استمدّ المصمّمون على مرّ الزمن من الأفلام السينمائية إلهامهم، فنبض الحياة وإيقاع الشارع مرتبط بالشاشة، لذا فهم يستوحون من الماضي والحاضر، ومما يحمله المستقبل ليترجموه على ورق ينفذ على قماش، ويطرز بأنامل صغيرة تترجم السحر، وتجسّد الأفكار المتراقصة في المخيلة.
إنّ علاقة الموضة والسينما متشابكة، ولا يمكن النظر إلى واحدة من دون الأخرى، فالأفلام تحتاج إلى أزياء مرتبطة بالحقبة التي تصوّرها، والمصمم يحتاج إلى تسويق غير مباشر لإبداعه، ومن هنا نشأت تلك العلاقة المربحة للطرفين. ولكن، من يجني أكثر، وما أسس تلك العلاقة؟ سنتعرف إليها معاً عبر قصص تعاون سجّلها عالم الموضة بين نجوم ومصمّمين وبين أفلام ومصمّمين، ورواها المخرج بالصوت والصورة على الشاشة الذهبية والفضية، عبر حفيف ثوب متطاير التقطته عدسة مخرج بارع، لتغدو تلك اللحظة الأيقونية مرادفاً لنجاح الفيلم في تركيبة كيميائية هائلة لا تخلو من السحر والشغف.
No Dior No Dietrich (Marlene Dietrich)
من أشهر الأفلام التي شهدت تعاوناً مثمراً مع الدور العريقة، نذكر فيلم Stage Fright للمخرج ألفرد هيتشكوك، فنجمات أفلامه هن الأكثر أناقة، وعلى رأسهن مارلين ديتريتش Marlene Dietrich؛ حيث كان الراحل كريستيان ديور Christian Dior يشرف بنفسه على إلباسها، وقد عُرفت بعبارتها الشهيرة No Dior, No Dietrich؛ الأمر الذي أجبر المخرج على التعاقد مع ديور، وتم تنفيذ فساتين الريش والتول المنفوخ مع السترات الضيقة عند الخصر خصيصاً لها.
Yves Saint Laurent & «Belle De Jour»
تعدّ دار سان لوران الشريك المثالي الذي اختارته سفيرين سيريزي Severine Serizy لتصميم أزياء جريئة في العام 1967. ولن ننسى الصداقة التي ربطت المصمم إيف سان لوران بكاترين دونوف، فصمّم لها قبعات وأزياء لامعة من الفينيل Vinyl، وسترات من الفرو ومعاطف أيقونية اشتهرت بها نساء تلك الفترة، اللواتي اقتبسن من إطلالاتها لملء خزانتهنّ بقطع راقية من وحي هذه النجمة.
«Givenchy & «Breakfast at Tiffany’s
يجسد هذا الفيلم ثمرة التعاون الوثيق، وهو شاهد على الصداقة الوطيدة بين المصمم أوبير دو جفنشي Hubetrt De Givenchy والنجمة أودري هيبورن Audrey Hepburn، وهو من أكثر الأفلام ارتباطاً بالموضة لجهة القبعات والمعاطف المزدوجة وموضة الكعب الصغير Kitten Heels والترنش كوت Trench Coat البيج.
Chanel & «Last Year» in Marienbad
هو فيلم رومانسي، وقد تعاقدت البطلة دلفين سيريغ Delphine Seyrig مع كوكو شانيل Coco Chanel، التي صمّمت لها فساتين سوداء وفستان سهرة من الشيفون مع كاب منفّذ من الريش.
يمكنك الاطلاع على الأسطورة باكو رابان يحلق بعيداً
Ask the Designer
السينما والموضة، مصالح مشتركة أم صداقات وطيدة؟
يعدّ المصمم جو شليطا حارس تاريخ الموضة اللبنانية؛ إذ أسّس حساباً على إنستغرام يتعلق بتاريخ الموضة في لبنان، ويلقي الضوء، خاصة على علاقة السينما بدنيا الموضة؛ لأنّ السينما كما يقول «نافذة يطلّ بها المصمّم على المجتمع»، لذا فمن الطبيعي أن يكون التأثير عميقاً. من يستفيد أكثر: المصمّم أم السينما؟
تلتقط المحلات التجارية صيحة رأتها في فيلم أو على السجادة الحمراء، مثل الكشاكش وأزياء الريش، وتبني عليه مجموعات. وفي المقابل، يستفيد النجم من العلاقة التي يبنيها مع مصمّم على السجّادة لتثمر عن سلسلة من التعاون. هذه العلاقة اليوم أقرب إلى مصالح تجارية بعدما كانت مرتبطة بصداقات وكيمياء بشرية. ففي الستينيّات نشأت صداقة بين أوبير دو جيفنشي وأودري هيبورن تطوّرت إلى أعمال سينمائية، ومن أبرزها Breakfast At Tiffany’s، الذي طوّر علاقة النساء بالموضة الراقية التي بدأت تقترب من الحياة اليومية. وفي التسعينيّات مثلاً، أطلت جنيفر لوبيز في حفل Emmy Awards بفستان أخضر صمّمته لها دار فرساتشي Versace، وحصد أكثر نسبة متابعة على الإنترنت، إلى حدّ دفع به القيّمون على محرّك البحث «غوغل» إلى إضافة خاصية الصور بعد هذه التجربة.
