصمّمين آخرين؟
بوصفي مصممة، أحبّ دائماً أن أتخيّل أنني أرتدي التصاميم بنفسي، وأن أكوّن تصوّراً كيف أحبها أن تظهر، وما الإكسسوارات التي تناسبها. أخيراً كان لنا تعاون مع منسّقة الإطلالات العنود السويلم في كأس السعودية، وكان تعاوناً ناجحاً، لأنها متميزة جداً في مجالها. وأتطلَّع لأن يكون لنا فرص تعاونٍ أخرى مستقبلاً، ومع منسّقين ومنسّقات متميزين.
ما الدور الذي لعبه برنامج 100 براند سعودي في نجاح علامتكِ؟
نحن مع 100 براند سعودي منذ ثلاثة أشهر، وقد يظن بعضهم أنها فترة قصيرة، لكن كان لها تأثير كبير من خلال البرامج الأسبوعية التي قدّمت لنا. وعلى المستوى الشخصي، استفدت كثيراً من بعض المحاضرات والنصائح والمعلومات التي وُجِّهت خلالها. كما جعلت مشاركتنا في كأس السعودية تحت مظلة 100 براند علامتي معروفةً لشريحة أكبر من الناس، إلى جانب تسليط الضوء علينا، واهتمام الإعلام بنا. كلّ هذا ساعدنا على التوسع والانتشار خارج حدود السعودية، والوصول إلى دائرة من الناس، كان صعباً الوصول إليها دون مساعدة 100 براند وهيئة الأزياء.
كم مجموعةً قدّمت حتى اليوم، وما أحبّها إلى قلبك؟
قدّمت كثيراً من المجموعات ما بين عامَي 2013 و2023. يمكن القول إنني قدّمت ما يزيد عن 15 مجموعة، كوننا نطرح تقريباً مجموعةً، أو مجموعتين سنوياً، تتنوّع ما بين الشتوي والصيفي، والعباءات والجلابيات والقفاطين. أما أحبّها إليّ، فهي مجموعة القفاطين الرمضانية، فشهر رمضان مميز لنا، والناس تكون سعيدةً فيه، ويزيد التفاعل معنا خلاله ومشاركة الصور.
مشروع العلا
لديكم مشاركات وطنيةٌ متميزة، منها مشروعكم مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا، ماذا تقولين عنه؟
هذا المشروع الذي تمّ بيننا في علامة نور الظاهري، والهيئة الملكية لمحافظة العلا، هو من أهم المشاركات الوطنية لنا، إذ تمّ توقيع مناقصة كبيرة معها، نقوم بموجبها بتصميم ملابس ومظاهر كل الموظفين التابعين للهيئة في كافة المناصب والتخصّصات، رجالا ونساء، حتى إنه كان يشمل «شتاء طنطورة»، والفرق الموسيقية في مسرح خيبر. هو مشروع ضخم جداً، وقد صمّمنا لهم أكثر من ألف قطعة، لم تقتصر فقط على العباءات، بل وقدّمنا أيضاً الفساتين والبدلات، والجاكيتات، والقبعات، والمظلات، والأحذية، وكل تفصيلٍ آخر مرتبطٍ بالمظهر. وكان أهم طلب من قبل الهيئة أن تكون المجموعة مستوحاة من الطبيعة الجغرافية لمنطقة العلا، لذا تعمّقنا في كل التفاصيل مثل الجدران، والجبال، والرمال، والمناطق الأثرية، والطبيعة الخلّابة، ما انعكس على التصاميم بطريقةٍ خيالية. وسنشارك هذه التصاميم بشكل حصري مع «سيدتي»، ونود هنا أن نشكر الهيئة الملكية لمحافظة العلا لاختيارهم علامتنا وثقتهم بنا.