هل بات تأثير النجوم مضاعفاً مع الإنترنت وانتشار مواقع التواصل؟
باتت العلاقة بين النجوم والمصمّمين والأفلام وطيدة، ولكن لم يعد لها برأيي التأثير نفسه كما في السابق؛ لأنّ السينما لم تعد مرآة الناس على الموضة، فمواقع التواصل والمؤثرون أخذوا مكان النجوم، ولم يعد الناس ينتظرون معرفة الموضة من النجوم فقط، بل من أناس عاديين يجتازون الشارع، وينسقون أزياءهم ببراعة، وينشرون فيديوهات Reels على إنستغرام، ونستطيع التواصل معهم بكبسة زر~ على الهاتف.
ما التأثير الذي تركه مسلسل Sex in the City على جيل التسعينيّات في الموضة؟
تأثر جيل التسعينيّات بهذا المسلسل، وساهم في صعود باقة من المصمّمين ارتبطت أسماؤهم بشخصيات سارة جيسيكا باركر، فارتفعت أسهم مانولو بلانيك Manolo Blahnik مصمّم أحذيتها، وأوسكار دي لارنتا Oscar De La Renta. لقد نقلنا المسلسل إلى عالم من التميز في اللباس؛ إذ يكفي ارتداء ملابس فنتدج قديمة وتنسيقها بطريقة تراعي هوية كل منا لنغدو متميّزين.
وأخيراً، حاول مسلسل Emily In Paris الحلول مكان هذا المسلسل، ولكن التأثير لم يكن بالدرجة نفسها، بخاصة بعد الجزء الأول منه، فالناس تغيّروا، والتكنولوجيا غيّرت أسلوب حياتنا، ولا يمكننا إعادة كلّ ردات الفعل، ولا يمكن احتساب النتيجة على عالم الموضة. «كاري برادشو» Carrie Bradshaw في Sex in the City، كانت علامة فارقة في عالم الموضة ويصعب تكرارها.
ماذا عن تأثير السينما العربية في الموضة؟
تعدّ الشحرورة صباح أيقونة الموضة العربية في الزمن الجميل، فإطلالات فيروز كانت تعدّ كلاسيكية مقارنة بها، ومن أهمّ الأفلام التي أثرت في الموضة وطريقة الناس في اختيار الملابس في فترة الخمسينيات والستينيات، نذكر فيلمين، وهما:
إزاي أنساك 1956، بطولة صباح وفريد الأطرش.
شارع الحب 1955، مع عبد الحليم حافظ.
لقد ساهمت النجمة في إيصال اسم المصمم جوزف هاروني إلى أعلى المستويات عبر تعاونها معه، وما لبثت بعدها أن تعاونت مع وليم خوري الذي كان ينفذ لصباح إطلالاتها في المهرجانات والمناسبات بعدما كانت في السابق تتعامل مع خيّاطة محترفة هي السيدة صالحة. من المعروف أن صباح كانت وفية للطاقم الذي تعمل معه، فالعلاقات كانت أكثر وفاء من اليوم، وتقترب من الصداقة بعيداً عن المصالح.
وفي فترة السبعينيّات غدت ملكة جمال الكون جورجينا رزق وسيلفانا بدرخان أيقونتَي موضة بالنسبة إلى المراهقات اللواتي كنّ يقلدنهما في طريقة لباسهما العصرية.
من هن أيقونات الموضة العصرية في السينما اليوم؟
لا يوجد للأسف، فاليوم يستوحي الناس من أناس عاديين، ويساهمون في إيصالهم إلى النجومية، كما هو الحال مع البلوغرز، فلدينا تدفق في المعلومات Influx Of Information، بينما نشهد للمايكرو إنفلونسرز Micro Influencers تأثيراً أكثر في الناس من أولئك الذين يمتلكون حسابات بملايين المتابعين على إنستغرام.