ومن عالم التصميم أيضأً اخترنا لك المصممة آلاء أحمد: على كل امرأة أن تبحث عن هويتها في الأزياء
الأزياء المحتشمة
تظهر تصاميمك رؤيةً قويةً حول المرأة السعودية وشخصيتها المتميزة، بماذا تفسّرين الأمر؟
دائماً ما أقول إن المرأة السعودية قادرة على فعل المستحيل، لا سيما بعد إطلاق رؤية 2030 التي مكّنتها في مختلف المجالات، ومواكبة لها أحرص في تصاميمي على عكس صفات المرأة السعودية القادرة على الجمع بين أن تكون امرأة عاملة وناجحة، وأن تظهر أنيقةً في الوقت نفسه، وتحافظ على موروثها الثقافي السعودي المميَّز.
تقديم أزياء محتشمة، لكن بنمط متجدد ولافت، هل هو أمر صعب على المصممة؟
تصميم الملابس المحتشمة أمر صعب جداً، لأن المجتمع يربط الاحتشام بصورة الملابس الفضفاضة غير الأنيقة، فأن أقدّم ملابس محتشمةً، وفي الوقت نفسه لافتة وجذَّابة، هذا ليس أمراً سهلاً، لكن بالنسبة لي، أعدّ هذا ملعبي، فأنا أحبّ هذا النوع من الملابس ذات الأكمام الطويلة، والقصّات المريحة المتناسقة. وتصاميمي تظهر باللاوعي، ولا أتقصّدها أبداً، لذا لا أعدّهذا الأمر صعباً علي، بل نقطة قوة.
هذا النوع من الملابس هو ما نتميّز به، ونستطيع أن نرتديه، ونكون في كامل أناقتنا، فليس ضرورياً ارتداء ملابس مبهرجة حتى أكون لافتة، بل يمكنني جذب الأنظار بعباءة أنيقة راقية.
شهر رمضان من أكثر الأشهر التي تعطي مجالاً للمصممين السعوديين ليبرزوا، ويتألقوا، وفيه يتسابق الجميع على تقديم أفضل ما لديهم، وهذه المساحة هي بمنزلة السهل الممتنع، إذ إن خيطاً رفيعاً يفصل بين التصاميم الكلاسيكية والتصاميم الشعبية، وبين الجلابيات المبتكرة والقفاطين العصرية والفساتين. هذه المساحة من التصميم، هي الأقرب إلى قلبي، وأشعر بأنه يمكنني الإبداع فيها، وتقديم ما أريد من تصاميم وألوان، إلى جانب الخروج عن النمط التقليدي في التصميم. والحمد لله هو من أكثر التصاميم المطلوبة والناجحة لدينا، ويرتفع الطلب على منتجاتنا خلال الشهر الكريم، ما يتيح لنا الخروج بأفكار جديدة، تربط بين الماضي والحاضر، ويطغى فيها الطابع الرمضاني ذي الخصوصية المميزة في السعودية.
الرياض عاصمة الموضة
هل تنافس الرياض عواصم الموضة العالمية برأيك؟
الرياض حالياً في منحى تصاعدي سريعٍ جداً في مجال الموضة، وفي غضون الأعوام الخمسة المقبلة، ستصبح من أهم وأشهر عواصم الموضة في العالم، وهذه ثمرة من ثمار «رؤية 2030»، واستراتيجيات التمكين التي اعتمدتها وزارة الثقافة وهيئة الأزياء. نحن في الاتجاه الصحيح للوصول إلى أهدافنا بالمجال، ومع أننا في بداية الطريق، لكننا تمكّنّا من تحقيق إنجازات ضخمة.
هل تفكّرون بإنتاجٍ محلي للأقمشة، ليكون المنتج بأكمله سعودياً؟
نجلب أقمشتنا من أرقى المصادر في العالم، من بلجيكا والهند وإسبانيا وفرنسا، ثم نضيف إليها لمساتنا الخاصة. حالياً لا نفكّر بالتخصّص في الأقمشة، كوننا نركز على التوسّع في أعمال العلامة، وخطوط الأزياء، وإبداعاتنا في التصاميم.
ما الرسالة التي توجّهينها للمرأة من خلال «سيدتي»؟
رسالتي للمرأة دائماً: كوني راقية، وقوية، وبسيطة، فالرقي يكمن في البساطة.
نقترح عليك متابعة اللقاء مع المصممة أروى القاضي: أحب دمج اللمسة التراثية مع الأسلوب العصري
**ملاحظة: صور التصاميم من المصدر نور الظاهري