يمكنك الاطلاع ما الرسالة التي حرصت الملكة إليزابيث على تضمينها من خلال أزيائها الملونة؟
Ask the Stylist
هل للمسلسلات تأثير أقوى من الأفلام في الموضة؟
يمتلك بشارة عطاالله، المصمّم وخبير الأزياء المسرحي، خبرة عريقة في تصميم ملابس للمسرح وللسينما، وهو من هواة الملابس القديمة، فالموضة تستوحي من جذورها المستقبل، ومن ليس له ماضٍ، لا مستقبل له كما يقول.
«ما نراه في السينما يؤثّر بشكل مباشر، وفي اللاوعي لدينا، في طريقة اختيار ملابسنا، فنحن نتماهى مع شخصيات الأبطال والأدوار التي تحاصرنا في عالم السينما الجميل». بهذه الكلمات عبّر المصمم عطاالله عن مدى سلطة الأفلام والمسلسلات على سلوكنا وعاداتنا، لذا فمن الطبيعي أن يستغلّ المصمّمون هذه السلطة للتأثير في الجمهور.
والعكس جائز بحسب عطاالله، فـ«العمل الفني من سينما ومسرح ومسلسل تلفزيوني يقتضي دراسة الحقبة التي يتكلم عنها العمل، ويتم تفحص أسماء الستايلست وخبراء الأزياء للتعاقد مع شخص كفء يستطيع نقل الحالة وترجمتها عبر أزياء تحاكي الزمن».
هل للمسلسلات تأثير أقوى من السينما أما العكس صحيح؟
إن صيحات الموضة التي نراها في المسلسلات والأعمال التلفزيونية المعاصرة تظهر لنا طرقاً جديدة في تنسيق الأزياء، وتسهّل طريقة تقبل الناس لها. تساهم هذه الأعمال في دمج هذه الثقافات بوصفها أسلوب حياة نعتمده في حياتنا اليومية. وفي المقابل، تساهم المسلسلات والأفلام التاريخية في إعادة صيحات قديمة للموضة.
هل للنجوم قدرة للتأثير في ذوق الناس؟
في المسلسلات، يتعامل النجوم مع خبير أزياء يحضّر مستلزمات الأدوار والشخصيات من أزياء وإكسسوارات، ويناقش مع خبراء التجميل والمخرج كل التفاصيل. فكل ما نراه من أزياء مخطّط ومدروس، وليس هناك مجال للصدفة. يرتبط خبير الأزياء بعلاقات بدور الأزياء، وكافة الماركات؛ الأمر الذي يسهل له تنسيق الملابس والتقيّد بمحور العمل الفني.
هل للأفلام دور في إقبال الناس اليوم على أزياء الفنتدج؟
أملك بدوري متجراً للملابس الفينتاج، وأستفيد منه لبناء الشخصيات في المسلسلات القديمة، والمسرحيات، فالأزياء مرآة لشخصية الإنسان، ولا يمكن اختيار زيّ من دون معرفة شخصية من سيرتديه، وما الرسالة التي يودّ كاتب السيناريو والمخرج إيصالها.
من المؤكد أن الأفلام تؤثر ليس فقط في جمهورها، بل في النجمات، بدليل أنّ النجمة نادين نسيب نجيم تعاونت مع المصمّم العالمي زهير مراد Zuhair Murad، ونفّذا فستاناً ظهرت فيه على سلالم مهرجان كان الأخير، من وحي بريجيت باردو Brigitte Bardot وحقبة الخمسينيات الذهبية.
لقد ساهم بعض الأعمال التي رأيناها أخيراً، مثل «زهرة»، في ترسيخ موضة الفساتين المطبّعة بالورود. أتوافق الرأي؟
لقد عرفنا الفساتين المطبّعة بالورود الكبيرة لدى «دولتشي اند غابانا» Dolce & Gabbana، ونستعيد شخصية «مالينا» بالأزياء المطبعة أو المنقّطة أو تلك المخرّمة بالدانتيل التي ارتدتها مونيكا بيلوتشي Monica Belluci، ولكنّ الأعمال المعاصرة طوّرت الصيحات لتسود الفساتين ذات طبعات الزهور المنمّقة، مثلما ارتدت النجمة نادين نسيب نجيم، وباتت مطلباً للشابات والمراهقات بشكل خاص. فالسوشيال ميديا سرّعت من تأثير النجوم والأعمال الدرامية بفضل قدرتنا على مواكبة الأعمال في لحظة تصويرها؛ الأمر الذي ضاعف من تأثير النجوم والأفلام في الموضة.
إكتشفي معنا كيف أثرت حقبة الرومانسية على فساتين الزفاف؟ Nostalgia